IMLebanon

تمويل «السلسلة» من البنزين سيّىء لـلإقتصاد وعلى الدولة البحث عن بديل

GasolinePrices3
بروفسور جاسم عجاقة
في خطوة غير مُحبَذة إقتصادياً ومحمودة مالياً، عمدت وزارتا الطاقة والمالية إلى فرض ضريبة إضافية قيمتها 500 ل.ل. على شكل زيادة رسوم إستهلاك. وفيما رفض مجلس الوزراء هذه الزيادة تبقى الأمور مفتوحة على إحتمالات عدة ومنها تثبيت سعر صفيحة البنزين.
لا تنفك أسعار النفط بالهبوط تحت تأثير العوامل الجيوسياسية التي تعصف بشرق أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى تقليص نفوذ روسيا وإيران ومنعهما من القيام بمغامرات عسكرية.

وهذا الأمر لن يتمّ إلّا بفترة عام أقلّه من بدء خفض أسعار النفط وذلك للسماح بتخفيض إحتياط هاتين الدولتين من العملات الأجنبية.
أخذت الأسعار العالمية بالإنعكاس على أسعار المُشتقات النفطية في العالم أجمع ما سمح للإقتصادات العالمية وعلى رأسها المُتطوّرة بالإستفادة من خفض الكلفة وتعزيز إحتمالات تحفيز النموّ الاقتصادي في ظلّ ركود أقل ما يُقال طال أمده منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008.

وفي الولايات المُتحدة الأميركية، من المُتوقع أن تزيد وتيرة الإستهلاك كنتيجة لزيادة القدرة الشرائية للمواطن الأميركي الموصوف بسلوك إستهلاكي عالٍ جداً جعل الاقتصاد الأميركي يعتمد بنسبة 70% على الإستهلاك.

وفي اليابان، الدولة التي تستورد كلّ النفط المُستهلك لعدم وجود هذه المادة في أراضيها، أخذ الاقتصاد بالإنتعاش تحت تأثير إنخفاض الكلفة الحرارية والتي من المُتوقع أن تُساعد في خفض نسبة المديونية العالية للدولة اليابانية.

أما في الدول العربية المُنتجة للنفط، فقد شكل إنخفاض أسعار النفط كارثة على موازنات هذه الدول وبدأت بإستخدام إحتياطاتها من العملات الأجنبية لدعم المشاريع التي بدأت بها.

وفي لبنان، البلد المُستورد للنفط، بلغت الكلفة الحرارية في العام 2013 5 مليارات دولار أميركي لكمية تبلغ 5.56 مليون طن من المُشتقات النفطية. مع عجز يبلغ 4 مليارات دولار.

اليوم ومع بدء الإنخفاض منذ أواسط العام الماضي من المتوقع أن تكون الكمية المُستوردة قد زادت بفعل العرض والطلب كما أنّ العجز الذي صرّح عنه وزير المال والذي يُقارب الـ 7700 مليار ليرة لبنانية، فإنه سينخفض حكماً بـ 700 مليون دولار كنتيجة لإنخفاض الكلفة على خزينة الدولة والناتجة عن خفض التحويلات إلى شركة كهرباء لبنان.

هذا الأمر دفع البعض الى اقتراح وضع ضريبة قيمتها 3 آلاف ليرة لبنانية على صفيحة البنزين (إضافة إلى 8000 ل.ل. حالياً) لتمويل سلسلة الرتب والرواتب.

في موازاة ذلك، قامت وزارة الطاقة بزيادة رسم الإستهلاك على أسعار المحروقات بقيمة 500 ل.ل. بالتعاون مع وزارة المال (والذي نفته هذه الأخيرة) على أساس أنّ الهدف منه هو تغطية العجز بالضريبة على القيمة المُضافة. لكنّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة رفض هذه الزيادة وترك الباب مفتوحاً لتثبيت سعر صفيحة البنزين.

خطوة مُضّرة للاقتصاد

إنّ طرح فرض ضريبة على سعر صفيحة البنزين قيمتها 3000 ليرة هي خطوة مُفيدة مالياً لأنها ستجلب مداخيل للدولة اللبنانية وتُقلل من العجز في الموازنة.

لكنّ هذا الطرح هو ضربة للإقتصاد من ناحية أنّ المبلغ الذي ستُحصِّله الدولة (أكثر من 300 مليون دولار سنوياً) مأخوذ من القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي لن يذهب للإستهلاك. فالمعروف في الاقتصاد أنّ عدم معرفة الإنسان لساعة موته تدفعه إلى الإستهلاك والتعلق بالأمور الدنيوية وبالتالي هذا المبلغ سيتمّ صرفه في الإستهلاك.

وفي حال تمّ إستخدام الأموال التي ستُحصِّلها الخزينة في دفع سلسلة الرتب والرواتب، فهذا يعني أنّ الدولة أخذت الأموال من قدرته الشرائية وأعطته إياها لسلسلة رتب ورواتب.

أيضاً فإنّ تثبيت سعر صفيحة النفط ليس بسيّئ بالمُطلق، إلا أنّ تثبيت السعر على الإنخفاض (أي عتبة لا تنزل الأسعار ما دونها) يجب أن يُقابله تثبيت سقف على الإرتفاع (أيْ عتبة لا يُمكن للأسعار تخطّيها). وهذا ما لم تفعله الحكومة حين لامس سعر صفيحة البنزين الأربعين ألف ليرة. من هذا المُنطلق يُمكن الإستنتاج أنّ صفيحة البنزين مقرون بأمرين: تثبيت السعر نزولاً وصعوداً، والإفصاح عن هدف الأرباح التي ستنتج عنها (أيْ وجهة الإستخدام).

لماذا التمويل من البنزين؟

لا شك أنّ تمويل سلسلة الرتب والرواتب من ضريبة على صفيحة البنزين هو أمرٌ سيّئ إقتصادياً وبدل ذلك لماذا لا تعمد الحكومة إلى تطبيق القوانين المَرعية الإجراء كحال المولِّدات الكهربائية التي لا تنفك ترفع أسعار الإشتراكات من دون حسيب أو رقيب وهي المَعفية من كلّ أنواع الضرائب.

فأصحاب المولدات هم أصحاب مؤسسات غير مسجَلة ولا يحتاجون الى رخص لتشغيلها. وبذلك لا يدفعون الضرائب، ولا الرسوم و لا الضريبة على القيمة المضافة. وإضافة الى ذلك، يستخدم أصحاب المولدات البنية التحتية العائدة للدولة (عواميد الكهرباء، الطريق، الهواء…).

إضافة الى ذلك فإنّ عمل المولدات الخاصة غير قانوني، إذ إنّ إنتاج الكهرباء وتوزيعها هما حق حصري لشركة كهرباء لبنان وفقاً للقانون، إلّا أنّ الواقع مختلف، فإنقطاع التيار الكهربائي شرّع المولدات الكهربائية ودفعها الى لعب دور البديل.

وبحكم موقع البلديات فهي المسؤولة عن الرقابة على أصحاب المولدات بالتعاون مع هيئة حماية المستهلك. لكنّ بلديات عدّة لم تعد تتدخل، تاركة الامر الى القائمقام.

وقد عمدت وزارة الطاقة والمياه الى إعطاء تسعيرة توجيهية الى أصحاب مولدات الكهرباء مُحالة الى القائمقامية بواسطة وزير الداخلية والبلديات عن كلّ شهر. لكنْ لا إلتزام بهذه التسعيرة لأنها غير إلزامية.

وإذا ما أخذنا في الإعتبار الأسعار المفروضة والتي تراوح بين 50 و120 د.أ للـ 5 أمبير، نجد أنّ نسبة الربح تتجاوز الـ100%. وهذا الربح غير خاضع للضرائب من أيّ نوع كان بحكم أنّ العاملين لدى أصحاب المولدات معظمهم من الجاليات الأجنبية ويتقاضون أسعاراً باهظة لا تدرّ على صندوق الضمان أموالاً بحكم أنّ العاملين غير مسجلين في الضمان الإجتماعي.

والدولة لا تستفيد من هذه الأرباح، ما يُشكل مخالفة للقانون بحسب مبدأ التساوي والذي يُفرض على كلّ مُقيم دَفَع ضرائب على الأرباح، وإذا ما أخذنا في الإعتبار ايضاً أنّ حجم أعمال أصحاب المولّدات الكهربائية يبلغ 1.7 مليار دولار سنوياً وأنّ نصفها ربحٌ صافي، فإنّ الخسارة التي تتكبدها خزينة الدولة تصل الى 128 مليون دولار أميركي سنوياً (15% ضريبة على الأرباح).

أضف الى ذلك الخسارة الناتجة عن عدم إدخال الموظفين في الضمان وعدم دفع الـTVA وإستعمال البنية التحتية للدولة مجاناً.
لذا وممّا تقدم نرى أنّ تمويل السلسلة من ضرائب على البنزين هو عمل غير مُجدي وبالأحرى يجب على الدولة البحث عن مصادر من أماكن أخرى كالمولِدات الكهربائية.