IMLebanon

الاقتصاد الأوروبي في منطقة الخطر

Joumhouriya-Leb
بروفسور غريتا صعب
لا يعتبر حديث Yves Mersch من العموميات، ولا هو هامشي، إنما يعني الحديث عن منطقة يشكّل اقتصادها نحو خِمس إنتاج العالم، والتي هي اليوم تسير نحو الركود والانكماش. والمتفائلون، على قِلّتهم، من داخل أوروبا وخارجها، يستشهدون باليابان كمثال على دولة سقطت في الانكماش في أواخر تسعينات القرن الماضي، ولم تكن النتائج كارثية عليها أو على الاقتصاد العالمي ككلّ.

وعلى عكس اليابان، فإنّ منطقة اليورو تشكّل خطراً أكبر. والمجتمع الأوروبي ومشاكله وعدم تجانسه وارتفاع أعباء الديون فيه، كلّ هذه الأمور تشكّل خطراً على السياسيين في مواجهة الأطراف المتصلبة، وعلى اليورو الذي قد يواجه في فترة زمنية ليست بمحددة، إنما غير بعيدة، مشكلة الانهيار.

والخطر الأكبر الذي يواجه أوروبا حالياً هو خطر الانكماش، لا سيما إذا كانت الشركات والناس تتوقّع تراجع الأسعار، فسوف ينخفض الطلب ويتوقّف الإنفاق ويتأخّر سداد القروض. وهذا ما حدث في الكساد العظيم عام 1930، والذي جاءت عواقبه وخيمة على ألمانيا بالتحديد.

أضِف الى ذلك ما تعانيه أوروبا من عيوب كثيرة وديون ثقيلة وشلل في أسواق العمل وسياسات خاطئة وتفاوت في الرؤيا بسبب إصرار ألمانيا على التقشّف المالي وهاجس تخفيض العجز، كذلك رفضها تخفيف القيود النقدية. ما يعني انّ المركزي الأوروبي، وعلى عكس المصارف العالمية، فَعلَ القليل القليل من أجل الخروج من هذه المحنة المتزايدة، لا سيما انّ علامات التوتر بدأت تظهر في الاسواق.

إنّ ضعف الأداء في منطقة اليورو أصبح مصدر قلق على نطاق واسع، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية وصندوق النقد الدولي اللذين يعتبران انّ هذه الكتلة، والتي تشكّل خمس الاقتصاد العالمي، يمكنها ان تكون سبباً وجيهاً في تراجع الرخاء العالمي.

أضِف الى ذلك ضرورة مراعاة ميثاق الاستقرار والنمو وانضباط الميزانية، واللجنة الأوروبية عليها القيام بما تُمليه قرارات بروكسل من حيث قبول ميزانيات الدول أو رفضها، لا سيما فرنسا للعام 2015.

كلّ هذه الأمور يجب أخذها على محمل الجد، وأوروبا غارقة في متاهات الإصلاحات التي لا بد منها، وقرارات ميركل وحكومتها وبرودة دراغي وسياسته المالية.

لذلك، قد يكون الانكماش لا مفرّ منه وقد أصبح حقيقة واقعة في العديد من البلدان الاوروبية، على الأقلّ في ما يتعلق بأسعار السلع مقابل الخدمات (بين دوَل أوروبا الـ 15، شهدت 11 دولة منها تراجعاً في أسعار السلع بين أيلول الحالي وأيلول السنة الماضية)، إلّا أنّ دوَل ألمانيا وبريطانيا والنمسا وفنلندا شهدت فقط ارتفاعاً في معدل الأسعار، علماً انّ هذا الارتفاع لم يتجاوز نصف نقطة مئوية.

لذلك، قد تواجه أوروبا هذه الأيام لحظة مصيرية تحدّد بدرجة كبيرة اتجاه القارة في الأعوام المقبلة: الانتخابات البرلمانية في أوكرانيا
و«Stress Test» الذي يُجريه البنك المركزي الأوروبي، أضِف إليها قرار اللجنة الأوروبية بشأن ميزانية فرنسا للعام 2015.

وإنّ تطور هذه الأحداث الثلاث سيحدّد ما اذا كانت أوروبا على طريق الانتعاش الاقتصادي أو الاتجاه نحو الركود، ما يؤدي الى أكثر من انهيار اليورو. كذلك، قد لا يكون خبراً ساراً بالنسبة للاتحاد ككلّ، وفق Anatole Kalesky، وهو صحافي اقتصادي.

وهذه الأحداث الثلاث قد تساعد أوروبا للخروج من حلقة مفرغة من الفشل السياسي والركود الاقتصادي، وإذا لم تستطع الخروج من هذه الحلقة فهذا يعني انّ الركود حاصل ومستمر ولا أمل لأيّ انتعاش اقتصادي في العام المقبل.

لذلك، قد تكون أوروبا، وفي الوضع الحالي، غير مستقرة، وقد يكون الـ «Stress Test» عاملاً مهماً يعطي فكرة عن وضعية المصارف في المنطقة، هذا مع العلم انّ 24 مصرفاً أوروبياً فشلت في هذا الاختبار، ولديها الآن 9 أشهر لإعادة هيكلية ماليتها أو انها سوف تواجه خطر الإغلاق، علماً انّ الكثير من المحللين يُشكّكون في كيفية إجراء اختبارات التوتر هذه، لا سيما انّ التجارب السابقة أظهرت فشلها بعد انهيار القطاع المصرفي الايرلندي وديكسيا البلجيكي.

وقد تكون المصارف الإيطالية الأكثر تأثّراً باختبار التوتر هذا، لا سيما انّ 9 من مصارفها فشلت في الوصول الى التزام ما هو محدد في هذا الاختبار (الذي فُرِضَ على 123 مصرفاً، بما فيها مصارف في المملكة المتحدة، للتأكد من صحة القطاع المصرفي وإمكانيته، أو بالأحرى جهوزيته، لمواجهة سلسلة من الصدمات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض حاد في أسعار العقارات وانخفاض النمو الاقتصادي).

وللمعلوم انّ الوضوح حول صحة القطاع المصرفي سيشجّع المصارف على دفع المزيد من القروض، ما يساعد الاقتصاد ويحفّز النمو، علماً انّ بعضهم متشائم، لا سيما في ظل الحالة المتعثرة وضعف الثقة والتوقعات غير المؤكدة والتوترات الجيوسياسية.

ويبقى القول انّ هذا الامتحان هو جزء من محاولة لطمأنة المستثمرين والجمهور انه، وبعد سنوات من زعزعة الاستقرار والانهيار المصرفي الاميركي نتيجة الأزمة المالية، عاد المُقرضون الأوروبيون الى وضع متين. أمّا استعادة الثقة فتُعتبر أولوية قصوى، لأنّ الركود الاقتصادي بحاجة الى قطاع مصرفي قوي باستطاعته تقديم القروض الى الأسَر والشركات.

وللتأكيد، فإنّ هذه الخطوة تساعد في منع هذا النوع من الأزمات المصرفية التي هَزّت ايرلندا وإسبانيا وقبرص في السنوات الاخيرة، وهي خطوة رئيسية في إنشاء ما يسمّى الاتحاد المصرفي في منطقة اليورو.

وعلى ما يبدو فإنّ البنك المركزي الأوروبي متفائل جداً بقوله إنّ معظم المصارف سليمة، من دون الأخذ بعين الاعتبار صرامة الاختبار، وكون الإصدارات السابقة من اختبارات التوتر في عامَي 2010 و2011 قد تعرضت لانتقادات شديدة بسبب المصارف التي نجحت في الاختبار واحتاجت لاحقاً الى عملية إنقاذ.

ويعود ذلك جزئيّاً الى عدم التعامل بسرعة مع المصارف المتعثرة، والبرهان على ذلك الانهيار المفاجئ في البرتغال لثاني أكبر المصارف، وهو Banco Espírito Santo SA، والذي هزّ الاسواق الأوروبية.

لكن، وعلى ما يبدو هذه المرة، فإنّ العملية تختلف من حيث استعراض نوعية موجودات المصارف، مثل: الرهن والقروض التجارية وغيرها من الاستثمارات، لتحديد ما اذا كانت العملية مُقيّمة بدقة. علماً أنّ المركزي الاوروبي حَدّد مبلغ 135,9 مليار يورو من الأصول المضطربة، والتي هي موجودة في ميزانيّات المصارف.

ممّا لا شك فيه انّ هذه الخطوة تعطي فكرة، ولَو غير دقيقة أو شاملة، عن وضعية قطاع زادَ مشاكل أوروبا الاقتصادية وساهمَ الى حدّ بعيد في عدم تَمكّنها من الخروج من مشاكلها الاقتصادية، ولكن لا بد من القول إنّ ذلك غير كاف لتعزيز ثقة الجمهور في القطاع المصرفي وتيسير الإقراض في أوروبا، لا سيما انّ المصارف التي فشلت تُشكّل نسبة لا بأس بها من مجموع المصارف المختبرة، وانّ معظم هذه المصارف موجود في ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا، أي إيطاليا، ولديها فقط أسبوعان لشَرح وضعيتها و9 أشهر فقط لتنفيذ المخطط الإصلاحي لهيكليتها.

هذا بالاختصار ما تحاول أوروبا فِعله من خلال دفع عملية الثقة والاقراض للشركات والأفراد من أجل تعزيز الثقة وتحفيز الاقتصاد، إذ إنه وعَدا الديون السيادية لبعض الدول، كان القطاع المصرفي من أهمّ عوامل الأزمة المالية التي تمرّ بها أوروبا. ويبقى القول انّ الاختبار هذا ينقصه نوع من الصرامة في تحديد نقاط الضعف، وتنقصه الآلية التي سوف تتّبَع من أجل تنفيذ المخطط الإصلاحي لهذه المصارف ومراقبتها.

لذلك، قد يكون المركزي الأوروبي يحاول جاهداً، ولَو بشكل مُجَزّأ ومُتباين، الخروج من أزمته التي لا يزال يتخبّط بها، علماً انّ الركود والانكماش أصبحا أمرَين مُحتّمَين.