IMLebanon

الإقتصاد السويسري يتحفّز لرفع مُرتقب للعقوبات على إيران

Flag-Pins-Switzerland-Iran

فيما لا زالت الصيغة النهائية للإتفاق حول البرنامج النووي الإيراني قيد التفاوض، يشحذ ممثلو القطاعات الإقتصادية أسلحتهم منذ الآن. فهم على أهبة الإستعداد للإستثمار في هذه السوق الجديدة الواعدة فور رفع الحظر المفروض على الجمهورية الإسلامية. وفي هذا الإطار، يتحول وفد سويسري إلى طهران خلال شهر أبريل الجاري.

في الواقع، يُعزز الإتفاق الذي التوصل إليه في لوزان بين الأعضاء الدائمين الخمس في مجلس الأمن الدولي ومعهم ألمانيا (مجموعة خمسة زائد واحد) حظوظ بلورة اتفاق نهائي قبل موفى شهر يونيو القادم يضع حدا للخلاف القائم حول البرنامج النووي الإيراني، إلا أن الأوساط الدبلوماسية ليست الوحيدة التي تحبس أنفاسها هذه الأيام تحسبا لما ستسفر عنه مفاوضات الأسابيع القادمة الحاسمة.

بموازاة ذلك، يسعى ممثلون عن قطاعات الإقتصاد والأعمال في العديد من البلدان الغربية إلى التواصل – مرورا في بعض الأحيان عبر القنوات الرسمية – مع هذا البلد المقصيّ منذ سنوات طويلة عن كافة المسارات السياسية والإقتصادية جراء الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة. وهذا ليس بالأمر الغريب.

ومن المعلوم أن إيران التي تتمتع بموارد نفطية وغازية ضخمة ويزيد عدد سكانها عن 80 مليون نسمة يتمتع جزء لا بأس به منهم بخبرات ومستويات علمية جيدة، تمثل بلدا واعدا بما لديه من إمكانيات اقتصادية هائلة. ومن شأن رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها فتح المجال بوجه إقامة شراكات اقتصادية مثيرة للإهتمام.

في هذا السياق، اهتمت كتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصادية بعدُ بربط علاقات مع الجمهورية الإسلامية. وفي شهر أبريل الجاري، يتحول وفد من الممثلين عن القطاعات الإقتصادية بقيادة ليفيا لوو إلى طهران من أجل تحديد فرص اقتصادية. وتقول مفوضة الحكومة الفدرالية للإتفاقيات التجارية والتي عملت سفيرة لبلادها لدى إيران حتى عام 2013: “نريد أن نتعرف على الكيفية التي ترغب الحكومة الإيرانية في التصرف بمقتضاها إلى حين الإنتهاء من المفاوضات، وبعد رفع العقوبات”.
جس النبض..

ومع أن ليفيا لوو أحجمت عن ذكر هوية الأعضاء الذين سيتشكل منهم الوفد إلا أنها تقول: “بالإضافة إلى موظفين في كتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصادية وأعضاء في رابطة رجال الأعمال السويسريين EconomieSuisse، سيسافر إلى إيران ممثلون عن شركات تنتمي إلى قطاعات اقتصادية مختلفة”.

وفي إيران، سيُجري الوفد اتصالات مع وزراء ومسؤولين حكوميين وفاعلين اقتصاديين.

في السياق، يُبدي المسؤولون في الشركات التي استمرت في التعامل تجاريا مع إيران خلال فترة الحظر قدرا كبيرا من التحفظ تجاه الأسئلة التي تُوجّه إليها من طرف وسائل الإعلام، خصوصا وأن الصناعات الدوائية والغذائية ومنتجات بعض الصناعات التحويلية وقطاع الساعات وصناعات أخرى لم تتضرر بشكل مباشر من العقوبات.

في الواقع، لا يقتصر تواجد ونشاط الشركات السويسرية في إيران على المؤسسات الصغرى والمتوسطة بل يشمل الشركات المتعددة الجنسيات مثل نستلي أو هولسيم أو نوفارتس. وفيما يُنتظر أن يكون ممثل عن شركة نوفارتيس ضمن الوفد، أكدت الشركة وجود مكتب يُمثلها في إيران وأوضحت لـ swissinfo.ch “لدينا اتفاق مع شركة إيرانية للإنتاج محليا والتوزيع”. وأشارت نوفارتس أيضا إلى أنها كانت حريصة على “تزويد المرضى بالأدوية في ظل الإمتثال الصارم للعقوبات الإقتصادية والإجراءات المفروضة من طرف الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وسويسرا”.

نوفارتس رفضت التعليق على سؤال يتعلق بكيفية تعاطيها مع المعاملات المالية مع بلد تم استبعاده تماما من آلية الصفقات والمبادلات المالية العالمية (تُعرف اختصارا بـ SWIFT) واكتفت بالقول: “نحن لا نكشف عن أي تفاصيل ذات طابع مالي”.

مجموعة بوهلر هولدينغ Bühler Holding AG (يُوجد مقرها في أوتسفيل Uzwil بكانتون سانت غالن) تتواجد في إيران منذ عام 1976، وفي إجابة كتابية، تقول الشركة المستقرة منذ فترة طويلة والتي تبيع مطاحن وتجهيزات أخرى لتحويل المواد الغذائية وتُشغّل أكثر من 10 آلاف شخص في العالم وتقوم بتصنيع منتجات لفائدة السيارات وصناعات التعليب والإلكترونيات : “عدا مقرها الرئيسي في طهران، تتوفر شركة بوهلر على موقع إنتاج خاص بها في آستارا. ويُؤهلنا تواجدنا في البلد لتقديم أفضل الخدمات إلى حرفائنا الإيرانيين”. في المقابل، رفضت الشركة تقديم أي تفاصيل عن عمليات تحويل الأموال أو الدفوعات.
تعطش إيراني للإستثمارات

شريف نظام – مافي، هو المدير التنفيذي للمكتب الإقليمي لشركة بوهلر في طهران، وهو يشغل أيضا منصب نائب رئيس الغرفة التجارية الإيرانية – السويسرية التي تضم في صفوفها معظم الشركات السويسرية العاملة في إيران، ومن المقرر أن يزور وفد كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية الغرفة أيضا.

وفي حوار أجرته معه الإذاعة العمومية السويسرية الناطقة بالألمانية SRF، قال شريف نظام – مافي: “لقد ألحقت العقوبات الكثير من الضرر باقتصاد هذا البلد الغني”. وفي صورة رفع الحظر المفروض على إيران، فإن حوالي 100 مليار دولار أمريكي كسبتها إيران من صادراتها النفطية ولا زالت مُجمّدة في حسابات مصرفية أجنبية، ستعود مجددا إلى الجمهورية الإسلامية. ويقول نظام – مافي: “إن الإقتصاد الإيراني متعطش للإستثمار”، ويُلفت إلى أن الإستثمارات تخضع لسيطرة واسعة من طرف الدولة، كما “تتخللها الرشوة والمحسوبية”.

وفي تصريحات إلى swissinfo.ch، وافق حسن أكبر زاده، نظيره في سويسرا، على أن الحظر ألحق الكثير من الأضرار بإيران. وقال الرجل المولود في إيران المقيم في سويسرا منذ أكثر من أربعين عاما والرئيس الحالي للغرفة التجارية السويسرية الإيرانية: “لقد أثّـرت العقوبات بشكل أكبر في أولئك الذين لم يكونوا محظوظين في السابق”.

إضافة إلى ذلك، أضحت الأعمال والحياة الشخصية أكثر تعقيدا وغلاء بالنسبة لمعظم الإيرانيين حسب حسن أكبر زاده الذي يستدل بتجربته الشخصية لتأكيد كلامه. ويقول متسائلا: “كيف يُمكن لك إرسال أموال إلى أبنائك الذين يُتابعون دراستهم بالخارج إذا لم يكن هناك مصرف مستعد لإجراء تحويلات مالية مع إيران؟”، ثم يضيف أنه إذا كانت لديك علاقات مع إيران وأجريت اتصالات بالبنك بشكل مباشر أو عبر الهاتف، فغالبا ما يُشتبه بأنك قاطع طريق أو متحيل.

وحسب مصادر في غرفتي التجارة، فإن التحويلات المالية مع إيران تتم في معظم الأحيان عبر طرف ثالث مثل دبي أو تركيا، وهي معلومات لم تتأكد بعد من طرف المصارف. وفي إجابة على أسئلة swissinfo.ch، أفاد مصرف كانتون زيورخ (الذي قام – حسب غرفة التجارة السويسرية الإيرانية – بإجراء تحويلات مالية إلى إيران لفترة طويلة) بأنه “توقف تماما عن إجراء أي معاملات مع إيران في عام 2010 تبعا للعقوبات المفروضة من طرف الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة”.

من جهتها، أكدت ليفيا لوو، المسؤولة في كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية أن المعاملات النقدية تظل أهم حجر عثرة بوجه العلاقات التجارية مع إيران.

معضلة الفساد

وعلى الرغم من أن العقوبات المفروضة على إيران من طرف الإتحاد الأوروبي وسويسرا لا تتسم بنفس القدر من الصرامة مقارنة بالعقوبات المسلطة عليها من طرف الولايات المتحدة طيلة السنوات الخمس والثلاثين الأخيرة، إلا أن الحظر الأمريكي أضرّ في العديد من الأحيان بالعلاقات التجارية السويسرية الإيرانية التي لا علاقة لها به أصلا. فمن وجهة النظر الأمريكية، يتعيّن على الشركات الإختيار ما بين التعامل مع الولايات المتحدة أو إيران، ولهذا السبب تحديدا تُدمج المصارف مسألة العقوبات الأمريكية في تحليلاتها المتعلقة بالمخاطر. وفي هذا الصدد، تشير السفيرة السويسرية السابقة إلى أن “معظمها (أي المصارف السويسرية) توقفت عن التعاون مع المصارف الإيرانية، حتى مع تلك التي لم تدرج أسماؤها على لائحة العقوبات”.

الفساد هو التحدي الآخر الذي يُواجه المتعاملين مع إيران، البلد الذي يحتل المرتبة 136 (على 175 بلدا) في مؤشر مُدركات الفساد لعام 2014 الذي تُعده سنويا منظمة الشفافية الدولية. وفي ردها على سؤال يتعلق بالكيفية التي تسمح للشركات المتعاملة مع إيران بتجنب هذا الصنف من المشاكل، تلفت ليفيا لوو إلى أن “الفساد ظاهرة عالمية”، ثم تضيف بأن “منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية وضعت قواعد حول كيفية تجنب الفساد وهي المرجعية التي تعتمدها كتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصادية عندما يتعلق الأمر بقيام شركات سويسرية بمبادلات تجارية دولية”.
رمزية تعزز المساواة

أخيرا، هل سيتم التطرق إلى القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان خلال المحادثات مع الإيرانيين؟ أجابت السيدة لوو أن مصالح سويسرا الإقتصادية ستكون لها الأولوية في الرحلة القادمة إلى طهران، لكن – وبحكم معرفتها الجيدة للبلد – فإنها لا تستبعد أن تتم إثارة بعض القضايا الأخرى.

السفيرة السابقة – التي تقول إنها لم تشعر بأنها أقل حظا في إيران بوصفها امرأة – أضافت: “بشكل عام، هناك أوجه عديدة للعلاقات بين سويسرا وإيران وبالتأكيد تندرج حقوق الإنسان ضمن المسائل المهمة التي يتم التطرق إليها خلال اللقاءات الرسمية”. وتختتم بالقول: “لقد عبّرت لي الإيرانيات في العديد من الأحيان عن تقديرهن لقيام سويسرا بإرسال امرأة كسفيرة إلى طهران لأن هذا يُمثل إشارة قوية فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين”.