IMLebanon

العالم يفقد توازنه المالي؟

dollars
طوني رزق
المعالجة للدين العام المتعاظم لم يعد شأن كلّ دولة على انفراد بل أصبح شأناً عالمياً تنبغي معالجته على مستوى العالم أجمع، فاللجوء الى التقشف وخفض الانفاق ورفع الضرائب معالجات خارج اللعبة الواقعية. العالم يعتمد حالياً سياسة الهروب الى الامام ويتجاهل تراكمَ الديون العامة.

ينتظر العالم سقوطَ اليونان مالياً بين يومٍ وآخر تحت وطأة الديون السيادية وعدم القدرة على إيقافها بموازاة رفض الشعوب الخضوع للتدابير التقشفية ولا مخرجَ في الافق.

ولا يقتصر الامر على اليونان وديونها ولا حتى على لبنان ولا سلسلة طويلة من الدول في مختلف انحاء العالم بل يشمل الامر أكبر الدول الصناعية في التاريخ وهي اليابان والولايات المتحدة الاميركية ومن ورائهما اوروبا.

لقد هربت هذه الدول الكبرى الى الامام وبدلاً من العمل على إطفاء ديونها التي باتت تُقاس بعشرات تريليونات الدولارات فإنها لجأت الى طبع النقود وضخها في الاسواق اعتقاداً منها أنّ ضخّ السيولة في الاسواق سوف يعزِّز الطلب والاقبال على المنتوجات والخدمات وبالتالي تعزيز الانتاج لملاقاة الطلب المصطَنَع بحيلة نقدية ونظرية اقتصادية جديدة شكلت ثورة في الفكر الاقتصادي العالمي.

ومع اعتقاد العالم بأنّ الولايات المتحدة الاميركية تبلو البلاء الحسن نتيجة سياسات ضخّ السيولة لها فإنه هو أيضاً يسلك الطريق نفسها.وبرزت اليابان هنا وحتى البنك المركزي الاوروبي تخلّى أخيراً عن تحفّظه وانغمس في تبنّي هذه السياسة النقدية.

وتجاهلت الولايات المتحدة الاميركية دينها العام الذي تجاوز كلّ السقوف المقبولة ما اضطُر الكونغرس الى رفع السقف مرة تلوَ الاخرى كما أنّ اليابان تجاهلت دينها العام العملاق وأكدت النظريات الاقتصادية الاميركية الجديدة والخارجة عن كلّ مألوف، وليس ذلك بالمستغرب فالدولتان تمثلان ولي امر النظام المالي العالمي الحالي، فماذا وراء الاكمة وما الذي تُضمره هذه الدول الكبرى التي انضمت أوروبا اليها؟ كيف ترى المخرج من تعاظم الديون السيادية واستحالة الايفاء بها.

وهل يصل العالم الى مرحلة الاقتناع والمصارحة والاعتراف بعدم القدرة على إيفاء الديون. فيعمل على وضع نظريات اقتصادية ومالية جديدة تتجاهل الديون وتتجاوزها. لا بدَّ أنّ الادمغة وكبار المفكرين الاقتصاديين ينكبّون حالياً على ذلك خصوصاً في الولايات المتحدة الاميركية واليابان، وسوف يُشبَّه ذلك بصاروخ ابولو الذي حطّ على سطح القمر.

ومع لجوء مختلف الدول الى إضعاف عملاتها في أسواق الصرف لتعزيز النموّ الاقتصادي ينخفض حجم وقيمة ديونها السيادية بتقدّم الدول القوي ويُسرق الى الاضواء. لكنّ الدول الناشئة تسجل حالياً قروضاً غير مصرفية تتجاوز الاربعة تريليونات دولار اميركي وتمنح قوة الدولار القدرة على الايفاء صعوبة في هذه الدول غير المستقرة اقتصادياً.

ويصعب الامر اكثر إذا ما لجأت الولايات المتحدة الاميركية الى رفع اسعار الفائدة على الدولار الامر الذي يجعل كلفة هذه الديون اكبر، وكلّ ذلك مقابل تراجع مداخيل الكثير من الدول خصوصاً تلك المنتجة للنفط بعد الانخفاض الكبير لاسعار النفط العالمية. إذاً يمكن القول إنّ الدولار القوي يعني حالياً العالم الضعيف.

واعتاد العلماء الاقتصاديون على نتائج الدورات الاقتصادية الكلاسيكية والتي تتضمّن سلسلة من الافلاسات والانهيارات حتى تحت سياسات اقتصادية نقدية صارمة ومتحفِّظة فماذا سيكون عليه الامر في ظلّ السياسات المغامرة والمقامرة المالية والنقدية المعتمدة حالياً على نطاق واسع من كبريات الدول في مختلف انحاء العالم، حيث تخوض اليونان التجربة الآن تحت الاضواء ومتابعة العالم باسره، ويناقش الدائنون مصير اليونان في حين تعلن المانيا رغبتها باستمرار اليونان كعضو.

ويُجمع العالم على سمعة اليدون العامة التي أصبحت عملاقة فقط بعد العام 2007 تاريخ انطلاقة الازمة المالية العالمية نتيجة المنتوجات المالية وفي مقدمتها المشتقات المالية التي تعتمد على أسعار الفائدة.

أمّا الحلول والمعالجات فاقترح البعض أن تكون من خلال اعتماد عملة واحدة وموحَّدة لكلّ العالم هذا ما كان اقترحه العالم كينز في العام 1944 واقترح أيضاً أن توزَع القروض على الدول بالعملة العالمية الموحَّدة وإعادة شراء الديون القديمة ومن ثمّ قد يمكن اللجوء الى إطفاء وإلغاء بعض الديون القديمة.

وسوف يساعد ذلك في إعادة الاستقرار والتوازن للنظام المالي العالمي فهل يبدو ذلك بعيدَ المنال ومن نسيج الخيال؟ إنّ انسداد الافق أمام معضلة الديون العامة يفترض الخروج عن المعتاد وقرارات دولية استثنائية وشاملة والباب يبقى مفتوحاً أمام إبداعات فكرية جديدة.