IMLebanon

الصادرات البقاعية تخسر العراق والأردن.. ولا تربح سوريا

BekaaTrucks
لوسي بارسخيان
حمل التقرير السنوي الصادر عن غرفة التجارة والصناعة والزراعة في البقاع، حول الصادرات البقاعية المصادق على منشئها لدى الغرفة بين عامي 2013 و2014، ارقاماً لافتة حول تراجع الصادرات عموماً، والصادرات الزراعية الى دولتي العراق والاردن خصوصاً، عاكساً الأثر السلبي الذي خلفته الأزمة الاقليمية منذ بدايتها على الصادرات البقاعية.
فبعد ارتفاع مخاطر الشحن البري نتيجة المعارك الدائرة في سوريا، ارتفعت ايضاً كلفة الشحن من لبنان الى البلدان العربية، فيما فرض “داعش”، الذي بسط سيطرته على المعبر البري بين سوريا والعراق، واقعاً تجارياً جديداً مسيئاً للانتاج اللبناني المصدّر عموماً، وبالمقابل غاب دور الدولة اللبنانية كراعٍ رسمي لقطاع التصدير، ولاسيما الزراعي، وظهر انحلال هذا الدور في الإتفاقيات الموقعة مع سوريا والاردن.

وعليه حمل إجمالي الصادرات الزراعية في العام 2014 تراجعاً وصل الى 21 مليار و607 ملايين ليرة، إذ بلغت قيمة هذه الصادرات 309 مليار و952 مليون ليرة لعام 2014، مقابل 331 مليار و559 مليون ليرة، للعام الذي سبق.
وبدا أن النكسة الكبرى التي لحقت بالانتاج الزراعي البقاعي كانت في سوقي العراق والاردن. حيث تراجع التصدير إلى العراق الى 20 مليار و331 مليون ليرة مقابل 39 مليار و311 مليون ليرة في العام 2013، أي نحو 19 مليار ليرة لبنانية، وتراجعت الصادرات للأردن 58 مليار و38 مليون ليرة في عام 2014 مقابل 76 مليار و782 مليون ليرة لبنانية أي حولي 18 مليار ليرة.
ويشير رئيس تجمع الفلاحين في البقاع وعضو لجنة الزراعة في غرفة التجارة ابراهيم الترشيشي، لـ “المدن” إلى أنّ هناك تراجعاً في كميات الانتاج الزراعي البقاعي المصدر براً بنسبة 20 بالمئة في العام 2014 بالرغم من التحسن الذي شهدناه في بعض الاسواق، كالسعودية، ومصر والامارات وغيرها.
ويوضح أن “داعش ألغى الحدود بين سوريا والعراق عند المعابر التي يسيطر عليها، بحيث بات نقل البضائع بينها أقل كلفة، في مقابل ارتفاع كلفة التصدير من لبنان بسبب مخاطر انتقال الشاحنات. علما ان الفوضى القائمة في الدولة العراقية جعلتها متحررة من اتفاقية التيسير العربية، فعمدت الى تأمين حاجتها من دول الجوار، سواء من ايران او تركيا بالاضافة الى سوريا، وبكلفة أقل، وبالتالي خف الطلب العراقي على البطاطا اللبنانية والبصل وعلى انواع العنب والدراق والتفاح التي كان التجار العراقيون يتهافتون عليها”.

واذا كانت ارقام غرفة التجارة لا تعكس القيمة الحقيقية لحجم التصدير الزراعي الى العراق، خصوصاً ان بعض الانتاج اللبناني يتم تهريبه الى سوريا، ليعاد تصديره على اساس انه انتاج سوري، فإن هذه الارقام تبقى اكثر دقة بالنسبة للانتاج الزراعي المرسل الى الاردن. وفي هذا الاطار يشير الترشيشي الى سببين اساسيين وراء تراجع الصادرات الزراعية الى المملكة، اولاً حال الطريق الحدودية الفاصلة عن الاردن، ووقوع شاحنات التصدير خلال العام الماضي بمرمى الجهات المتقاتلة في سوريا، ومقتل احد السائقين، وهو ما رفع من كلفة النقل الى الاردن وجعل السائقين يتحكمون بها. اما السبب الثاني فناتج عن غياب الرعاية الرسمية والاهتمام الكافي بتجديد الاتفاقات المعقودة بين البلدين، وهو ما شجع الاردن على الاخلال بالرزنامة الزراعية الموقعة معها، وتضييق الخناق على الصادرات اللبنانية بما يتناسب مع مصلحة انتاجها المحلي.

ويعتبر الترشيشي ان “سوق الاردن واعد بالنسبة للانتاج اللبناني، ولكن مع ذلك فإن الدولة اللبنانية لم تقم بواجبها في ما يتعلق بتجديد الاتفاق الزراعي الموقع معها، ورأينا غياب الوفود الرسمية على مستوى البلدين في العام الماضي، ما جعل الاردن تعامل المزارعين بجفاء لم يشهدوه سابقاً، فأوقفت خلال 2014 الشاحنات المحملة بالبطاطا 120 يوماً قبل ان تسمح بدخولها وفقا لحاجتها، وعملت على الاخلال بالرزنامة الزراعية من طرف واحد عندما قلصت المهلة المحددة لإستيراد البطاطا من 1 آب الى 15 منه، وحتى 15 تشرين الاول بدلاً من 15 تشرين الثاني”.
ولكن كما في كل القطاعات يتفوق الجهد الشخصي للمصدرين الزراعيين على جهود الدولة اللبنانية، وانعكست نتائج هذه الجهود تحسناً بتصدير الانتاج الزراعي الى سوريا، حيث سجل تحسن محدود عام 2014 مقارنة مع العام السابق اذ بلغت قيمة الصادرات الزراعية الى سوريا 37 مليار و965 مليون ليرة و731 الف ليرة مقابل 37 مليار 69 مليون ليرة و818 الف ليرة. وفي هذا الاطار يتحدث الترشيشي “عن الثمن الأغلى الذي يدفعه الانتاج اللبناني جراء غياب التواصل على المستوى الرسمي بشأن الاتفاقيات الزراعية بين لبنان وسوريا”. ولعل المثل الاقرب الى الذاكرة هو في وقوف السلطات الرسمية اللبنانية صامتة امام اقفال معبر جديدة يابوس نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي بحجة عطل طرأ على تجهيزات المراقبة وتراكم الجليد على الطريق الحدودية الفاصلة بين البلدين، لتعود السلطات السورية وتفتح الطريق وفقا لاهوائها من دون اي توضيح رسمي ايضاً.

وبحسب الترشيشي تقوم الدولة اللبنانية بفرض الشروط المعيقة على المصدر، “وتتصرف كأنها تريد اخذنا الى السجن قبل ان تسمح لنا بتحميل براد بطاطا الى سوريا، علما اننا لا نلمس هذا التشدد في ما يتعلق بالإستيراد، وعند ملاحقتنا الامور في وزارة الزراعة يقال لنا ان لا امكانية للتواصل الرسمي مع اركان النظام في سوريا”.
واذا كانت الارقام التي اوردها التقرير السنوي لغرفة التجارة تعكس التأثير السلبي للحرب الدائرة في سوريا، لا يتوقع المصدرون تحسنا في العام 2015، طالما ان سوريا المشتعلة بنيرانها تشكل المعبر البري الوحيد الذي يربط الانتاج اللبناني بالسوق العربية، وطالما ان لا سياسة رسمية واضحة للحد من تداعيات ازمات الداخل والخارج على الانتاج اللبناني وصادراته الى الخارج.
وعليه يتوقع الترشيشي انخفاضاً اكبر في كمية البضائع المصدرة اذا لم يتم التعاون على مستوى القطاعين العام والخاص لتحليل المعوقات الموضوعية والعمل على تذليلها. فالبلد القوي بإقتصاده هو البلد الذي يصدر اكبر قدر من انتاجه، ويعتمد بشكل اساسي على التصدير بدلاً من الاستيراد، بينما نجد ان الواقع في لبنان معكوس، واعتماد المصدر والمزارع هو على الجهود الفردية المبذولة، بينما الدولة غائبة، ولا مبالية، وسير امور مزارعيها والمصدرين يعتمد على الحظوظ اولاً.