IMLebanon

منشآت الزهراني ثروة يأكلها الصدأ: 100 موظّف بمخصصات خيالية ومصفاة خارج الخدمة

Zahrani
هبة دنش
تطالع القادم نحو الجنوب من عاصمة الجنوب صيدا، (وبالتالي من العاصمة بيروت)، خزانات عملاقة تنتشر على مساحة واسعة عند مثلث يفضي الى مدينة النبطية أو مدينة صور، في محلة الزهراني، منها خزانات «معمّرة» تآكلها الصدأ مثلما تآكلتها عوامل الطقس والإهمال.
منشآت الزهراني أو كما يُطلق عليها منطقة الـتابلاين «Tapline» وخزاناتها التي يعود عمرها الى خمسينيات القرن الماضي، منها ما هو بحاجة الى تأهيل، وقد تحوّل إلى كومة من الصدأ، ومنها ما هو مزروع فوق التلال المطلة على البحر، من جهة الشرق. نعم لقد توقفت المصفاة عن العمل منذ العام 1989، بينما تستمر المنشآت في عملية تعبئة النفط، وتوزيعه في السوق المحلي، وبقي المصب للتخزين.
«لا نية في إعادة تأهيل المصفاة القديمة لأنها منتهية ومتآكلة» هذا ما تؤكده مصادر من داخل إدارة منشآت الزهراني، التي استبعدت تحقيق «فكرة تأسيس مصفاة ثالثة، طرحت في عهد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بين لبنان وقطر، بملكية قطرية لمدة 25 عاماً رغم إجراء مشروع الدراسة والجدوى الاقتصادية.
مصفاتان للنفط
في لبنان مصفاتان للنفط؛ الأولى في دير عمار ـ طرابلس، والثانية في الزهراني، وقد توقف العمل بهاتين المصفاتين بعدما تخلت عنهما «الشركة الأميركية» التي كانت تشغلهما، وتم تسليمهما الى الدولة اللبنانية متمثلة بـ «وزارة النفط» لتديرهما. ولأسباب مجهولة توقف العمل بمصفاة الزهراني ولم تستطع الدولة اللبنانية تشغيلها «من طرف واحد»، وربما يكون سبب مرور خط النفط الآتي من السعودية الى الزهراني ضمن الأراضي التي احتلتها إسرائيل في الجولان السوري واحداً من المعوقات، إلى أسباب أخرى ساهمت بتوقف العمل في مصفاة الزهراني.
أدّى توقف عمل المصفاة في الزهراني الى تآكلها. ويؤكد أحد الموظفين في المنشأة أن «الإدارة الحالية حافظت على بعض المنشآت الخاصة بالمصفاة وأتلفت البعض الآخر بسبب التكلفة الباهظة لصيانتها، فيما استمر المختبر النفطي في الزهراني بالعمل حتى يومنا هذا».
يعمل حالياً في منشأة الزهراني نحو 100 موظف يتوزعون حسب الأقسام الموجودة في المنشأة، بين المصبّ والمختبر والمصفاة والإدارة، ويتقاضون «مخصصات خيالية» وفق توزّعهم.
عن وضع المصفاة، يشير مصدر مسؤول من داخل المنشأة إلى «أنه لا يوجد شي اسمه مصفاة قديمة، فهي فعلاً منتهية الصلاحية، وأن أي عملية إصلاح لها ستكون من دون جدوى، فحجمها صغير بحيث إن قدرة إنتاجها قليلة جداً نسبةً إلى حاجة السوق اللبناني، وبالتالي سيستمر استيراد المشتقات النفطية من الخارج. كما أن قطع الغيار لهذا النوع من المصافي في العالم لم تعد متوافرة، فأساليب التكرير التي كانت تعتمدها هذه المصفاة تغيّرت مع تغيّر التكنولوجيا، أما خط السعودية مثلاً فهو متآكل من الصدأ، وقد تعرّض لاعتداءات عديدة وأعمال حفر أكلت منه مساحات واقتطعت أخرى، ولا تنفع معه أية عملية تأهيل».
ويتابع المصدر: «هناك عملية تأهيل كبيرة طالت العديد من الخزانات القديمة، من صيانة القاعدة والسطح والطلاء بالإضافة إلى تزويدها بخلّاطات للنفط وبأنظمة الحماية من الحريق، وغيرها».
وعن سعة منشآت الزهراني يقول المصدر نفسه: «إن التخزين الحالي يقارب 150 ألف طن (فيول، مازوت، وبنزين)، وفي حال تمّ تأهيلها، ستصل قدرتها التخزينية إلى 500 ألف طن. فمنشآت الزهراني هي من أضخم المنشآت التخزينية في المنطقة وتستطيع المنافسة، لامتلاكها قدرة تخزين عالية. وفي حال تأهيل وترميم خزاناتها، ستصبح القدرة الإجمالية لتخزين النفط في لبنان هي الأكبر، وبإمكان الدولة استثمارها وتأجيرها وتصدير الفائض. أما المصفاة فلا أمل في تأهيلها ولم تعد صالحة لتكرير النفط». ويردّد: «هي فعلاً ثروة كبيرة مهدورة».
إمكانية إعادة التشغيل
يقول مصطفى، أحد الموظفين الإداريين السابقين: «نعم، هناك إمكانية لتصليح وإعادة تشغيل مصفاة الزهراني، حيث إن الأرضية المطلوبة لتأسيس مصفاة جديدة، هي أصلاً موجودة في منشآت الزهراني. ففي السابق، قدمت إدارة المنشآت تقريراً مفصلاً يتضمن شرحاً خاصاً مسهباً عن وجود إمكانية لتصليح هذه المنشآت، مع الجدوى الاقتصادية لذلك، ولكنه لم يلق آذاناً صاغية. ولسنا بحاجة إلى بناء مصفاة جديدة، بل بالإمكان القيام بإعادة صيانة المصفاة والخزانات القديمة الموجودة مع إمكانية إدخال المعدات والتجهيزات و «الإهراءات» الجديدة المطلوبة إلى المصفاة عينها، وذلك بسبب وجود مساحات تستطيع أن تستوعب أي دراسة جديدة لتطوير هذه المصفاة، فمساحة منشآت الزهراني تبلغ حوالى مليوني متر مربع».
ويتابع: «لا بد من ضرورة تسليط الضوء على أمر لا يقل أهمية عن موضوع المصفاة، وهو أن منشآت الزهراني تتمتع بوجود عدد كبير من الخزانات الضخمة التي تصلح لأن تكون مخزناً للنفط، ليس في لبنان فحسب، بل هي مؤهلة لأن تكون مخزناً للنفط على مستوى المنطقة العربية. وهناك إمكانية لتوسيع حظيرة الخزانات عن طريق تأسيس خزانات جديدة أو بديلة وذلك بسبب توافر المساحات الهائلة لهذا الغرض. هذه الخزانات الضخمة يمكن أن تكون مستودعاً ضخماً لأنواع مختلفة من المشتقات النفطية (كالبنزين، والمازوت، والفيول أويل…)».
تقوم المصفاة المتوقفة عن العمل منذ العام 1989، بمهمة إفراغ حمولة النفط من البواخر ليتم في ما بعد تسليمها الى الشركات الخاصة، والتي لديها حصص في هذه المنشآت، بعد أن يخضع النفط للفحص من قبل مختبر الزهراني للتأكد من مواءمته للشروط المطلوبة، ليُعاد توزيعه في السوق المحلي».
أما المصبّ، فهو عبارة عن «المرسى» الذي ترسو فيه السفن المحمّلة بالنفط، فيه منصتان للتفريغ تابعتان لمنشآت النفط في الزهراني. تشغّل هذا القسم مجموعة من العمال البحريين وعمال الميكانيك وعمال ربط السفن بالمراسي. يقول «بلال» أحد المستخدمين في المرسى: «يتم من خلال المصبّ ربط خطوط الدفع الخاصة بالسفن بخطوط النقل الموجودة في قعر البحر، وعندها تبدأ عملية نقل النفط من البواخر الى الخزانات».
وتشير إدارة منشآت الزهراني إلى مشكلة حقيقية تواجهها مع السوق والموزّعين هي «أن منشآت النفط بين طرابلس والزهراني تقوم بتسلّم حوالى 5 ملايين ليتر يومياً من مادة المازوت وبشكل يومي ودائم، على أساس أنها لكل المناطق من دون استثناء، في حين أن السوق المحلي يحتاج بأوقات الذروة إلى 6 ملايين ليتر بما فيه المازوت الأخضر. تجري الإدارة اتصالاتها مع الموزّعين لمعرفة أين يذهب المازوت (إلى السوق السوداء أو بالتهريب إلى سوريا)، لأن الشكاوى عن نقص المازوت في السوق تتوالى إلى المنشآت».
هناك تطوير دائم لمنشآت الزهراني، فمنذ سنوات تم تأهيل «السنسول» البحري في المرفأ بسبب تقادمه، ويعمل لخدمة البواخر حسب الأصول. كما تمّ تغيير خطوط الجر الأساسية التي تنقل المشتقات النفطية من البواخر إلى الخزانات. وكان المدير العام لمنشآت النفط في لبنان سابقاً سركيس حليس قد أشار الى «أن هناك خطة تقوم على أن تصبح الزهراني مركزاً تخزينياً إقليمياً، لأنها قريبة من قناة السويس، وهناك حاجة كبيرة لوجود قدرة تخزينية في منطقة البحر المتوسط».
ويؤكد متابعون لعملية التطوير في منشآت نفط الزهراني، أنه تم استدراج عروض لتكليف متعهد تصميم وتنفيذ مشروع محطة كهربائية عاملة على الطاقة الشمسية بقدرة 1 ميغاوات ووضعها قيد التشغيل في منشآت النفط في الزهراني بالتعاون مع المركز اللبناني لحفظ الطاقة. وكان قد حُدّد موعد تقديم العروض النهائي في 28 كانون الثاني 2015. «على أمل الوصول الى بيئة سليمة وكهرباء دائمة».