IMLebanon

قطارات الفقراء وحافلة الأثرياء: استراتيجية لمكافحة الفقر

PovertyLine
عصام الجردي
يناقش ممثلون عن نحو 188 دولة الأسبوع الجاري في دورة الربيع السنوية للمصرف الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن استراتيجياً إنهاء الفقر المدقع في سنة 2030 . وسيعرض المصرف والصندوق تقارير عن تقدم العمل المنجز في خطة الألفية الثالثة لخفض الفقر المدقع إلى النصف في حلول ،2015 التي تبنتها الأمم المتحدة في ،1990 وعهدت إلى وكالاتها المتخصصة وإلى كل من المصرف الدولي والصندوق تنفيذها والإشراف عليها . وتعريف الفقر المدقع دولياً، هو 25 .1 دولار أمريكي بسعر الصرف المحلي على أساس تعادل القوة الشرائية مقاساً بأسعار ،2005 لتقدير كمية استهلاك الفرد الواحد من السلع والخدمات يومياً وفقاً لمسوح استهلاك الأسر . وقد حلّ هذا الخط محل 08 .1 دولار أمريكي يومياً للفرد خط الفقر المدقع السابق بأسعار 1993 . وهو أقل من خط الفقر المطلق المقدر بنحو دولارين أمريكيين .
بحسب المعلومات الصادرة عن المرجعيات الثلاث (الأمم المتحدة والمصرف والصندوق) تحقق خفض الفقر إلى النصف في الخمس عشرة سنة الأخيرة إلى أقل من مليار نسمة من نحو مليارين في 1990 . ويفترض أن الرقم راعى ازدياد تعداد سكان العالم من نحو 3 .5 مليارات في سنة الأساس المذكورة إلى نحو 4 .7 مليارات تقدير الأمم المتحدة في 2015 . وللوصول بالاستراتيجيات إلى مقاصدها في ،2030 حدد المصرف والصندوق الدوليان محاور ثلاثة للعمل عليها . وهي النمو والاستثمار والتأمينات الاجتماعية والصحية .
للوهلة الأولى، تبدو المحاور الثلاثة مقنعة نسبياً على الورق . بلوغ الأهداف هو العقبة الكؤود منذ عقود طويلة . ودونه اختلالات هيكلية في التنفيذ . هناك مساحة فراغ شاسعة بين الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة والمصرف الدولي، وبين القوى الفاعلة والمقررة في قمرة قيادة الاقتصاد العالمي . استبعدنا صندوق النقد الدولي لأنه غير معني مباشرة بقضية النمو والتنمية بمقدار اهتمامه بالصيرفة والنقد ونظم المدفوعات والموازنات العامة . ولأنه غالباً ما يلعب دوراً سالباً حين يتعلق الأمر بالنمو وبالاستثمار في التأمينات الاجتماعية والصحية والإنسانية . المحاور الثلاثة التي ستناقشها دورة اجتماعات الربيع وتتبناها الأمم المتحدة .
4 .3% كان متوسط نمو الاقتصاد العالمي في العقود الثلاثة الأخيرة . بالأرقام التقديرية بات يناهز 100 تريليون دولار أمريكي، من نحو 61 تريليوناً قبل 20 عاماً . باقتفاء أثر أرقام الأمم المتحدة والمصرف والصندوق الدوليين عن النجاح في خفض الفقر المدقع في العقود الثلاثة الاخيرة الى النصف، يعني أن حصة الأكثر فقراً كانت بأعشار الواحد في المئة من كعكة النمو العالمي . المليار الآخر المتبقي في ربقة خط الفقر المدقع حتى 2030 كانت حصته أقل في طبيعة الحال بنسبية أرقام المرجعيات الثلاثة . نتناول الفئة من دولار أمريكي و25 سنتاً يومياً . وكأن الشريحة الأوسع بكثير بين خط الفقر المدقع المشار إليه، وبين دخل واستهلاك بسقف 4 دولارات أمريكية يومياً أو ما يماثلها بألف خير . وهذه الشريحة مفترضة عند مستوى خط الفقر المطلق . كانت الشفافية تقتضي إحصاءات تقديرية لها . وهي بالمنطق فوق المليارات الأربعة . فيصل تعداد الأكثر فقراً في العالم إلى 5 مليارات من 4 .7 مليار نسمة . ماذا عمّن هم في جوار خطي الفقر المدقع والمطلق؟ والطبقة المتوسطة؟ ويفترض أن الأخيرة، وهي عصب المجتمعات ونخبه المهنية والعلمية المثقفة والمنتجة، هي الطبقة الأكثر تعداداً . لا نملك من المعطيات ما يفي بالحاجة . لا تحديداً ولا نسبة . بيد أن نقترب بلغة العقل والمنطق من المقولة التي تؤكد احتكار القلة ثروة العالم .
في يناير/كانون الثاني ،2014 وقفت ويني بيامييما المديرة التنفيذية لمنظمة “أوكسفام” البريطانية المعنية بشؤون الفقر في منتدى دافوس لتعلن أن 85 موسراً يملكون نصف ثروة العالم” . ومن المثير للذهول أنه في القرن الحادي والعشرين لا يملك نصف سكان العالم، أي ما يعادل 5 .3 مليار شخص، ما تملكه مجموعة من الناس لا يتجاوز عددها عدد ركاب حافلة من طابقين . وقدرت ثروة هذه الفئة ب110 تريليون دولار امريكي . “أي 65 مرة أكثر من دخل نصف سكان العالم الأقل دخلاً” . ختمت بيامييما . وتوقع تقرير “أوكسفام” الصادر في يناير 2015 أن يتراجع عدد الموسرين في 2016 إلى 80 . نقتبس من التقرير أنه لحظ مستويات الفقر في الدول الصناعية نتيجة الأزمة والتقشف، وتراجع إعداد الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة وأوروبا . أستاذ القانون في جامعة ليولا في نيوأورلينز بيل كويغلي، نشر على موقع “كومون دريمز” أنه يوجد في الولايات المتحدة أكثر من 600 ألف مشرد بلا مأوى . يقضون الليل مشردين، أو في المساكن المؤقتة . ويعيش أكثر من ثلثهم في سيارات وتحت الجسور .
لا يتأسس نمو على الأعمال الخيرية . بل على توفير الفرص والنظام الاقتصادي العادل المفتقد . هذا لا تقرره المنظمات الدولية . رئيس المصرف الدولي جيم يونغ كيم يقول إن 70 في المئة من الفقراء مزارعون من الأرياف . ونمو الزراعة يسهم في خفض الفقر أربعة أضعاف نمو الصناعات التحويلية والخدمات . لكن الدول الصناعية المقررة تصر على وضع الحواجز في وجه نفاذ الصادرات الزراعية من الدول النامية . وترفض منذ 14 عاماً تنفيذ قرارات جولة الدوحة للتجارة الحرة . وتريد الانتقال إلى تحرير كامل للتجارة قبل وقف دعمها القطاع الزراعي . والفقراء مستوردون للخدمات ولا يصدرونها . هذا ما على دورة اجتماعات الربيع طرحه بجرأة وصراحة، إن إرادت خفض قوافل قطارات الفقر بدلاً من خفض عدد ركاب “حافلة من طابقين” .