IMLebanon

بول كروغمان عن الحياة السياسية الأميركية و«البيتزا» كلوبي اقتصادي

PaulKrugman
بول كروغمان
إذا أردت أن تعرف القيم التي يمثلها حقا حزب سياسي بعينه، فعليك اقتفاء أثر أمواله. وكثيرا ما يتعرض العامة والمثقفون للخداع في هذا الشأن، وجميعنا نتذكر كيف جرى النظر ذات وقت إلى جورج دبليو بوش باعتباره معتدلا، وكريس كريستي كرجل متعقل بإمكانه التواصل مع الديمقراطيين.
إلا أن كبار المتبرعين عادة ما يملكون قدرة جيدة للغاية بخصوص ما يقدمون على شرائه. لذا، فإن تتبع الإنفاق سيكشف أمامك الكثير من المعلومات.
إذن، ما الذي تكشفه التبرعات خلال الانتخابات الأخيرة؟ كما هو متوقع، ظل الديمقراطيون الحزب المفضل لكبار المتبرعين من النقابات العمالية والمحامين، وتشكل المجموعتان أكبر جماعتين تناصران الحزب. في المقابل، يعد الحزب الجمهوري المفضل لدى العناصر الكبرى في مجالي الطاقة والصناعات الغذائية، حيث تهيمن هذه العناصر على التبرعات التي يتلقاها الحزب، علاوة على كونه الحزب الأول لدى مصنعي البيتزا.
وهذا الأمر ليس بمزحة، فقد كشف تقرير أصدرته «بلومبيرغ» مؤخرا أن كبرى شركات إنتاج البيتزا أصبحت مهتمة بصورة مكثفة وقوية بالشأن السياسي، تحديدا السياسات الحزبية. وتقدم «بيتزا هوت» نسبة كبيرة من أموالها تصل إلى 99 في المائة إلى الجمهوريين، بينما تقدم شركات أخرى بالمجال ذاته نسبة أكبر إلى الديمقراطيين. وبصورة عامة، يمكن القول إن سياسات شركات إنتاج البيتزا هذه الأيام أصبحت تشبه سياسات شركات الفحم أو التبغ من قبل. وتكشف السياسات الحزبية لشركات البيتزا الكثير عما يجري على الصعيد السياسي الأميركي هذه الأيام.
والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: لماذا النظر إلى شركات البيتزا تحديدا كقضية مثيرة للخلاف؟ الإجابة الفورية هي أن هذه الشركات تورطت في حروب غذائية. لقد ثقل الجسد السياسي الأميركي بشدة على مدار نصف القرن المنصرم، ورغم الخلاف حول أسباب ذلك، فإنه من المؤكد أن نظاما غذائيا غير صحي – يعتمد على الأطعمة السريعة تحديدا – هو المشتبه به الرئيسي في هذا الخصوص. وحسبما كشفت «بلومبيرغ»، فإن بعض جنبات صناعة الطعام استجابت لضغوط من وكالات حكومية ونشطاء معنيين بالغذاء عبر محاولة طرح بدائل أكثر صحة، لكن قطاع البيتزا اختار بدلا من ذلك التشبث بحقه في إضافة مزيد من الجبن.
ويبدو الخطاب المحيط بهذا الصراع مألوفًا، حيث يصور لوبي البيتزا نفسه باعتباره مدافعا عن الاختيارات الشخصية وفكرة المسؤولية الشخصية. ويطرح هذا اللوبي حجة مفادها أن الأمر يعود إلى المستهلك لتقرير ما يود تناوله، ولسنا بحاجة لدولة أم كي تخبرنا ذلك. لا أحد هنا يقترح فرض حظر على البيتزا، أو أي نمط من أنماط القيود على ما ينبغي على البالغين السماح لهم بتناوله. وإنما يدور النزاع حول أمور مثل المتطلبات المتعلقة بالمعلومات المنشورة على العبوات – بمعنى تعريف المستهلكين بمعلومات تعينهم على اتخاذ قراراتهم الغذائية – والمحتوى الغذائي لوجبات الغداء المدرسية، وهي قرارات لا يتخذها بالغون مسؤولون لأنفسهم، وإنما يتخذونها نيابة عن أطفال. وفي ما وراء ذلك، يعي كل شخص عانى من مشكلة الوزن – أي غالبية البالغين الأميركيين – أن هذا المجال تفقد فيه عبارة «حرية الاختيار» معناها، فحتى إذا كنت تعي جيدا أنك قريبا جدا ستندم على تناولك قطعة إضافية من وجبة ما، فإنه من الصعب للغاية التصرف بناء على ما تقتضيه هذه المعرفة.
كما أن النظام الغذائي ليس قرارا شخصيا بصورة خالصة، ذلك أن البدانة تفرض تكاليف ضخمة على الاقتصاد ككل. ومع ذلك، لا تنتظر أن تنال مثل هذه الحجج تأييدا كبيرا، لأسباب منها أن العناصر الأصولية المؤيدة للسوق الحرة لا تود سماع أي تعديلات على هذا المبدأ. كما أنه في ظل مشاركة شركات كبرى يظهر لنا مبدأ «أبتون سينكلير»، وهو أنه من الصعب دفع رجل ما لتفهم شيء عندما يكون راتبه معتمدا على عدم فهمه له. الملاحظ كذلك أن قضية الغذاء والسياسات الحزبية ترتبط بقضايا ثقافية أعمق، حيث توجد علاقة اطرادية واضحة بين أسلوب الحياة والتوجه الحزبي. وينعكس ذلك على ميل الولايات صاحبة المعدلات الأعلى في أوزان أبنائها للتصويت لصالح الجمهوريين، ويتسم الحزب بأعلى مستويات نفوذ له داخل ما تطلق عليه «مراكز الوقاية والسيطرة على الأمراض» مقاطعات «حزام السكري»، التي تقع في معظمها في الجنوب والتي تقع تحت وطأة المعاناة الأكبر جراء هذه المشكلة الصحية. وعليه ليس من قبيل المصادفة أن مسؤولي هذه المنطقة يتزعمون مقاومة أي جهود لجعل الوجبات المدرسية أكثر صحة.
على مستوى أعمق، ربما يقول خبراء الصحة إننا بحاجة لتغيير أسلوب تناولنا الطعام، مستندين في ذلك إلى أدلة علمية، لكن القاعدة المؤيدة للحزب الجمهوري لا يروق لها الخبراء أو العلوم أو الأدلة. والواضح أن الجدال الدائر حول السياسة الغذائية يثير قدرا هائلا من الغضب ينصب الجزء الأكبر منه حاليا على ميشيل أوباما.
ورغم أن دور البيتزا في الحياة السياسية الحزبية قد يبدو للبعض أشبه بمزحة، فإن الأمر في حقيقته ليس كذلك، وإنما الأمر يدور حول مزيج مسموم من الأموال الضخمة والآيديولوجيا العمياء والتحيزات العامة التي تزيد من صعوبة ممارسة الحكم داخل الولايات المتحدة.