IMLebanon

الديمقراطية ليست رخيصة: تجربة أميركا والهند مع المال السياسى

DollarCongress
ى الوقت الذى يقتصر فيه بيزنس انتخابات مجلس الشعب فى مصر على توزيع الزيت والسكر بالإضافة إلى الحملات الدعائية التقليدية من لافتات فى الشوارع وإقامة السرادقات أحيانا لجذب الناخبين، وفى بعض الحالات الظهور فى برامج التوك شو، تعد العملية الانتخابية فى أمريكا ومعظم الدول «بيزنس» كبيرا يعتمد على شركات استشارية وحملات دعائية تقدر بمليارات الدولارات.

على عكس الإعلانات التجارية التى قد لا يكون لدى كثير من الناس علم بقواعدها الأساسية والتأثير القانونى لها ومع ذلك هى مقبولة كعملية تسويق شرعية وعادلة، يأتى عالم التسويق السياسى الذى يشوبه الكثير من الشكوك والقليل من المصداقية مع افتقاره لقواعد واضحة لـ«أخلاقيات المهنة». ولكن فى السنوات الأخيرة أصبحت الإعلانات السياسية جزءا أساسيا من أى حملة انتخابية فى الخارج.

والواقع أن التكنولوجيا الحديثة جعلت إمكانية استهداف الناخبين بدقة أكثر سهولة من أى وقت مضى. فلأنهم يقضون وقتا أطول على شبكة الانترنت، يتبادلون أفكارهم وآراءهم علاوة على إتاحة بياناتهم الشخصية عبر المواقع وخدمات البريد الالكترونى والشبكات الاجتماعية، أصبح من السهولة بمكان قراءة عقل المستهلكين. وعلى سبيل المثال، جوجل لديها بيزنس كبير لعرض إعلانات ذات صلة بالموضوعات التى يبحث عنها مستخدمو الشبكة.

والشبكات الاجتماعية مثل فيس بوك وتويتر تتتبع تحركات الناس فى جميع أنحاء شبكة الانترنت مما يتيح الفرصة للمعلنين الوصول إلى المستهلكين بإعلانات مصممة حسب الحاجة. فعن طريق تتبع ما يشتريه، يقرأه ويسأل عنه الناس يمكن استنتاج معلومات عنهم مثل وظائفهم، دخلهم، انتماءاتهم، شخصياتهم ومن ثم التأثير على قراراتهم، سواء الشرائية أو السياسية. ومثل هذه المعلومات القيمة عن الناخبين يمكن الحصول عليها وشراؤها، حتى وان كان هذا يثير مخاوف بخصوص الخصوصية.

وقد شهدت الانتخابات العامة فى الهند هذا العام 2014 استحواذ التسويق الرقمى على 15 % من ميزانيات الحملات الانتخابية، مقابل 50% إعلانات تليفزيونية 10 % إعلانات فى الصحف والمجلات المطبوعة، والباقى إعلانات فى الراديو واوت دور.

وقد بلغت تكلفة الانتخابات الهندية 5 مليارات دولار مما جعلها ثانى أكثر انتخابات تكلفة فى تاريخ العالم بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2012 التى قدرت بنحو 7 مليارات دولار وفقا للجنة الانتخابات الفيدرالية.

وفى الهند تكلفة الأحزاب السياسية تضاعفت 3 مرات من 83 مليونا إلى 300 مليون، وهى تكلفة توازى عدد الناخبين البالغ 800 مليون نسمة. وكما يقول البعض «الديمقراطية ليست رخيصة» و»الديمقراطية تأتى بتكلفة باهظة» .

ومع تزايد نمو تأثير الإعلام الاجتماعى على الناخبين ظهرت شركات استشارية للتسويق السياسى . وفى حين كان عددها صفرا فى عام 2005 حاليا هناك 50 شركة استشارية للتسويق السياسى فى الهند مما يجعلها بيزنس جديد وهو ما أطلقت عليه مجلة نيويوركر الأمريكية «مصنع الكذب» .

وبيزنس الاستشارات السياسية يتعلق بتعلم كيفية الفوز فى الانتخابات، اختيار شعار الحملة الانتخابية، تحديد الجهات الفاعلة الجديدة، وضع خطة الحملة كيفية تعزيز المهارات الخطابية للمرشحين، بالإضافة إلى إدارة الإعلام الاجتماعى . ووظيفة المستشار السياسى تتضمن كتابة الخطب السياسية وتنظيم المقابلات والتحليل الذى يعتمد على استطلاعات الرأى . وعلى الرغم من أن الحملات السياسية هى صناعة مدفوعة بالحوافز المادية وضغوط المنافسة لا يعرف المرشحون سوى القليل عن كيفية تأثير الممارسات التجارية على الحملات الانتخابية وهو دور الشركة الاستشارية أيضا.

وهكذا فإن السياسة فن أكثر منها علم لاسيما فى بلد مثل الهند حيث مستويات التعليم منخفضة . ومع تحول الانتخابات إلى بيزنس مهم يتضمن استراتيجيات معقدة وميزانيات مكلفة كان من المفيد التعلم من خبرات الدول المتقدمة . فمن أسباب نجاح باراك اوباما فى الانتخابات الرئاسية فى المرتين شعار «التغيير» و «نعم نستطيع» .

هذا فى حين كان من الأسباب الرئيسية لخسارة آل جور الانتخابات عام 2000 الاستشارات السياسية السيئة .

وكان لعمدة كاليفورنيا فى عام 1934 مقولة شهيرة بان «التاريخ الأمريكى عبارة عن معركة بين البيزنس والديمقراطية، والبيزنس هو الذى فاز» .

تاريخ الاستشارات السياسية فى أمريكا يرجع إلى عام 1933 ويوضح انه فى حين ينظر كثيرون إلى الاستشارات السياسية على أنها فرع لصناعة الدعاية لكن الحقيقة أن صناعة الدعاية بدأت كشكل للاستشارات السياسية .

ويقول محللون إن السياسة قد أثرت على البيزنس وليس العكس فحسب . فخلال الأسابيع الأخيرة 70% من الإعلانات التليفزيونية كانت سياسية وكثيرا ما كانت المحطات تلغى إعلانات تجارية لصالح السياسيين، وهو ما يؤكد الفكرة بان الإعلانات السياسية مجال واسع للنمو بالنسبة للمحطات التليفزيونية .

ففى الوقت الذى تنخفض فيه معدلات متابعة البرامج الإخبارية على شاشات التليفزيون، تعمل القنوات المختلفة على زيادة ساعات إضافية وتستعين بصحفيين لبيع إعلانات جذابة للمرشحين السياسيين.

وخلال الشهور الماضية تدفقت الدولارات على محطات محلية متواضعة فى ولايات لم تعتد على هذا الحجم من الإعلانات مثل الاسكا، اركنساس وكنساس وذلك بفضل الانتخابات العامة لتجديد مقاعد مجلس النواب الـ435 و36 من المقاعد المائة فى مجلس الشيوخ إضافة إلى تجديد حكام 36 من الولايات الخمسين.

والتقديرات الأولية قبل أسابيع من انتهاء الحملات الانتخابية أن إجمالى الإعلانات السياسية فى 2014 بلغ 2.4 مليار دولار بحسب شركة الأبحاث «كانتار ميديا» . وبالرغم من تراجع بيزنس البرامج الإخبارية على شبكات التليفزيون مثلها مثل الصحف الورقية بسبب التغييرات التى أحدثتها شبكة الانترنت من تغيير فى وسيلة التعرف على ما يدور من حول الناس وفى العالم، إلا أن هناك أمرا لم يتغير وهو الاعتقاد بان أفضل طريقة للوصول إلى الناخبين هى الإعلانات التليفزيونية، فتأثير التليفزيون أقوى فى إرسال الرسائل السياسية .

وفى حين يلجأ المرشحون إلى الدعاية الالكترونية بشكل متزايد فإنهم مازالوا يعتمدون أكثر على التليفزيون حيث يمكنهم الوصول إلى ناخبين أكثر ولاء، وهم كبار السن الذين يحرصون على المشاركة السياسية والإدلاء بأصواتهم فى جميع الانتخابات . فبحسب دراسة حديثة انخفضت نسبة المشاهدة التليفزيونية 13% لكل الأعمار باستثناء من هم فوق 55 عاما .

الواشنطن بوست وصفتها بـ»حرب الهواء» فى ولايات المنافسة فيها شرسة مثل ايوا حيث بلغ إنفاق المرشحين وحلفائهم 82 مليون دولار. و60 مليون دولار أنفقها المرشحون الديمقراطيون فى ولاية واحدة على الإعلانات التليفزيونية حيث يفضل عادة المرشحون عرض إعلاناتهم مع البرامج الإخبارية .

وبحسب دراسة حديثة ثلث الإعلانات السياسية عبر المحطات التليفزيونية التى تم بثها خلال ثلاثة أيام من تمويل مجموعات لم تفصح عن مانحيها الأمر الذى يثير شكوكا حول مدى شفافية ونزاهة الحملات الانتخابية التى كانت دائما باهظة التكلفة لكن الجديد هو السرية بخصوص مصادر التمويل . ومن ثم يطالب الديمقراطيون بتغيير الدستور للالتزام بالكشف عن مانحى التبرعات السياسية غير ان الجمهوريين يعارضون هذا المطلب .

والطريف أن ثمن مقعد مجلس الشيوخ يتراوح ما بين 33 و80 مليون دولار بحسب الولاية بل إن أكثر من 87 مليون دولار تم إنفاقها على السباق الانتخابى فى نورث كارولينا وحدها .

على الجانب الآخر فى حين انه فى عام 1984 تبنت الحملة الانتخابية لرونالد ريجان شعار «إنه صباح جديد فى أمريكا» لجذب أكبر عدد من الناخبين . إلا أن الإعلانات السياسية الحديثة تستهدف مجموعة من الناخبين من خلال توجيه رسائل سياسية محددة وفقا لاتجاهاتهم ورغباتهم أيضا وذلك مثل مجموعة المؤيدين لحرية حيازة السلاح أو حقوق الإجهاض .

فقد وجد الخبراء أن الإعلانات تأثيرها اقوى عندما تبث للأشخاص المناسبين . ويمكن الاستفادة من معدلات المشاهدة التلفزيونية، بما فى ذلك البرامج السياسية، أو حتى الرياضية . فإذا كان 93% من مشاهدى لعبة الجولف من الجمهوريين يكون من المفيد للمرشح الجمهورى شراء مساحة إعلانية فى مباريات لعبة الجولف . ويقول البعض انه بفضل محاصرة المستهلكين أو – الناخبين فى حالة السياسة- فانه بحلول عام 2016 سوف تكون الإعلانات أكثر دقة بتوجيهها مباشرة إلى الأشخاص المناسبين .