IMLebanon

مصالح التجارة الغربيّة وشروطها: حالة إيران

IranOilMoney2
بروفسور غريتا صعب

ما حصل في سويسرا أخيراً ليس بالحدث العادي ولا سيما أنّ ايران، والتي عُزلت لحوالى ٣٥ عاماً، قد تعود مجدّداً الى الساحة الدولية، (٨٠ مليون نسمة). هي رابع الدول الكبرى في احتياط النفط بعد فنزويلا والمملكة العربية السعودية وكندا، وتملك ما يقرب من خمس احتياطات الغاز بعد روسيا. أضف الى ذلك انها عاشر أكبر سوق للسيارات والشاحنات كذلك الغاز الرخيص والمياه الدافئة.
هذه العناصر تجعل من ايران دولة لا يُستهان بها تجارياً اذا ما التزم الجميع بتعهداتهم وتمكنوا من التوصل لحلّ نهائي لازمة التخصيب النووي والجزاءات على إيران. وإذا كان للتخصيب النووي شجونه السياسية المعروفة من خوف في اسرائيل وعدم تفهم المملكة السعودية فإنّ للعامل التجاري القسم الأكبر من عملية هذه المحادثات.

وهذا العامل لا يمكن تجاهله مع وصول المعتدلين الى الحكم في ايران ونجاحهم في الجلوس الى طاولة مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية ما يعني حسن نيّة من الطرفين. فالأميركيون يودّون وضع حدّ لعملية التخصيب النووي في إيران والإيرانيون يريدون فكّ عزلة بلادهم عن المجتمع الدولي.

أما ما يعنيه هذا الاتفاق تجارياً فهو اكثر ما تهتمّ به الشركات العالمية والدول ولا سيما الاوروبية منها، خصوصاً أنّ قسماً من العقوبات المتشعِّبة وضعته الامم المتحدة والقسم الاخر وضعه الكونغرس الاميركي ومنه ما صدر بقرارات رئاسيّة ما يجعل من الصعب تحديد ما يمكن أن يرفعه أوباما او ما الذي يجب ان يرفعه الكونغرس.

وما قاله الرئيس باراك أوباما عن أنّ ما حدث هو «تاريخي» قد لا يساعد الشركات الأميركية تجارياً على الأقل في المدى المنظور وقد يكون عامل الثقة هو السبب الرئيس إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ تحريرالجزاءات سوف يطال جميع القطاعات ولا سيما الاساسية منها انما فقط القطاعات الانسانية مثل الغذاء والدواء والرعاية الصحّية وهي تسمى بالجزاءات الثانوية الأميركية وغير الاميركية منها- لذلك وفي المرحلة الأولية من هذا الاتفاق قد تكون الشركات الاوروبية هي الفائزة في هذا المضمار وقد أظهرت على مدى السنين اهتمامها بالسوق الإيراني ولا سيما بيجو ورينو ومحاولتها إحياء الاتصالات القديمة مع الحكومة الإيرانية.

وسوف يتبع في وقت لاحق قطاعات لها قدر كبير من الأهمية ولا النفطية وشركات والغاز والتي هي على رأس قائمة الانتظار- كذلك هناك أسواق اخرى في ايران مع إمكانيات هائلة وعلى سبيل المثال أسطول الطيران الإيراني والذي يدعو لمنافسة قوية بين Boeing وAirbus خصوصاً أنّ هذا الأسطول يُعتبر من أقدم أساطيل الطيران في العالم وبحاجة ماسة الى تجديده وتأمين قطع غياره وتدريب طياريه.

كذلك شركات الأدوية وشركات الرعاية الصحية والتي من المحتمل أن ترى مزيداً من المكاسب- هذا علماً أنّ اكثر من ٥٠ شركة طبية أعفيت من هذه العقوبات السنة الماضية نذكر منها Boston Scientific و GE healthcare وBausch and Lomb.

هذا وإيران تفتقر الى الكثير من الأدوية والتي لا يمكنها تصنيعها مثل أدوية السرطان واضطرابات الدم وغيرها ما يستدعي تقنية هامة. أما شركات البترول الاميركية فقد تكون الاكثر تضرّراً امام نظيراتها الاوروبية بسبب تقييد العقوبات وعدم انقطاع الشركات الاوروبية عن محاولاتها المتلاحقة العودة الى ايران مثل BP وRoyal Dutch Shell وTotal (في العام ١٩٩٥).

وبعد عقدين من بدء الثورة الاسلامية الإيرانية توصّلت الحكومة الإيرانية الى إبرام عقد بقيمة مليار دولار مع شركة CONOCO سرعان ما أُلغي نتيجة ضغوطات من البيت الأبيض ما دفع بطهران الى إبرام اتفاقيات عدة مع شركات أوروبية مثل Shell وTotal- ويبدو أنّ إيران استدركت الامر سريعاً. أما وبيجان نامدار زانجانيه وزير النفط الإيراني فقد اجتمع بمسؤولين من BP وTotal وLuke oil الروسية في تشرين الماضي في محاولة منه لاستباق الأمور وما قد يُحدثه هذا الاتفاق.

هذه المنافع التي يراها الأوروبيون والأميركيون معاً نتيجة إبرام هذه المعاهدة «الحدث» ليست سوى قسم بسيط من المنافع التي يمكن أن تتسبّب بها هذه الاتفاقية- وقد يكون القطاع المصرفي العامل الأهم لفرص التجارة والاستثمار التي سوف تعتمد على مدى السرعة والترتيبات المصرفية، وقد تكون المصارف السويسرية بديلاً سريعاً للمصارف في الاتحاد الاوروبي والتي تنتظر رفع الجزاءات.

وقد يكون ذلك نافذة أيضاً للقطاع المصرفي اللبناني لبدء أعماله في طهران ولا سيما انه على مستوى متقدّم من حيث الخبرة والتعاطي وعنده مصداقية برهنت ولتاريخه أنه قطاع آمن.

هذا مع العلم انه ولفترات طويلة استطاعت ايران وبمساعدة مصارف عالمية عدّة تخطي هذه الجزاءات المصرفية عليها وبوسائل متعدّدة ساعدها عدم اقتناع المصارف العالمية بفائدة هذه الجزاءات وتفرّد أميركا النسبي بوضعها.

لكن وللعلم دفعت هذه المصارف مبالغ طائلة نتيجة خرقها لهذه الحواجز وتشديدها طوق العقوبات ضدّ المؤسسات المصرفية الإيرانية وقائمة المصارف التي يُحظَر على الشركات والبنوك الاميركية والأوروبية التعاطي معها، وتزايدت بعد استئناف ايران لبرنامجها النووي في العام ٢٠٠٥.

وجاء الـ»هجوم المزدوج» للاتحاد الاوروبي وأميركا في العام ٢٠١٢ على ايران ذات تأثير قوي كذلك استبعاد ايران من نظام نقل SWIFT الدولي، ما يعني ونتيجة لذلك حرمت المصارف الإيرانية من قدرات شراء الدولار واليورو لمعاملاتها التجارية الخارجية ما دفعها الى اجراء معاملات مقايضة وتلقت أموالها بعملات بديلة مثل الليرة التركية والروبي الهندي واليوان الصيني- وعلاوة على ذلك وتجاه هذه العزلة المصرفية بدأت ايران تطوير تجارتها مع استخدام الذهب كوسيلة للدفع واستخدام خدمات البنوك في بلد ثالث واستخدامها مع المصارف العالمية نظام «U-turn» ولا سيما مع Standard- Chartered والذي دفع نتيجة لذلك مبلغ ٣٢٧ مليون دولار كعقوبة- كذلك Royal Bank of Scotland وSociété Générale و Credit Agricole.

وبالمختصر مجموعة كبرى من المصارف الاوروبية استخدمت هذه الوسيلة من جراء معاملاتها مع ايران- وهذه المحاولات الإيرانية في تجاوز حواجز القطاع المصرفي يمكن أن تسمّى وبحق «اقتصاد المقاومة» ويمكن أن تكون مفيدة لبلدان اخرى في تجربتها مع العقوبات الدولية وهذا يعني جملة أمور أبسطها أنّ الغرب لا يمكنه ضبطَ النظام العالمي بشكل كامل كذلك لا يمكن للدول العظمى ولا سيما اميركا اختصار قرارات العالم اجمع بما تريده هي من خلال أجندة عمل سياسية، اقتصادية وبالطبع إنسانية.

لذلك كما سبق وذكرنا أنّ القطاع المصرفي العالمي يمكنه التحرّك وبشكل سريع لاعادة مد جسور ما فرضته اميركا من جزاءات في هذا القطاع والمصارف العالمية، والتي كما ذكرنا لم تنقطع يوماً عن التعاطي مع ايران على رغم ما دفعته من أموال طائلة تحت اسم مستعار وهو «تبييض الاموال».

هذا هو المشهد العام وما قد ينتج عن محادثات لوزان بين ايران والقوى العالمية الست حيال تقييد برنامجها النووي مقابل مراحل رفع الجزاءات، علماً أنّ تفاصيل الإتفاق ما زال يلفها الغموض في نواح مختلفة والأميركيون يريدون ارقاماً محدّدة في هذه الاتفاقية، بينما الإيرانيون يريدون تجنّب التفاصيل النووية هي هذه المرحلة بالذات.

وإذا ما تمّ الاتفاق قبل نهاية حزيران المقبل فستكون ايران قد دخلت مرحلة جديدة بعد عزلة زادت عن ٣٥ عاماً دفع ثمنها الشعب الإيراني تقشفاً، وإمكانية نجاح هذه المحادثات كبيرة خصوصاً أنّ ايران جادة مع رئيسها المعتدل روحاني بالذهاب في طريق فكّ عزلتها الدولية ورفع العقوبات التي استنزفت اقتصادها مع حفظ حقها في تخصيب اليورانيوم وقد يساعد في ذلك الموافقة الضمنية لآية الله علي خامئني والذي يعتبر المرجعية النهائية في هذا القرار.

اضف الى ذلك امتعاض اسرائيل من هذه المفاوضات ما يعني ورقة رابحة بيد الرئيس روحاني لإقناع الشعب الإيراني بضرورة هذه الاتفاقية.
لذلك وإن سمّتها وسائل الاعلام الدولية «صفقة العمر» يبقى الكثير للانجاز، بغية تحقيق ذلك أقله من الناحية السياسية.