IMLebanon

صحافيون يتحدثون عن تجربتهم في التغطية جنوبًا

كتبت جويل رياشي في “الانباء الكويتية”:

منذ 7 تشرين الاول الماضي، كلما اتجهت عيون العالم إلى الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، تكون الكاميرات والميكروفونات جاهزة لتوثيق كل لحظة، ورصد تفاصيل الحرب التي تعصف بتلك الأرض المشحونة بالصراع. وراء المعدات التقنية، مراسلون ومصورون يذهبون بكامل عتاد الشغف إلى خطوط المواجهة، ليكونوا عينا ترصد وتنقل وتوثق الحقيقة للعالم.

هم «صحافيون في ثياب الميدان» (عنوان مستعار من كتاب الزميلة مي ضاهر يعقوب التي وثقت فصولا من حرب لبنان)، يخاطرون بحياتهم من أجل نقل الصورة الكاملة عن الحرب مع اسرائيل في الجنوب.

في ما يأتي شهادات حية لثلاثة مراسلين «مواظبين» على الحدود تحدثوا لـ«الأنباء» عن تجاربهم، وتحدياتهم، ولحظاتهم الصعبة وفداحة خساراتهم، وكيفية تعاملهم مع المخاطر التي تترافق مع تغطية الأحداث المأسوية والعنف والدمار والخسائر البشرية.

لا تتردد ليلى خليل مراسلة قناة «الغد» في لبنان، التي تغطي احداث الجنوب والمواجهات مع إسرائيل منذ اندلاعها، في تحديد أصعب اللحظات في هذه الحرب المستمرة: «شكل مقتل زميلنا (المصور في وكالة «رويترز») عصام عبدالله أكثر من صدمة بالنسبة لي. جمعينا كإعلاميين في الميدان تلقينا صفعة قوية. وقد عشنا أياما صعبة بعد غيابه. شعرنا ان ما أصابه كان ليصيبنا جميعا. كنت برفقته في فترة الظهيرة يوم مقتله. وافترقنا على وقع كلمة: منشوفك. واذكر انه كان يوم تخلله الكثير من القصف، الا أننا لم نكن نعلم ان الإسرائيلي سيباشر باستهداف الصحافيين. يومذاك، عدت إلى بيروت لتغطية زيارة وزير الخارجية الإيراني، ذلك ان بقية الزملاء في مكتب القناة كانوا موزعين في الجنوب. وبعد وصولي إلى العاصمة، عرفت بمقتل عصام، بعد استهدافه والزملاء ايلي براخيا وكارمن جوخدار (قناة الجزيرة) وكريستينا عاصي وديلان كولنز (فرانس برس) وآخرين. شعرت بصدمة، اذ اننا نتنقل معا في الميدان وليس فراديا. ذهب عصام فجأة. قتل اثناء قيامه بعمله، وهذا أمر صعب تقبله. نعم أشعر بالخوف، وخصوصا بعد تلك الحادثة. قبلها كنا نتنقل بشكل طبيعي، ملاحقين الصواريخ والقذائف والغبار الناجم عنها بلا خوف. ولكننا فجأة اكتشفنا أننا غير محميين. الدرع والخوذة الواقية المكتوب عليهما صحافة باللغة الأجنبية، غير كافيتين لحمايتنا. إثر تلك الضربة، انتقلت من القطاع الأوسط إلى القطاع الشرقي، الأكثر أمانا نسبيا، على رغم علمنا جميعا انه لا أمان في الحروب. الشعور بالخوف منطقي جدا، وقد تقبلته، وتعاملت معه ميدانيا، باختيار توقيت التنقل أثناء القصف مثلا».

وردا على سؤال عما إذا كانت هذه المهنة تستحق المخاطرة، تقول: «لا (تكررها مرتين). لا شيء يستحق المخاطرة، ولا شيء يستحق ان نرمي بأنفسنا من اجله في اتجاه الموت. ولكنني أدرك ان مهنتي قد تحتم احيانا تواجدي في أماكن ساخنة، لذا أشعر بجهوزية نفسية لتقبل الأمور. والخلاصة اننا اخترنا مهنتنا ونعرف حسناتها وما تحمله أيضا من عواقب. لذا علينا التفكير بمنطق وتقدير الأمور في المهمات الخطرة».

وعن تمضية الوقت أثناء المهمات والعلاقة بين الزملاء، قالت خليل: «نتحرك دائما ضمن مجموعات كإعلاميين. نتكتل مع بعضنا. وهذا وجه إيجابي للمهنة وخصوصا في تغطية الحروب. اتخذت من إبل السقي مركزا للإقامة ومنها اذهب باتجاه مرجعيون، التي تكشف المواقع الإسرائيلية في المطلة وكفرشوبا ومسكافعام وتلة الحمامص. (وقد صدمنا عند حصول ضربة كبيرة في مرجعيون، اذ كنا نعتقد انها في منأى عن القصف). تعرفنا في يومياتنا على الكثير من الأشخاص في المناطق الحدودية، ما ساعد على تسهيل يومياتنا».

وختمت: «أشتاق إلى استعادة حياتي الروتينية في بيروت وتغطية المواضيع التي نعتبرها حاليا غير ذات أولوية أمام الحرب. الحرب جزء من عملنا، لكن لا يجب الاعتياد عليها كأسلوب عمل دائم. لا بأس في العودة إلى تغطية مواضيع معيشية تنبض بالحياة، بعيدا من خطر الموت».

اما الزميل حيدر حويلا ابن صور وبحرها، والكابتن السابق لفريقها الكروي «التضامن» فغادر المستطيل الأخضر، إلى ميدان أوسع بالتغطية الصحافية محررا لـ«الوكالة الوطنية للاعلام» الرسمية اللبنانية، ومصورا لقناة «المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشونال».

مضى حويلا إلى الحرب الحالية معتمدا على خبرة طويلة اكتسبها في الميدان. يسترسل في سرد تفاصيل الاستهداف الأول للصحافيين ومقتل عصام عبدالله ويقول لـ«الأنباء»: «كنا على بعد أمتار قليلة من فريق «رويترز» وبعض طواقم العمل الخاصة بمؤسسات اعلامية أجنبية في بلدة علما الشعب. من شدة عصف الصاروخ (تبين في تحقيقات أجرتها فرانس برس انها قذيفة دبابة إسرائيلية) طرت لمسافة تقدر بأربعة أمتار. رأيت سحب الدخان الأسود تتصاعد من سيارة وسمعت أنين زملائي. تركت الكاميرا جانبا وسارعت والزميل روبير غصن للإنقاذ والمساعدة، وتمكنا من سحب الزميلتين المصابتين كارمن جوخدار وكريستينا عاصي إلى مسافة آمنة على بعد 20 مترا من نقطة الاستهداف. كان الهدف الابتعاد عن السيارة التي كانت تحترق، خشية انفجار خزان الوقود فيها. أذكر جيدا ان المصورة عاصي طلبت مني جرعة ماء، فسارعت لتأمينها. نظرت إلى الخلف، فلمحت زميلي عصام عبدالله ممددا فوق التراب. بعدها، واقولها بصراحة، حملت الكاميرا وهاتفي الخليوي ورحت التقط الصور لأوثق ما حدث، انطلاقا من تجارب سابقة تعلمت فيها وجوب القيام بذلك.. وزعت مهمتي المنقذ والصحافي على نفسي قدر الامكان».

ويضيف حويلا «كوني ابن المنطقة، أعرف الطرق الآمنة وكيفية التنقل والتعامل مع المجريات. وأعرف أيضا وجوب التيقن، وأن اي خطأ، مهما كان صغيرا كفيل بدفعنا حياتنا ثمنا. في بداياتي كنت مغامرا إلى حد التهور، ونجوت من الموت مرات عدة. اليوم تبدلت الأمور بفعل التكنولوجيا وتطور الأسلحة، وفي المقابل نضجت أكثر وبت أحسب حسابا للمخاطر..». وعن علاقة الزملاء ببعضهم البعض في الميدان، قال: «نواجه الخطر سويا، ونعرف جيدا اننا طرائد يبحث الموت عنها، لذلك نحن اخوة في الميدان».

بدوره، استعاد مراسل قناة «الميادين» محمد الساحلي ذكرى استهداف زملائه في القناة في طيرحرفا على انها «اللحظة الأصعب» في مسيرته المهنية: «هم زملاء تجمعنا عشرة عمر. أمضيت سنينا عدة مع المصور ربيع معماري، وترافقنا طويلا في تغطية الحرب السورية وفي الجرود اللبنانية. السبب الأبرز للصدمة التي شعرت بها، هو ان عملية تبديلي من تلك النقطة حصلت قبل يوم واحد فقط، وحلت فرح عمر وربيع معماري مكان فريقي، وقتلا في المهمة».

وعما إذا كان يشعر بالخوف اثناء تأديته الواجب المهني، قال: «الخوف جزء من طبيعة الانسان. وكما زرع الله في أنفسنا احاسيس الفرح والقوة والثقة بالنفس، كذلك هناك الإحساس بالخوف، لذا من الطبيعي أن أخاف. قد يدفع أحيانا هذا الإحساس إلى التردد. ولكنني حسمت الأمر بالاستمرار بما أقوم به. الخوف يدفعني اليوم إلى مكان أكثر امانا، والى تأدية رسالتي بطريقة أفضل. عامل الخوف يجعلني اراجع حساباتي لمعالجة الأسباب التي دفعتني إلى الخوف، بقدر المستطاع».

وعن اليوميات خلال المهمات، قال: «الوقت يمضي بين متابعة الاخبار والاتصال بالمصادر ومراقبة الأرض والميدان ومقاطعة المعلومات واستكمالها، إلى تحضير الرسالة المباشرة واعداد بعض التقارير، ثم في المساء نعود إلى مقر اقامتنا للراحة: نسهر وندردش ونراجع معا المستجدات، ونتحضر لليوم التالي. اليوميات تتشابه، ولكننا نمر أحيانا بمواقف صعبة كأن نغادر مكانا ثم يستهدف بعد سبع دقائق، او ان تقع قذيفة على بعد أمتار منا».

عن مهنته كمراسل يقول الساحلي: «بدايتي مع قناة الميادين فرضتها الجغرافيا. في 2012 كنت طالبا في كلية الاعلام حين بدأت مسيرتي مع القناة. انا من سكان الهرمل، وهي منطقة حدودية في شرق لبنان. وقتذاك وصلت الحرب السورية إلى حدودنا في القصير وريف حمص والسلسلة الشرقية. واستهدفت بلادنا بتفجيرات وغيرها، لذا كانت بدايتي مرفقة بالجغرافيا. غطيت المعارك في الغوطة وحمص والقلمون وغيرها وصولا إلى الجرود في لبنان». ويتابع: «مهنة المراسل الحربي صعبة. نداوم 20 إلى 22 يوما شهريا، ولكننا سرعان ما نخرج من ظروف الحرب، ونعود إلى تغطية قضايا الناس والمجتمع. انا مقتنع بمسيرتي، وانا من اقترحت على القناة التوجه إلى التغطية حيث أنا، وكنت باستمرار أعرض جهوزيتي للمواكبة».