IMLebanon

نهاية عام نفطية بامتياز …والأزمة الروسية في الصدارة

RussiaOil1
بروفسور غريتا صعب
انتهى العام ٢٠١٤ ولم تتغيّر الصورة كثيراً ولا يوجد في الأفق ما يوحي بأنّ العالم قد خرج و لغاية الآن من أزمته المالية الحادة والتي بدأت في العام ٢٠٠٨ باستثناء أميركا التي وعلى ما يبدو بدأت تستعيد شيئاً من عافيتها.

يبدو أنّ العالم المتقدّم ما زال يعاني من ركود وتراجع ولا سيما أوروبا ومشكلاتها واليابان وركودها. والحديث عن روسيا وحده جدير بالاهتمام كون الأزمة الروسية وعلى عكس ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين «إنه من غير العدل أن نقول إنّ روسيا في أزمة» لكنّ الحقيقة هي في أنّ الأزمة الروسية هي أمر واقع ولكن مقارنة بالنكسات السابقة والتي مرت فيها روسيا واستطاعت تجاوزها تبدو الأمور وحسب بوتين صحيحة،

علماً أنّ الأزمات السابقة كانت أخطر بكثير ولا سيما العام ١٩٤١عندما هدّد الكيان الروسي بكامله والعام ١٩٣٢- ١٩٣٣ عندما صنع ستالين مجاعة أوكرانيا وكذلك الانهيار الاقتصادي الذي حصل في العام ١٩٩٨ والذاكرة لا تزال حيّة بشأنه وحيث ضُرب المستثمرون بشكل كبير وهربت رؤوس الاموال من روسيا وتركت روسيا في وضعية وجب عليها التصدير اكثر من اجل الحفاظ على توازن في ميزان المدفوعات.

ومع انخفاض أسعار النفط يبدو انّ الامر بات مستحيلاً ما جعل الروبل ينخفض الى مستويات كبيرة وازدياد عجز ميزان المدفوعات ما يعني زيادة الضغوط على الاقتصاد وموجة تقشف لابد منها، وعلى مستوى العالم الحديث يبدو بالفعل أنّ روسيا في أزمة وتفاؤل بوتين منطقي خصوصاً أنه قال «خلال سنتين سوف تخرج روسيا من هذا الوضع القائم».

اقتصادياً هذا التبرير صحيح وبعض المحللين يعتقد أنّ الانخفاض الأخير في سعر النفط الخام قد تمّ المبالغة به وأن لا بدّ من أن تستعيد الأسعار مستوى منطقياً اكثر وهو حوالى ٨٠ دولاراً للبرميل العام القادم.

إقتصادياً يُعتبر هذا التحليل منطقياً إذ إنّ أسعار الطاقة سوف ترتفع بعد فترة وجيزة نتيجة الطلب المتزايد عليها وتحفيز الاستهلاك والاستثمار في العالم. في حين على ما يبدو الأمور ليست بهذا التبسيط وما انتهى اليه الروبل جاء نتيجة أمور عدة ولا سيما العقوبات التي منعت روسيا من الوصول الى رأس المال الأجنبي كذلك صعّبت على الشركات الروسية الوصول الى الاسواق العالمية وديونها تلوح في الأفق.

فعلى الشركات والمصارف الروسية استحقاقات بلغت هذا الشهر ٣٠ بليون دولار وهذا المبلغ سوف يرتفع في العام المقبل ليصل الى ١٣٠ بليوناً. أضف الى ذلك كيفية التعاطي مع انخفاض سعر الروبل برفع أسعار الفوائد على هذا النموّ ما أرسل رسالة واضحة الى المستثمرين على أنّ الاقتصاد الروسي هو بالفعل في ورطة.

وافتراض بوتين أنّ الأمور لا يمكن أن تدوم بهذا الشكل يواجه تحديات أقلها على المدى القريب خصوصاً أنّ روسيا بلد غنيّ بالموارد الطبيعية وعنده وفرة زائدة من النفط والغاز والاحتياطات المعدنية والغابات تجعل من صادراته تشكل قسماً كبيراً من إيراداته لكنها تواجه ازمة استثمارات في القاعدة الصناعية التى لا تزال قديمة كذلك الاستثمار في العنصر البشري ما يجعل صادراتها مقتصرة على النفط والغاز في معظمها.

هذا مع العلم أنّ انهيار الروبل سوف يضرب أرباح الشركات المتعددة الجنسيات العاملة في روسيا ومثالاً على ذلك أوقفت Apple مبيعاتها عبر الانترنت في روسيا يوم الثلثاء الفائت مع استمرار تدهور قيمة مبيعاتها. كذلك فإنّ انهيار سعر الروبل سوف يؤثر سلباً في الاسواق العالمية وسوف يولّد نوعاً من العدوى فيها وعلى سبيل المثال سوف تشكل خطراً على نقاط الضعف الهيكلية في منطقة اليورو والتي توحي بأنّ اليورو الى مزيد من الانخفاض.

هذا وحسب الـ Deutsch Bank فإنّ سعره سوف يصل الى حدود ١٦،١ للدولار ولا سيما إذا ما اخذنا في الاعتبار الاتجاه الحالي لأسعار النفط والمعطيات الاقتصادية الاساسية في الاقتصاد الأوروبي. لذلك قد يكون انخفاض الروبل وضعف اليورو دفعا البنك المركزي السويسري الى التحوّل نحو أسعار فوائد سلبية ساعدت في ذلك الاضطرابات في الاسواق المالية العالمية والتي حفزت الطلب على الفرنك السويسري كونه إحدى العملات الأكثر أماناً للاستثمار.

إدخال معدلات فوائد سلبية يعني انّ المودعين سوف يدفعون على تخزين أموالهم في المصارف السويسرية بدلاً من أن يجنوا فوائد منها، ولن تتوقف أزمة الروبل هنا انما انخفاض قيمة الروبل الروسي يهدد الاقتصاد الألماني وهو الاول والأقوى في مجموعة الدول الاوروبية والتي تعاني من أزمات عدة إن على صعيد مصارفها المتعثرة أم على صعيد مديونيات دولها.

هذا وضعف الروبل يضرّ فعلياً بالشركات الألمانية ولا سيما فولز فاجن وأودي وBMW وشهدت مبيعات فولز فاغن انخفاضاً بنسبة ١٣٪ في تشرين الثاني الفائت وتتوقع BMW خسارة وقدرها ١٥٠ مليون دولار اذا لم تتجاوب مع تقلبات سعر صرف الروبل، حتى جنرال موتورز اكبر شركات صناعة السيارات في العالم والتي لديها معامل في روسيا توقفت تماماً عن مبيعاتها بالجملة في روسيا بسبب تغيّر سعر صرف الروبل.

هذا، وحذّر Volker Trever مدير جمعية غرف التجارة والصناعة الألمانية من أنّ واحدة من كلّ ثلاث شركات ألمانية سوف تضطر الى طرد عمالها وإيقاف استثماراتها في روسيا بسبب ضعف قيمة الروبل ما يشكل خطراً كبيراً على صادرات ألمانيا وغيرها من الدول المستثمرة في روسيا ولا ننسى الخطر الأكبر الذي يهدّد المصارف الأوروبية الكبرى وكذلك الأميركية واليابان في حال انهار الاقتصاد الروسي بشكل افتراضي فقط لا غير.

كذلك فإنّ شركات روسية عدة تقترض من المصارف الأوروبية والاميركية لذلك نرى اليوم أنّ قيمة مديونيتها قد زادت بشكل مضاعف حسب قيمتها بالروبل.

لكن وحسب Chris Weafer وهو شريك فيMacro Advisory في موسكو: «فإنّ سعر صرف الروبل لن يكون له اثر ملموس في قدرة روسيا على الالتزام بخدمة ديونها الخارجية».

ولكن يبقى هذا الخطر قائماً على رغم انه افتراضي لغاية الآن ومستعبد ولا سيما انّ روسيا كما سبق وذكرنا عندها مخزون هائل من الموارد الطبيعية اضف الى ذلك الاحتياط الكبير من العملات الأجنبية الذي يزيد عن ٤٠٠ بليون دولار وعلى عكس المرة السابقة أيْ في العام ١٩٩٨ عندما كان لدى البنك المركزي الروسي ١٦ بليون دولار فقط من احتياط النقد.

هذا وأضاف Weafer «انه لا يوجد خطر على انهيار المصارف والشركات الكبرى وإفلاسها وأنّ الاحتياطي كاف وانّ الروبل الضعيف يعزّز آفاق التجارة وفائض الحساب الجاري».

هذه هي الصورة بالإجمال وتبقى أوروبا الأكثر ضعفاً في هذه الحلقة خصوصاً أنّ المصارف الأوروبية لا تزال في وضعية هشة تجعل منها غير قادرة على تحمّل أيّ خلل ولو بسيط كذلك الصناعات الاوروبية والتي هي الأكثر عرضة للضرر وتشكل التجارة مع روسيا وحدها ٤،٨٨ مليارات دولار للعام ٢٠١٣ فقط،

لذلك لن يعاني «الدب الروسي المجروح» وحده من هذا الخلل الاقتصادي الكبير بل سوف ينعكس ذلك على الاسواق التجارية والمالية عالمياً وإذا كان بوتين في وضعية حرجة نسبياً الآن إلّا أنه يراهن على شعبيته داخل بلده والتي تضاهي ٨٠٪ وعلى سعر النفط الذي لا يمكن إلّا ان يتغير في المدى القريب وعلى أوروبا التي لا يمكنها أن تسمح بانهيار الاقتصاد الروسي كما حدث في العام ١٩٩٨.