IMLebanon

أوروبا عائمة في ركودها وانكماشهـا.. والتيسير الكمّي دونه محاذير

EuropeCentralBank
غريتا صعب
لم تكن مؤشرات بداية سنة 2015 على ما يبدو جيدة للعديد من الدول ولا سيما أوروبا، هذا مع العلم انّ النفط قد تراجع بنسب كبيرة، ما يعني ان الأسر المعيشية سوف تبدو على أحسن حال مما كانت عليه سابقاً. لكن يبدو انّ الانتعاش الهشّ في أوروبا مختلف عن غيره في دول العالم.
تبدو المؤشرات غير متفائلة لا سيما مع تراجع نسب التضخم، ما يعني انّ أوروبا قد تدخل في حالة مماثلة لليابان ومع نسب بطالة تزيد عن 11,5 بالمئة في معظم دول المنطقة باستثناء المانيا.

ولغاية الآن، استنفر البنك المركزي الأوروبي معظم الخيارات ولم يبق امامه سوى ما فعله الجميع قبله، أي التيسير الكمّي. وللعلم فإنّ التيسير الكمّي ساعد الولايات المتحدة والدول الأخرى، لا سيما انكلترا واليابان، على عدم الوقوع ضحية الكساد الكارثي.

وقد كانت الحالة نفسها بالنسبة الى أوروبا، الّا أن جملة أمور تجعل من أوروبا ولغاية اليوم غير قادرة على فعل الشيء نفسه ولأسباب عديدة، منها قواعد الاتحاد الاوروبي وقلقها بشأن تأجيج فقاعات الأصول واعتراض البنك المركزي الألماني، والذي ما زال غير متفائل بمثل هذه العملية لغاية الآن.

وأخيراً، كون العديد من الخبراء الاقتصاديين يعتبرون ان تدخّل دراغي والمركزي الأوروبي أصبح متأخراً جداً ولا يمكنه ان يحلّ مشاكل أوروبا أو على الأقل التخفيف منها.

وحذّر الخبراء أنه، ومن دون اجراءات جذرية في منطقة اليورو، فإنها سوف تنزلق نحو الركود الانكماشي على الطريقة اليابانية، هذا مع العلم انّ الاحصائيين في بروكسل أعلنوا الأسبوع الماضي انّ التضخم كان سلبياً في كانون الأول مع هبوط الأسعار بمعدل سنوي قدره 0,2 بالمئة.

وعلى ما يبدو ان توقعات الخبراء للأشهر المقبلة سوف تكون سلبية، والعوامل الخارجية لن تساعد كثيراً، لا سيما مع تراجع اسعار النفط عالمياً، ما يعني ضغوطاً متزايدة على التضخم، إضافة الى تراجع مستمر في سعر صرف اليورو، ما يعني انّ نفس الاستثمار العالمي لن يكون لصالح اوروبا حالياً، لا سيما وانّ المستثمرين يعتقدون انّ الاسعار سوف تستمر بالهبوط، ما يعني تأجيل الانفاق وهذا أمر خطير بالنسبة للدول المثقلة بالديون والانكماش. وحتى المانيا، والتي استطاعت في العام 2014 تفادي الانكماش، فإنّ نسب التضخم فيها لم تتجاوز الـ 0,2 بالمئة بينما النسب الرسمية للمركزي الاوروبي هي «قريبة من ال 2 بالمئة».

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هو المنتظر من اجتماع 22 كانون الثاني للمركزي الاوروبي واذا ما كان الشروع في التيسير الكمّي سيعطي فوائده ام انه كما سبق وذكرنا انّ الاوروبيين جاؤوا متأخرين؟

في مقابلة له الشهر الماضي قال Peter Praet كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الاوروبي: «نحن قلقون بشكل متزايد، خصوصاً بعد سبع سنوات من الأزمة وضعف النمو وانخفاض التضخم. حتى ان بعض الخبراء حذروا من انّ الوضع في منطقة اليورو هو أسوأ من اليابان في بداية ما كان يعرف «بالعقد الضائع» قبل ان يصبح عقدين وأكثر من الزمن.

وحسب Danny Gabay من Fathom الاستشارية فإنّ اليابان لم تسقط في الانكماش مع ديون تساوي 100 بالمئة من الناتج وبطالة في خانة العشرات والركود، وحسبه أيضاً فإنّ اليابان بدأت من نقطة جيدة جداً مقارنة مع اوروبا (متوسط البطالة في اوروبا 11,5 بالمئة اي اكثر من ضعف الحد الأقصى التاريخي لليابان).

لذلك قد يكون من المنطق التساؤل حول عملية التيسير الكمي ومدى فوائدها لا سيما انّ حجم المبلغ المتوقع لهذا البرنامج هو 500 مليار يورو بينما المبلغ الاجمالي للديون الحكومية في منطقة اليورو هو حوالى 9 تريليون يورو، ما يعني انّ هذا البرنامج لن يشكل سوى 5,5 بالمئة من المجموع.

واذا كان البنك المركزي الاوروبي يريد ان يفعل ما فعله بنك انكلترا في العام 2009 فإنه يتعيّن عليه شراء الأصول لأكثر من 2 تريليون يورو. لذلك، قد يكون برنامجهم الحالي غير كاف لا سيما ان الوضع في منطقة اليورو أكثر خطورة وانهم قد يبدأون عملية التيسير الكمّي متأخرين كثيراً.

كذلك قد يكون حكّام المركزي الاوروبي، الذين يعارضون التيسير الكمّي، يخشون من ان يؤدي هذا البرنامج الى برنامج اكبر في وقت لاحق، ولذلك لا يمكن استبعاد ان تشنّ برلين طعناً قانونياً في محكمة العدل الاوروبية كون برنامج بحجم 2 تريليون دولار سوف يكون له تأثير كبير على سندات منطقة اليورو، وهذا ما تقاومه المانيا لغاية الآن.

وإنّ خطة الـ 500 بليون يورو قد لا تعارضها برلين انما تبقى وللأسف غير نافعة اقتصادياً وقد لا تعطي النتائج المرجوّة. لذلك قد تكون هذه الصيغة متباينة النتائج. وإنّ خلق أموال جديدة لضخّها في الاقتصاد قد لا تكون، بحجمها المفترض، دعماً لعملية الانعاش الاقتصادي المرجوّ لمنطقة ما زالت تعاني منذ العام 2008 تراجعاً في النمو ودخلت في مرحلة الركود والانكماش.

هذه الخطة لضخ اموال بفرض زيادة الاقراض في الاقتصاد الحقيقي قد تبتّ كما سبق وذكرنا في 22 من الشهر الجاري بعد اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الاوروبي. ولكن، وعلى ما يبدو، فإنّ حوافز المؤسسات المصرفية ضئيلة جداً في بيع الاصول للمركزي الاوروبي لا سيما بسبب الفوائد السلبية (-2 بالمئة) على الودائع، ما يعني انه من البديهي ان تكون المؤسسات الحالية والمصرفية غير مستعدة للتخلي عن السندات التي تحتفظ بها واعطائها للمركزي الاوروبي مع تغرمة عليها.

لذلك، هنالك مخاوف من ان تكون عملية التيسير الكمي الذي طالما حاول دراغي ولغاية الآن الالتفاف حولها متأملاً أن تعطي المؤشرات الاقتصادية نفحة ايجابية، قد لا تكون نافعة بالمطلق، لا سيما انّ المؤشرات الاقتصادية جاءت في اوائل العام 2015 متدهورة، ما حَتّم إجراء هذه العملية ولَو كانت متأخرة.

أضف الى ذلك المشهد الاقتصادي بشكل عام وظهور مشاكل اليونان مجدداً والذي من المحتمل ان تزعزع انتخاباتها المقبلة مستقبل العلاقة مع الدول الاوروبية الاخرى مع Syriza وفوز الراديكالي المتطرف الذي قد يهدد التزامات اليونان وديونها تجاه اوروبا بشكل عام، ما يعني ازمة مصرفية جديدة وتهديداً فعلياً لوحدة أوروبا.

وهناك عوامل اخرى من الممكن ان تفسد ما يسعى اليه دراغي منذ العام 2012، وهي «ان نفعل كل ما يلزم». وقد يتفاءل البعض بتراجع اليورو أمام الدولار والعملات الأخرى، ويعتقدون انّ ذلك يحسّن الاقتصاد ويشجّع الصادرات.

لكن وللعلم، فإنّ هذا يعني أيضاً تخفيفاً من جاذبية اليورو كعملة احتياط. إذ إنه حسب صندوق النقد الدولي فإنّ حصة اليورو من احتياطات العملة كانت بنسبة 22,6 بالمئة في الربع الثالث من العام الماضي، وهو أدنى مستوى له في عقد كامل.

لذلك نرى انّ المناخ غير مؤكد لا بالنسبة للمركزي الاوروبي ولا بالنسبة للشركات والمستثمرين في اوروبا، ونرى ايضاً انّ التفاؤل بعملية بدء التيسير الكمي غير كافية، لأنّ هنالك جملة من العراقيل والمشاكل التي تجعل هذه العملية غير ميسّرة وقد لا تعطي النتائج المرجوّة، لا سيما انّ هنالك ادلة واضحة على سلوك انكماشي، إن كان من ناحية الشركات او من ناحية المستهلكين بشكل خاص.

لذلك، فإنّ عملية التيسير الكمي لن تكون سوى شراء للوقت في منطقة اليورو وإعطاء المصدرين دفعة عن طريق إضعاف العملة، انما ذلك لن يحل التحديات الطويلة الأجل ولن يكون حلاً سحرياً، لا سيما انّ استعادة النمو تتطلب أكثر بكثير من المبلغ الذي ينوي المركزي الاوروبي ضخّه في الاقتصاد.

أضف الى ذلك تحديات قانونية وسياسية بحتة وانتخابات اوروبية في خضم معدلات بطالة عالية وموجة من التقشف بدأت تظهر بوادرها ونمو ضعيف وتراجع مستمر في الاسعار.

هذه هي الصورة اليوم في أوروبا، وهذه هي التفاوتات بين ما يريده دراغي وما يريده المركزي الالماني. وهنالك مخاوف من ان ينتشر وضع معيّن على نطاق واسع، يتمثّل بفترة طويلة من نموّ ضعيف، وبلدان لا تزال في حالة ركود وانخفاض اسعار. وكلها أمور تُقلق مراقبي اليورو الذي قد يتراجع وبشكل كبير وخلال فترات قصيرة، ليس فقط داخلياً، انما تراجعه قد يكون عالمياً ولن يعود كما كان عملة احتياط للعديد من الدول.

هذه هي البداية في العام 2015، ولن تكون السنين القليلة المقبلة أحسن بكثير في منطقة تعيش أزمات اقتصادية على مختلف الصعد وتباينات قانونية وتوسعات جغرافية غير مدروسة.