IMLebanon

تلاشي الفرص المحلية يدفع الشركات الألمانية للهجرة خارج البلاد

FinancialTimes
كريس برايانت من فرانكفورت وستيفان واجستيل

“باسف” أكبر شركة كيماويات في العالم من حيث المبيعات، تعتبر في منتصف عملية تحديث كبيرة لموقع الإنتاج الرئيس التابع لها بالقرب من نهر الراين في لودفيغسهافن. لكن كورت بوك، رئيسها التنفيذي، يقول إن حصة ألمانيا النسبية من إجمالي الاستثمار في “باسف” من المقرر أن تنخفض، جزئياً بسبب انخفاض توقعات النمو في أوروبا، ولكن أيضا بسبب ظروف الاستثمار الأكثر جاذبية في أماكن أخرى.

هذا التدفق الخارجي هو الذي يسبب القلق بشأن مستقبل البلاد على المدى الطويل في الوقت الذي تواجه فيه برلين خطر الركود في ظل التباطؤ في منطقة اليورو.

وتنظر “باسف” في إمكانية أن تستثمر أكثر من مليار يورو في منشأة أمريكية جديدة، وهو استثمار من شأنه أن يساعد الشركة على أن تستفيد أكثر من ثورة الصخر الزيتي التي أدت إلى انخفاض أسعار الغاز في الولايات المتحدة أكثر مما هي عليه في ألمانيا.

وقال بوك: “أمريكا الشمالية الآن أكثر ربحية بكثير من ألمانيا. إذا كنت قد قلت لي قبل خمس أو عشر سنوات إن هذا من شأنه أن يحدث، لكنت قد قلت لكم: لا، لن يحدث أبدا”. وأضاف: “هذا يخبرك بأمور كثيرة: أننا في أوروبا تحت ضغط شديد لتحسين الإنتاجية لدينا”.

أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، ضمت الأسبوع الماضي صوتها إلى النداءات المطالبة بإدخال تحسينات على مناخ الاستثمار الألماني، حيث أظهرت الصادرات وبيانات المصانع في آب (أغسطس) أدنى مستوى لها منذ عام 2009. لكن حتى الآن لا تزال الحكومة الائتلافية متمسكة بتعهدها بتحقيق التوازن في الميزانية في عام 2015، وبالتالي استبعاد أية تعزيزات كبيرة في الإنفاق العام.

وبدلاً من ذلك ستركز الحكومة على تدابير لتشجيع الاستثمار الخاص. ويمكن لهذا أن يكون تحدياً لأن الشركات تكافح للعثور على أسباب تجعلها تستثمر في الداخل. ومستوى الاستثمار الخاص والعام مجتمعين هو الآن دون المستويات المطلوبة لعملية الاستبدال. وأصبحت مقولة “ألمانيا تأكل عاصمتها” تتكرر بكثرة في برلين.

وحصة إجمالي تشكيل رأس المال الثابت في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 17 في المائة فقط، وهي نسبة أقل بكثير من المتوسط البالغ 21 في المائة بالنسبة للبلدان الصناعية. ويؤدي هذا إلى وجود مشكلات طويلة الأجل لألمانيا: يجب على السكان المحليين المسنين رفع إنتاجيتهم، أو مواجهة انخفاض في مستويات المعيشة، حيث يتسبب تقاعد مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية في انكماش القوى العاملة.

وبدأت شركة EBM-PAPST الصانعة للمراوح الصناعية، عملية توسع بقيمة 50 مليون يورو لمصنعها في مولفنجن هذا العام. لكن راينر هاندسدورفر، الرئيس التنفيذي للشركة، يشعر بخيبة أمل بسبب سوء حالة الطريق الذي يجب أن تسير عليه شاحناته للوصول إلى موقع إنتاج قريب، وهو طريق لم يتم إصلاحه لسنوات. ويقول: “الشركات ليست مسؤولة عن إصلاح البنية التحتية العامة، وإنما هذا ما ندفع الضرائب من أجله (…) وإذا لم تفعل [الدولة] شيئا حيال هذا الأمر، فإن ألمانيا لن تصبح جذابة كموقع للاستثمار وستستثمر الشركات في أماكن أخرى”.

وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، انخفضت استثمارات الشركات في الآلات والمعدات منذ عام 2011، ولا تزال دون ذروة ما قبل الأزمة. وقد تبددت الآمال في الانتعاش هذا العام بسبب الاضطرابات الجيوسياسية والتحولات في السياسة التي تثير قلق الشركات. وتشمل هذه إدخال تعزيزات للحد الأدنى للأجور والمعاشات للأمهات الأكبر سناً وعمال الخدمة الطويلة.

وتقلصت شركات المنافع العامة الألمانية، وبشكل تقليدي كبار المستثمرين، بسبب المنافسة من الطاقة المتجددة المدعومة، وكان رد الفعل على ذلك هو خفض النفقات الرأسمالية.

وتتوقع شركة آر دبليو إي خفض الإنفاق الرأسمالي من 4.5 مليار يورو في العام الماضي إلى نحو ملياري يورو سنويا بحلول عام 2016، أو إلى ما تطلق عليه مصطلح “مستوى الصيانة”. أما شركة إيون، فإنها تقلص الاستثمار في الداخل وتركز على الخارج، مثلا، في البرازيل وتركيا.

وقال فرديناند فتشر، من المعهد الاقتصادي DIW: “كل هذا يضع أعباء جديدة على الشركات الألمانية في الوقت الحالي وفي المستقبل على حد سواء”.

ولأن الأرباح عالية وتكاليف الاقتراض عند مستويات متدنية شبه قياسية، شرعت الشركات الألمانية في موجة من عمليات الاستحواذ التكنولوجي عبر الأطلسي. فقد وافقت شركة سيمنز على دفع 7.6 مليار دولار من أجل شركة دريزر – راند، لإيجاد موطء قدم أقوى في معدات صناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة. وقالت شركة ساب إنها ستنفق 8.3 مليار دولار على كونكير، مجموعة برمجيات نفقات السفر الأمريكية. ووافقت زي إف فريدريشهافين على الاستحواذ على الشركة الموردة لقطع غيار السيارات، تي آر دبليو، مقابل 11.7 مليار دولار. وتخطط إنفينيون، مجموعة أشباه الموصلات الألمانية، لشراء شركة إنترناشونال ركتيفاير بمبلغ ثلاثة مليارات دولار.

واستثمرت الشركات الألمانية في الطاقة الإنتاجية في الخارج للاستفادة من فرص النمو في الولايات المتحدة والصين. وقال نوربرت ريثوفير، الرئيس التنفيذي لشركة بي إم دبليو، أثناء الإعلان عن توسعة بمبلغ مليار دولار في مصنع للسيارة الرياضية المتعددة الاستعمالات في ولاية كارولينا الجنوبية في آذار (مارس) الماضي، إنه سيتجاوز دنجولفنج، شمال شرق ميونيخ، ليصبح أكبر مصنع للشركة.

لكن في حين ارتفع الاستثمار الألماني الأجنبي المباشر في العقد الماضي، إلا أنه أقل من 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ولا يمكنه وحده أن يفسر الإحجام المحلي عن الاستثمار.

وتضاعفت تقريبا ودائع المصارف المحلية من الشركات الألمانية في العقد حتى كانون الثاني (يناير) 2014 لتبلغ 418 مليار دولار، وفقا لبيانات البنك المركزي الأوروبي. وقد اختارت الشركات الجلوس على أموالها لعدم وجود فرص في أوروبا.

وقال رالف ويتشرز، كبير الاقتصاديين في رابطة الهندسة VDMA: “انطباعي هو أن الشركات الألمانية تنفذ استثمارات لتحديث مصانعها، لكنها لا تقوم بعمليات توسع كبيرة في الطاقة المحلية”. وأضاف: “بدون نمو كبير ما الذي يجعلك تقوم بعملية التوسع؟ توجد هناك عقلية الانتظار ورؤية ما سيحدث”.

هاندسدورفر في EBM PAPST لا يؤمن بفكرة “إنفاق المال الذي لا تملكه”. لكن كما يقول: “هناك الكثير من الأمور التي يجب على الحكومة دعمها – إنها ليست مجرد الطرق، ولكن أيضاً شبكات البيانات (…) ربما لدينا الآن فترة هدوء [في الاقتصاد] لكن مع الابتكار والإبداع يمكن أن نتغلب على ذلك”.