IMLebanon

إقتصاد لبنان في فوضى

LebanEcon2
بروفسور غريتا صعب
إقتصادٌ متداعٍٍ في ظلّ أزمات سياسيّة مترابطة، وأوضاعٌ أمنيّة غير مستقرّة، هو أقلّ ما يُقال في اقتصاد لبنان ووضعه الحاليّ. وقد تكون هذه الأوضاع الاقتصاديّة تراجعت، ولا سيّما مع الأزمة السوريّة، وتدفّق اللاجئين إلى لبنان، حتّى أصبح عددهم يساوي ربع عدد سكان البلد، ما يعني ضغوطاً متزايدة على الوضعين الأمنيّ والسياسيّ، وعلى البيئة التحتيّة التي كانت ولم تزل تترنّح قبل النازحين السوريين، في ظلّ تراجع الاستثمار وانهيار الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة.

في ظلّ هذه التداعيات، لا بدّ من القول إنّ ثقة المستهلك والمستثمر تراجعت إلى حدّ بعيد، كذلك القطاع السياحيّ الذي يشكّل نسبة لا بأس بها في الاقتصاد اللبناني، ما أدّى الى تراجع واضح في نموّ الناتج المحلّي الإجماليّ، والذي أضحى 0.9 بالمئة في العام 2013 والذي يُعتبر أدنى اختبار له منذ العام 1999 – كذلك يتأثر الوضع الاقتصادي الحاصل بالفراغ الرئاسي لينعكس سلباً على الثقة بالحكومة وقدرتها على معالجة التحدّيات الملحّة – وحسب مؤشرات البنك الدولي، يعاني سوق العمل عند الشباب تراجعاً واضحاً ولا سيما مع تراجع الناتج والوجود السوري في لبنان حتى تجاوزت هذه النسبة الـ 22 بالمئة، واقتصادياً قطاع العمل يشكل مؤشّراً مهماً في عدم الاستقرار الاجتماعي.

هذه هي الصورة العامة لغاية الآن، وهي، حسب المؤشرات والاحصاءات، على تراجع مستمرّ. أضف إليها قضايا عدّة تجعل لبنان ضعيفاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً، ويواجه تحدّيات على مختلف الصعد تتجاوز قدرة البلد على التحمّل، وتعني فيما تعنيه الاتجاه نحو أوضاع أقلّ ما يُقال فيها إنها فوضوية غير بناءة وتسير بالبلاد نحو الافلاس. ومن جملة هذه الأمور لا بدّ من التوقف عند العوامل التالية:

1- اقتصاد غير مستقرّ مع عبء الديون الثقيل، ولبنان احد الدول التي تعاني أعلى معدلات المديونية في العالم وحسب التصنيف الدولي يأتي في المرتبة الرابعة بعد اليابان وجامايكا واليونان.

2- نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والعبء المتأتي من خدمة هذا الدين والذي يشكل نسبة مئوية كبيرة من مجموع العجز.

3- العجز الكبير في الموازنة والنضال غير المفلح من أجل خفض هذا العجز، والحكومة اللبنانية تسعى جاهدة الى تمرير ميزانيات منذ سنين ولم تنجح بسبب الخلافات السياسية والصراعات الداخلية، علماً أنّ أيّ محاولة لتخفيف العجز سوف تتضمّن منطقياً واقتصادياً محاولة زيادة في المداخيل عبر الضرائب الاجتماعية، وأنّ أيّ محاولة تخفيف في المصاريف سوف تنعكس تراجعاً في التقديمات الاجتماعية المفترَض على الدولة تقديمها، ناهيك عن أنّ الايرادات المتوقعة لا يمكن الاعتماد عليها في خدمة الديون إنما قد تكون محاولة لتضييق ثغرة العجز المتواجد في الموازنة .

4- القطاع الكهربائي والذي هو في حال سيئة جداً وبحاجة إلى إصلاح ومزيد من الاستثمارات من أجل تجديده، ومن المعلوم أن القطاع الكهربائي يعتبر من أهمّ مؤشّرات النموّ للدول والصناعات.

5- العجز الدائم في الحساب الجاري والذي يشكّل حوالى 40 بالمئة من نسبة الناتج المحلي الإجمالي، وهذا مؤشّر إضافي الى تراجع القطاعين الصناعي والزراعي وعدم القدرة على التصدير متأثّرَين بالحوادث الدائرة في سوريا وبالتوتّرات الأمنيّة التي تهدّد المنطقة ككلّ.

6- تصنيف لبنان من المؤسّسات الدولية والتي تتأثّر حكماً بمؤشرات الدين العام وخطر انهيار التوافق الحكومي وشغور رئاسة الجمهورية، ما يعني أنّ المؤشّرات الاقتصادية والسياسية مبعث قلق بالنسبة لهذه المؤسّسات عموماً وللمستثمرين حكماً. وإذا كانت الدول الصناعية لا تعتبر هذه التصنيفات ذات أهمية بالنسبة لاقتصاداتها إنما تبقى مؤشّر ثقة للمستثمر والدائن الذي يتعاطى مع الدول النامية.

لذلك يتأثّر لبنان شئنا أم أبينا بهذه التصنيفات، والجدير ذكره أنّ الثقة بهذه التصنيفات محدودة كونها لم تكن يوماً حازمة في توصيف الدول والمصارف، وجاءت التصنيفات عشوائية فيما يخص المصارف التي انهارت إبّان الأزمة المالية العالمية.

7- ومن الناحية التاريخية، تكلفة الديون السيادية اللبنانية كانت أعلى بكثير في العامَين 2006 و2007 ممّا هي عليه اليوم. هذا ويتمّ تداول السندات السياديّة في هوامش ضيّقة، وسندات الحكومة اللبنانية يتاجر فيها بأسعار عالية ما يؤشر إلى اقتصاد أقوى ممّا هو عليه الاقتصاد اللبناني.

8- زيادة واضحة لعرض النقود (Money Supply) قد تكون أهمّ أسبابها الأزمة السورية وتفاعلاتها، كذلك الودائع بالعملات الأجنبية من قبل غير المقيمين ـ كذلك تزامنت هذه التدفّقات مع فرض عقوبات على إيران ـ وقد أشارت المؤسّسات الدولية إلى احتمال وجود صلة ما بين هذه التدفّقات وأموال إيرانية قد تكون دخلت لبنان، ما يضع لبنان في قائمة الدول الواجب تعاونها وعلى درجة عالية في مكافحة غسل الأموال وهذا العامل يعتبر من عوامل الضعف التي تهدّد الاقتصاد اللبناني وتضعه في خانة الدول التي هي تحت المجهر الدولي.

وفي هذا المجال، يجب على السلطات اللبنانية التعاون جدّياً مع السلطات الدولية والأنتربول، ولا سيما أنّ الأميركيّين يستخدمون تكتيكاً جديداً لمكافحة حالات غسل الأموال، وبدأت تؤتي ثمارها في التحقيقات مع المصارف والمؤسّسات المالية الأخرى. أمّا العواقب، وفي حال رُصدت هذه الأمور بجدّية، فسوف تهدّد الاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفيّ بكامله.

هذه العملية لن تقتصر على مراقبة لبنان وحده، إنّما دول عدة والمؤسّسات المالية العالمية التي غُرّمت مبالغ طائلة لتعاونها مع أنظمة وضعتها أميركا على اللائحة السوداء لأسباب متفاوتة، وقد تكون جائرة في بعض الأحوال. وهذه الأمور دعت المصارف إلى تقديم تقارير عن عمليّاتها المصرفية، والكشف عن صاحب الحساب المستفيد الحقيقي من المعاملة والإبلاغ عن الصفقات النقدية الكبيرة.\

9- الضغوط الاجتماعية المتزايدة وتقصير الدولة في تقديم الخدمات اللازمة، خصوصاً في مجال البنية التحتية والكهرباء، ما يجعل البلد يعيش حالاً من التوتر مع تراجع الأوضاع السياسية والتمديد للمجلس النيابي والغياب القسري لرئاسة الجمهورية، ويضعه كذلك وبجميع قطاعاته في حال انتظار وتريّث.

هذه الأمور مجتمعة تشكّل عبئاً على مكوّنات الاقتصاد اللبناني، وتعرّضه لهزّات لن تكون سليمة في معظم الأحوال، وتجعله في حال تجاذب أقلّ ما يُقال فيها إنّها غير بنّاءة ولا تؤدّي بل تؤخّر أيّ حلول تسمح للدول بالخروج من أزماتها وقد تكون اليونان مثالاً صارخاً على ذلك، وفي هذه الحال سوف يتراجع اقتصادياً واجتماعياً وسيفتت المجتمع وتصبح الدولة صورة فقط لكيان غير موجود.

أمّا العواقب الأخرى فسوف تكون على شكل تململ اجتماعي يبقى حبراً على ورق إذ إنّ أصحاب القرار في غيبوبة من أمرهم.
وتبقى أخيراً هذه الجولة الجديدة من تحفيز الاقتصاد والتي تبنّاها البنك المركزي من أجل تدعيم النموّ، مستفيداً من احتياطات النقد الأجنبي والتي بلغت رقماً تاريخياً حوالى 38 مليار دولار عدا احتياطي الذهب والذي قد يساعد النموّ، علماً أنّ هذه الخطوة حذرة جداً إنما قد تكون الوحيدة الفاعلة الآن.

هذه هي الصورة الإجمالية لوضعٍ أصبح على شفير الهاوية وضمن فوضى اقتصادية لا مثيل لها، ترمي لبنان في حال حرجة وحسّاسة وتبقيه رهينة ديونه المتزايدة وغياب قراره السياسي وضعف مؤسّساته وفريسة تبايناته.