IMLebanon

سعد المصري: هذه أدوار العقيد المتقاعد عميد حمّود في معارك طرابلس

saad-masri

أكثر من 3 سنوات والحرب على جبهة باب التبانة ـ جبل محسن مندلعة. بعد أشهر من تنفيذ الخطّة الأمنيّة ودخول قادة المحاور والمشاركين في المعارك إلى سجن رومية، صار بمقدور هؤلاء كتابة مذكراتهم، وفيها يكشفون أسراراً سياسيّة وأمنية كانت تدور خلف رصاص المحاور وقذائفه الحارقة.

أوّل “مذكرات حربيّة” جاهر بها، الجمعة، قائد “محور ستاركو” الموقوف سعد المصري، من داخل المحكمة العسكريّة، في أول استجواب له بعد جلسات عدة تمّ تأجيلها، وأخرى لم يتمّ استجوابه فيها.

أكثر من ساعة قضاها قائد “محور ستاركو”، يستمع إلى عدد من الموقوفين الذين سبقوه إلى قوس المحكمة. ولكنّ منذ البداية، بدا المصري وكأنّه يريد “تكبير الحجر” لعلّ إفادته تشكل “طوق النجاة” بعد 10 أشهر من تسليم نفسه من ضمن “التسوية السياسيّة” من دون أن يتمّ الإفراج عنه، برغم الوعود التي قُطعت له من مراجع سياسية متعددة.

كان نجم جلسة أمس برئاسة العميد خليل ابراهيم هو العقيد المتقاعد من الجيش عميد حمود. لم يعد اسمه يقال همساً كما في السابق، وإنّما جاهر سعد المصري ومعه يحيى الصالح (شقيق الموقوف زياد علوكي) بعلاقة الضابط المتقاعد بجولات العنف التي حصلت في طرابلس وإرساله الأسلحة والذخائر والعتاد إلى باب التبانة، وخصوصاً إلى “زياد علوكي”. ولم يتوقّف الأمر عند حمود، بل وصل، وإن بشكلٍ أخفّ، إلى وزير العدل أشرف ريفي “الذي خذلنا” على حد تعبير المصري.

قال المصري ومعه عدد من الموقوفين إن ريفي حينما كان خارج الحكم كان يقول عن “قادة المحاور” إنّهم “مثل أبنائنا ويدافعون عن شرفنا وهم تاج على رؤوسنا. وبعدما صار وزيراً للعدل خذلنا وأدار لنا ظهره بعدما وعدنا”. فاعترضت النيابة العامة، فردّ عدد من الموقوفين: “راجعوا غوغل للتأكد من تصريحات ريفي”.

حاول سعد المصري، قدر الإمكان، تبرئة نفسه من جرم تشكيل تنظيم مسلّح وبأنّه لم يطلق النار على الجيش “بل إن مخابرات الجيش كانت تتصل بي من خلال العميد عامر الحسن والعميد سعيد الرزّ للتدخّل في بعض الأحيان لمنع أي إشكال، ولكن نحن حالة شعبيّة حملنا السلاح ضدّ من يطلقون النار علينا في جبل محسن للدفاع عن أنفسنا”، معدّداً الكثير من مشاريع الفتن التي كان البعض يريدها مع الجيش، ومنها قتل شقيقه.

واستغرب تسميته بأنّه “قائد محور”، معتبراً أنّه “لا يمكن أن يكون في طرابلس كلّها محوران اثنان يقودهما هو وعلوكي”.

كشف المصري امتلاكه عدداً من المحال ورثها عن والده في سوق الخضار في طرابلس كانت تخوّله شراء السلاح والذخائر لنفسه من دون أن يكون في تنظيمه عناصر، بالإضافة إلى وجود أشقائه الآخرين في أستراليا، معترفاً بأنّه كان يشتري الذخائر من شخص يدعى محمّد الشوشي في مخيّم البداوي.

وما إن وصل الأمر إلى غيره، حتى باتت اعترافات قائد “محور سوق ستاركو” لا تعدّ ولا تحصى. بدا المصري حانقاً على تيّار “المستقبل”، مشيراً إلى أنّ لا أحد ينتمي إلى “التيّار الأزرق” وكان مشاركاً في المعارك وما زال موقوفاً، بل كلهم أفرج عنهم.

روى المصري الكثير مما يعرفه عن حمود، إذ أكّد أن ثلاثة أرباع المجموعات المسلّحة بعضها من خارج طرابلس التي شاركت في القتال في عاصمة الشمال كانت تتبع لحمّود، وهو كان يأتي بالأسلحة ولا سيّما قواذف “أر بي جي” و”الهاون” ورشاش “بي كا سي” ويعطيها إلى “زياد علوكي” وقائد محور في شارع سوريا الموقوف بلال عكاري الملقب بـ “أبي منصور”. كما أنّ حمود كان يرسل مجموعات لتدريب بعض المسلحين الذين لا يعرفون استخدام أنواع جديدة من الأسلحة.

واستذكر قائد “محور ستاركو” اللقاء الذي جمعه بحمود في حضور عدد من قادة المحاور في منزل الشيخ سالم الرافعي بهدف تنفيذ الخطّة الأمنيّة وإعادة الهدوء إلى طرابلس، فقال حمود، وفق ما أعلن المصري، “دعونا نغيب قليلاً ونسحب الأسلحة”، مؤكدّاً أنّه سمع أكثر من مرة “علوكي” يتحدّث مع حمود عبر الهاتف.

وأشار المصري إلى أنّ حمود اتصل بـ “علوكي” وتحدّث أيضاً معه، قبل أن يرسل مدير مكتبه أيمن الأبرش بسيارته الذي أتى إلى باب التبانة بهدف أخذ الأسلحة التي كان أعطاها حمود لـ “علوكي”، لافتاً إلى أنّه حينها صار إشكال عندما أخذ الأبرش يصرخ “لأنّ هناك صرفاً كبيراً للرصاص”!

ولم يكتفِ المصري بهذا القدر من الاعترافات، بل أكّد أنّ لحمّود أيضاً تنظيماً مسلحاً يحارب في سوريا يحمل اسم “وأَعِدّوا”، وكان يأتي إلى طرابلس ببعض البدلات الحربيّة والأعتدة التي كتب عليها “وأَعِدّوا”، مشدداً على أنّ قائد لواء “وأعدوا” غيّاث جمعة الملقّب بـ “أبو الوليد” الذي كان من “جماعة حمود” بايع “داعش” لاحقاً وفجّر نفسه منذ أقلّ من شهر ونصف الشهر بحاجزٍ للجيش في رأس بعلبك.

وبعد سيل الاعترافات، حاول بعض وكلاء الدفاع عن المدعى عليهم في القضية نفسها التدخّل لمنع المصري من إكمال كلامه، فحصل هرج ومرج، معتبرين أنّ ما يقوله الأخير “غير مثبّت بالأدلّة”، غير أن المصري أصرّ على إفادته، قائلاً: “أنا لا أتجنّى على عميد حمود، وأنا أسمّي الكثير من الأدلّة ومستعدّ لمواجهته”. حينها أصرّ العميد خليل ابراهيم على تدوين أقواله، معلناً أنّ المحكمة سترسل إلى حمود ومدير مكتبه تبليغاً لكي يحضرا الجلسة المقبلة للإدلاء بإفادتيهما. فأشار المصري: “لا تتعذبوا، لأنّهما لن يتبلّغا بل ككلّ مرة سيكتب على تبليغ حمود: تعذّر تبليغه ومجهول الإقامة”.

ولثبيت كلامه، أعلن قائد “محور ستاركو” أنّه حصلت اتصالات بموقوفين من قبل عدد من نوّاب طرابلس لمنعهم من إدخال اسم حمود في القضية. كما أن حمود اتصل بعدد من الموقوفين، مؤكداً أنه إذا لم يتراجعوا عن إفاداتهم فإن الجلسات ستتأجّل في كلّ مرّة. وهذا ما حصل فعلاً، بحسب سعد المصري.

فتدخّل العميد ابراهيم، قائلاً: “احفظ حدودك. لا أحد يمون على المحكمة، وأنا لا أسمع إلا لله”. ثم ردّ المصري، فقال: “أنا لي ملء الثقة فيكم، ولكن راجع الجلسات السابقة التي كانت تؤجّل لغياب مدعى عليهم أو محامين، تماماً كما كان يهدّد حمود”. وروى أنّه حين كان في المبنى “ب” في سجن رومية وكانت الاتصالات مسموحة، اتصل حمود بالموقوف حمدي بكر عواد مهدداً إياه بأن جلسته لن تمشي. وفعلاً هذا ما حصل. وسرعان ما تراجع عواد عن إفادته، نافياً أي علاقة لحمود بالقضية، فما كان إلا أنّ تمّ إخلاء سبيله.

كلّ هذه الاعترافات، التي قالها المصري، كانت على مرأى ومسمع “زياد علوكي” الذي لم يقاطعه بكلمة واحدة، برغم مقاطعته إفادات الموقوفين الآخرين: جلال حجّة، فادي الحلبي، بلال عكّاري والمخلى سبيله خلدون حجازي. ولم يكن صمت “علوكي” إلا بمثابة مصادقة على إفادة شقيقه الأصغر الموقوف يحيى الصالح التي صبّت في إطار رواية المصري.

وفي إفادته الأوليّة، أفاد يحيى الصالح، الذي أنكر المشاركة في المعارك، أن شقيقه يملك 50 “كلاشنيكوف”، 116 بندقية، رشاشات “بي كا سي” و”غرينوف” وغيرها، “أر بي جي”، 4 مدافع هاون 60، وكان يعطي لكلّ مسلّح معه بين 50 و300 ألف ليرة لبنانيّة شهرياً، وعدّد أسماء مجموعة شقيقه (تفوق العشرين)، مشيراً إلى أنّ نجم شقيقه سطع بعدما استولى على مخازن السلاح الخاصة بالراحل خالد الكيلاني.

وبالرغم من أنّ الصالح تراجع عن إفادته الأوليّة (في وزارة الدفاع)، إلا أنّه أقرّ في استجوابه تحت قوس المحكمة، أمس، أنّه سأل مرّة شقيقه من أين يأتي بالسلاح والذخائر، فقال له الأخير: “من العميد حمود. فهو يعطي كلّ الناس”، لافتاً الانتباه إلى أنّ شقيقه لم يكن يريد توتير الأوضاع بل كان هدفه “الإبقاء على سيطرته على المنطقة”.

وبعد الاستماع إلى المدعى عليهم، رفع ابراهيم الجلسة إلى 15 نيسان المقبل.