IMLebanon

السياسة النقدية في لبنان لدعم الثقة والنمو

Banque-du-Liban-2
طوني رزق
على رغم السنوات العجاف والأوضاع الاستثنائية، حافظ الاقتصاد اللبناني على حدٍّ أدنى من النموّ. وقد ساهمت سياساتُ مصرف لبنان النقدية المعتمَدة في دعم الثقة والتحفيز الاقتصادي في الحفاظ على الاستقرار العام على رغم الديون العامة الكبيرة والعجز في الموازنة وكلٍّ من الميزان التجاري والمدفوعات.
أسوة بغيره من البنوك المركزية في العالم، اتّجه مصرف لبنان المركزي أخيراً الى العمل على تحفيز النموّ الاقتصادي في إطار المحاربة العالمية للركود الذي يدفع اقتصاديات الدول للتآكل المتواصل منذ سنوات عدة. فهل ينجح المركزي اللبناني في دعم النموّ في لبنان كما نجح بالحفاظ على الاستقرار النقدي واستقرار الفوائد ودعم مصداقية الدولة اللبنانية على مستوى الايفاء بالديون عند استحقاقها؟

لقد نجح مصرف لبنان بالحفاظ على ثقة الاسواق المحلية والخارجية بالقطاع المصرفي اللبناني الذي أداره منذ سنوات طويلة بيد حديدية وبمهارة استحق عليها الثناء من أكبر المرجعيات الدولية وبرز التمايز اللبناني تحديداً عندما بقي القطاع المصرفي اللبناني بمنأى عن الازمات المدمِّرة التي ضربت النظام المصرفي العالمي خصوصاً في كبريات المصارف الاميركية والاوروبية وغيرها بعد ازمة 2008.

كلّ ذلك بفضل السياسات المحافظة التي اعتُمدت في القطاع المصرفي اللبناني وبتوجهات ومتابعة دقيقة من المصرف المركزي، ما دفع المستثمرين الكبار خصوصاً من اللبنانيين والذين اعتادوا ايداعَ أموالهم في البنوك الاوروبية الاميركية لإعادة هذه الاموال الى لبنان حيث الاستقرار النقدي والمصرفي والسرّية المصرفية وحرّية التحويلات المالية والمهارات المصرفية التي اكتسبتها المصارف المحلية.

وبفضل السيولة المرتفعة والابتعاد عن ركوب المخاطر المالية في الانغماس بأسواق المشتقات المالية التي هزّت كبريات المصارف الغربية ارتفع منسوب الثقة فزاد حجم الموجودات المصرفية في لبنان ليقارب الـ 180 مليار دولار اميركي.

ويشكل النجاح في اكتساب الثقة الكفة المقابلة لكفة تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج التي ظلّت تشكّل خشبة الانقاذ الاساسية للاقتصاد والمال والاستقرار الاجتماعي في لبنان. وهذا ما أهّل القطاع الخاص لتوفير الاستمرارية للدولة اللبنانية شعباً وإدارة وسياسيين.

لكنّ ضعف التقديمات الحكومية للطبقات الفقيرة والمتوسطة في لبنان كاد يقضي على الطبقة الوسطى لينقسم المجتمع اللبناني الى طبقة الفقراء يقابلها طبقة الاغنياء. وهذا ما ينذر بانفجار اجتماعي ما زال مؤجَلاً حالياً على رغم بروز ازمات عدة على مستوى كبير من الخطورة ليست آخرها سلسلة الرتب والرواتب.

وكلّ ذلك أيضاً دفع بمصرف لبنان للتفكير جدّيا في دعم النموّ الاقتصادي الذي من شأنه توفير فرص العمل في موازاة عمله على المحافظة على قدرة اللبنانيين الشرائية من خلال السيطرة على نسبة النموّ الاقتصادي التي يبدو أنها لم تتجاوز الـ 1,86 في المئة وهي نسبة مقبولة عموماً.

ولتوفير الظروف الافضل لتحفيز النموّ بقيت أسعار الفائدة على 5,35 في المئة كعائدات على سندات الخزينة لاستحقاق سنة واحدة، وعلى 6,75 في المئة على سندات لاستحقاق خمس سنوات. أما اليوروبوند فسجّل تراجعاً في العائدات 36 نقطة أساس و61 نقطة على أساس استحقاق الخمس والعشر سنوات خلال العام 2014.

اخذت السلطات النقدية قراراً جريئاً في ضخّ الاموال في السوق اللبنانية بقيمة 800 مليون دولار في 2014 واستهدفت هذه الاموال تحفيز النموّ في الشركات الجديدة والقطاع السكني والسياحي والصناعي وبتركيز أيضاً على اقتصاد المعرفة او التكنولوجيا الحديثة المعول عليه كثيراً كرافعة اقتصادية مستقبَلاً.

وفي خطوة ثانية، رصد مصرف لبنان المركزي مليار دولار اضافياً لتحفيز الاقتصاد في العام 2015 وذلك لتوفير قروض مدعومة للقطاع السكني والمشاريع الجديدة إذ قدم مصرف لبنان هذه القروض للقطاع المصرفي بفائدة واحد في المئة فقط.

في الجهة المقابلة، سلك مصرف لبنان الطرق الجديدة التي اعتمدت حديثاً على مستوى السياسات النقدية في مختلف دول العالم، والدول الغربية خصوصاً، وهي سياسات إعادة شراء السندات الحكومية فارتفعت محفظة مصرف لبنان من السندات الحكومية وسندات الخزينة بنسبة 17 في المئة في العام 2014 أيْ من 11,19 مليار دولار في 2013 الى 13,07 مليار دولار.

كما زادت محفظة مصرف لبنان من اليوروبوند بنسبة 24 في المئة في العام 2014 أيْ من 4,53 مليارات دولار الى 5,72 مليارات دولار. ولهدف رفع مستوى السيولة ودفع المصارف للمشاركة بحصة أكبر في تمويل الدولة خفض مصرف لبنان الفائدة على شهادات الايداع التي يصدرها عادة لامتصاص السيولة من السوق المحلية بمقدار 26 نقطة اساس في العام 2014.

واستقرت من جهة اخرى أسعار صرف الليرة مقابل الدولار الاميركي ضمن الهوامش المحدَّدة من مصرف لبنان المركزي طوال العام 2014 أيْ بما بين 1501 ليرة و1514 ليرة لكنّ الاوضاع الداخلية والاقليمية جعلت الدولار يتحرّك ضمن هامش أضيق خلال العام الفائت أيْ بين 1510 ليرات و1514 ليرة فزاد بنسبة الدولة في لبنان لتتجاوز الـ 65,7 في المئة.

لكنّ مصرف لبنان لم يترك الفصل الاخير من العام 2014 من دون التدخل بجرأة مرة اخرى للتأكيد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار المصرفي واستبعاد المخاطر، هذه المخاطر التي بدأت تلوح في الافق من جراء الزيادات الكبيرة في أحجام القروض الشخصية والاستهلاكية. فأصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً وضع الاطر المحدَّدة لضبط هذه القروض والتخفيف ما أمكن من زيادة المخاطر عليها.

وعلى رغم السنوات العصيبة منذ العام 2006 حقق الناتج القومي العام في لبنان زيادات سنوية رفعت حجمه من 22 مليار دولار في العام 2006 الى 25 ثمّ 30 ثمّ 35 فـ 38 فـ 41 فـ 44 فـ 45 فإلى 48 مليار دولار.