IMLebanon

الممارسة الإقتصادية في اوروبا… موعد مع الحقيقة

EuroMoney
بروفسور غريتا صعب
« الوجود في الحكومة هو موعد مع الحقيقة، وكثيراً ما لا يكون الواقع يتطابق مع الحلم» هذا ما قاله Shaueble وزير المالية الألماني في معرض حديثه عن الوضع اليوناني القائم ولا سيما انّ الصفقة التي توصلت اليها اليونان مع الترويكا صعبة القراءة في أثينا خصوصاً بالنسبة الى أنصار الحزب الحاكم Syriza والذين كانوا يأملون بأن تنهي هذه المحادثات مع الاتحاد الأوروبي اجراءات التقشف.
يبدو انّ قائمة الاصلاحات الاقتصادية مقابل التمديد لفترة الايفاء بالديون اليونانية قد تكون قاسية على اليونانيين وتتطلب منهم المزيد من التضحيات. هذا مع العلم انّ هذه القائمة ما زالت تتطلب موافقة المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي وفي نهاية المطاف سوف تحتاج إلى موافقة البرلمانات الوطنية.

كذلك فإنّ مشروع الاصلاحات هذا لا يشمل تفاصيل الزيادات في الايرادات وكيفية حصر النفقات والاصلاح الضريبي انما يكتفي بعناوين رئيسة، ويحاول اليونانيون من خلاله شراء فترة اربعة أشهر فقط لا غير لتوسيع برنامج القرض.

ويبقى الشك الدائم ما اذا كانت اليونان سوف ترقى إلى احكام الاتفاق الجديد وعلى ما يبدو أن المركزي الاوروبي والسيد دراغي يمثله كذلك صندوق النقد الدولي مع السيدة لاغارد يشددان على وجوب وجود ضمانات وتنقيحات ولا سيما مواصلة خطط بيع الأصول المملوكة للدولة وقوانين العمل والمعاشات التقاعدية وضريبة المبيعات وما اذا كانت هذه الخطة تُعتبر بداية سليمة إلّا أنه يلزمها الكثير من المثابرة والالتزام ومزيد من التقشف.

وهنا يبدو انّ هنالك تناقضاً واضحاً بين ما وعد به Tsipras وما تريده الترويكا الدولية. والسؤال هنا ما هي الصفقة التي توصل إليها الاتحاد الاوروبي والقادة اليونان علماً انها تتطلّب وقتاً كثيراً لكي يستطيع اليونانيون الايفاء بوعودهم واحترام شروط الترويكا وإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد اليوناني الذي هو ولا شك على حافة الانهيار. لذلك جاءت الصفقة بست صفحات شملت جميع أوجه الاصلاح الاداري والمالي علماً أنها لم تدخل في تفاصيل كيفية اجراء هذا الاصلاح.

وقد يكون هذا الغموض ضرورياً لكي توافق البرلمانات الأوروبية على هذه الاصلاحات وهي كالتالي:

1- السياسة الضريبية وتشمل سياسة إصلاح ضريبة القيمة المُضافة وتوسيع نطاق تعريف الغش والتهرّب الضريبي وتحديث قانون ضريبة الدخل بغية الحدّ من الاعفاءات والتخفيضات الحاصلة.

2- الادارة المالية العامة واتخاذ خطوات لتحسينها من حيث توفير المرونة المالية والمساءلة المستقلّة.

3- الانفاق العام وترشيده وضبط النفقات.

4- إصلاح الضمان الاجتماعي والقضاء على الثغرات والحوافز التي تؤدّي الى زيادة في نسبة التقاعد المبكر في الاقتصاد وتعزيز صناديق المعاشات التقاعدية.

5- تحويل المعركة ضدّ الفساد اولوية وطنية ووضعها موضع التنفيذ والحدّ من عدد الوزارات والمستشارين في الحكومة والامتيازات التي تُعطى للوزراء وأعضاء البرلمان وكبار المسؤولين والمساعدة على إجراء تعيينات إدارية شفافة مبنيّة على قاعدة تقييم الموظفين تقييماً حقيقياً.

6- خصخصة الأصول العامة وعدم الرجوع عنها.

7- اصلاحات سوق العمل وتحسين بيئة الأعمال وادخال اجراءات للحدّ من العبء الاداري.

8- اصلاح النظام القضائي من خلال زيادة التخصص والاستقلالية.

هذه الأمور وغيرها هي ملخص للورقة التي قدمتها حكومة Tsipras للاتحاد الاوروبي وجاءت شاملة ولكن كما ذكرنا انها قد تكون على الأرجح لربح الوقت إذ إنّ اليونانيين ولغايته غير مدركين للكارثة التي ألمّت بهم نتيجة سوء ادارتهم وفسادهم اضف الى ذلك انه ليس هنالك أيّ ضمان بأن تكون الحكومة اليونانية الجديدة قادرة بالفعل على تحقيق الاصلاح الضريبي وتدابير مكافحة الفساد وادارة الميزانية وترشيد القطاع العام.

ولا شك انّ المقرضين سوف يتابعون تفحّص مالية اليونان قبل صرف القروض المقبلة وقد يكون من الصعب على Tsipras ارضاء طرفي المعادلة وهم: الناخبون الموعودون بإنهاء التقشف والدائنون الذين يطالبون بسلة اصلاحات تقوم بها الحكومة اليونانية قبل تقديم قروض مالية اخرى.

لذلك نرى العملية في غالبيتها شراء وقت من اليونان وهذا ما تعلمه ميركل علم اليقين لذلك كانت متشدّدة في جلب Tsipras وVaroufakis الى واقع قد لا يكون ما يتمنونه لهم ولناخبيهم انما أرادته ميركل والترويكا معها لحماية منطقة اليورو ودافعي الضرائب فيها (وللعلم دفع لغايته حوالى 200 بليون دولار من حصة الاوروبيين من أجل عملية انقاذ اليونان).

ولذلك واذا لم تؤدِ المفاوضات إلى نتيجة تُذكر فإنّ المصارف اليونانية سفتقر إلى مال المركزي الاوروبي وفي النهاية سوف تكون اول دولة عضواً خارج منطقة اليورو.

لذلك نرى أنّ الرهان ما زال على أشدّه مع العلم انّ Tsipras ووزير المال Varoufakis لم يعد باستطاعتهما المناورة بمواجهة ميركل ووزير مالها Shaueble فهذان الأخيران ادركا ومنذ زمن بعيد مدى خطورة الوضع اليوناني ومدى انعكاساته سلباً على اوروبا ودافعي الضريبة فيها، فاليونانيون يعيشون فوق طاقتهم ولم يلتزموا يوماً بتعهداتهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن مَن هو الفائز بهذه العملية، والأزمة هذه عادة ما توصف بأنها نوع من (Zero-sum) صراع بين المانيا واليونان، علماً انه ومن دون شك المانيا هي الفائزة، إنّما في الواقع سوف يستفيد كلا البلدين المانيا واليونان من تحسين هذه السياسة في اليونان واثبات نفسيهما في معالجة مشكلات طال امدها.

وهذه الصفقة هي لا محال حبر على ورق ومحاولة لإيجاد مخرج لدولة طالما عانت من مشكلات الفساد وسوء الادارة والتهرّب الضريبي والمحسوبية ومن قضاء متحيّز وغير ذلك ما يجعلها غير قادرة لا الآن ولا بعد أربعة اشهر ولا في الزمن المنظور على الايفاء بوعودها وسداد ديونها.

وقد يكون هذا هو ما نراه عندنا في لبنان ولا سيما انّ كل المشكلات التي ذكرناها من فساد وسوء ادارة ومحسوبية وقضاء متحيز وتهرب ضريبي نحن أيضاً نعاني منها منذ زمن وخير برهان على ذلك انه ولغاية الآن لم تجدِ ايّ محاولة اصلاحية لا من رئيس جمهورية اتى الى سدة الرئاسة ولا من احزاب جاءت إلى الحكم هي عبء على الدولة تفتقر في كثير من الاحيان في صفوفها الى رجالات اصلاح وحسن إدارة الشأن العام.

وقد تكون المبارزة الحالية في عملية الاصلاح ما بين بعض الوزراء «فلتة شوط» إذ إنه ولغايته لم يُسجَل على أحدهم سوى عمليات بسيطة هي في المنطق من بديهيات الأمور التي وجب أن يقوم بها مواطن صالح يسعى الى ترك اثر جيد في عملية ادارة الشأن العام.

وقد يكون كلام Shaueble وزير المالية الالماني خير دليل على ذلك وينطبق على السياسيين اللبنانيين برمتهم اذ إنه وبالفعل «الوجود في الحكومة هو موعد مع الحقيقة… وكثيراً ما لا يكون الواقع يتطابق مع الحكم» لذلك نرى انّ صفقة الست صفحات التي كتبها Varoufakis هي جملة تدابير إصلاحية غالباً ما تُكتب من دون ايّ التزام لأصحابها ويبقى تنفيذها رهناً بعملية اصلاح هيكلية جذرية تفترض مراقبة خارجية وجهوزية تامة من شعبٍ يريد الخروج من محنته القائمة.