IMLebanon

الحرب على الإرهاب… إلى الجنوب دُر!

ahmad-al-asir

كتب ناصر شرارة في “الجمهورية”: ينتقل الضوء الأمني من الشمال وعاصمته طرابلس، الى الجنوب وعاصمته صيدا. وكان آخر مشهد لبقايا أسراب الإرهاب المتساقطة في الشمال، وجد تعبيره نهاية الأسبوع الفائت بتوقيف خليل بركات المتّصف بأنه قاضي «داعش» ورابط الصِّلة المالية بين رؤوسها المتنقلة سراً بين العراق وتركيا وخلاياها في شمال لبنان.

في قراءة أمنيّة لهذا «الصيد» الاستخباري، تتّضح صورة مفادها أنه بعد النجاح في تفكيك المفاصل القيادية الميدانية للارهاب في الشمال من رأسها الى اخمصها، والتي تمثلت بتوقيف بضع عشرات منها، يصل مبضع الامن اللبناني الآن الى تفكيك سككها المالية. ويعني هذا، أنّ معركة اجتثاث بنية الارهابيين في الشمال تصل الى محطاتها الأخيرة الناجحة وتستأصل كلّ انواع مواردهم في الداخل والخارج.

وفي الوقت الذي تشارف معركة اجتثاث بنية الارهاب في طرابلس والشمال على الانتهاء، تبدأ الاجهزة الامنية اللبنانية معركة شاملة لاجتثاث بنية الارهاب في الجنوب، وذلك انطلاقاً من مطاردة قادة خلاياها المختفين في صيدا والذين يتمتعون، ولو بنسبة معيّنة، بـ»ملاذ ضيافة» في مخيّم عين الحلوة.

وضمن هذا الشق الجديد من الحرب على الارهاب، تأتي قضية فتح ملف بقايا الشيخ احمد الاسير، انطلاقاً من طرح السؤال الاستعلامي عن المكان الذي فرَّ اليه بعد تفكيك مربّعه الامني في عبرا، والتدقيق في الوقائع المعلوماتية الدالة على أنه لا يزال يحرّك مجموعاته في عاصمة الجنوب وفي العمق اللبناني انطلاقاً من مخبئه مجهول التحديد حتى الآن، مع العلم أنّ اعترافات شيخ مسجد هارون في بحنين الموقوف خالد حبلص عن وجود الأسير خارج عين الحلوة لا تزال محلّ تدقيق، خصوصاً في ظلّ معلومات منسوبة الى مسؤولين في المخيّم تفيد العكس.

وتعاظمت أهمية متابعة الاسير بعدما بيّنت التحقيقات مع حبلص وجود صلة مستمرة بين بيئة الارهاب المتداعية الآن في الشمال وبيئة الارهاب التي لم تمس بعد بنحو بنيوي في الجنوب، والتي يلعب الأسير احد ابرز قنوات التفاعل بينهما.

رجال الأسير الخطرون

وتكشف معلومات جديدة لـ«الجمهورية» أنّ التحقيقات مع حبلص قادت الى نسختين اثنتين من اعترافاته، الاولى افضت الى الكشف عن الخريطة العامة لأنشطته وهويته الحركية وموقعه داخل الطيف الارهابي المتشعب العامل في لبنان. أما النسخة الثانية فتميزت بأنها توسعت بانتزاع الاعترافات منه، وفي متنها جاء ما ادلى عن موقع الاسير داخل مجمل النشاط الارهابي في لبنان، سواء قبل او بعد تواريه عن الأنظار.

ودلّت هذه الاعترافات، مضافاً اليها استطلاعات اخرى، أنّ الاسير لا يزال على صلة بالقادة الاساسيين الذين كانوا يشكلون الحلقة الامنية الضيقة حوله خلال وجوده في جامع بلال بن رباح، وأبرز هؤلاء وأخطرهم وفق معلومات «الجمهورية»: شاهين سليمان وفؤاد ابو غزالة ومعتصم قدورة وفادي البيروتي ووسيم الزبري الذي تمّ توقيفه.

وفي الوقائع عن رجال الاسير الخطرين الذين باتت هناك حاجة ملحة لتوقيفهم وتفكيك «خلاياهم الانغماسية» المنتشرة في صيدا تحديداً، وربما في غير منطقة لبنانية، علمت «الجمهورية» أنّ معتصم قدورة لا يزال هارباً من وجه العدالة، وكان استطاع طوال المرحلة ما بين خروج الاسير من مسجد بلال بن رباح والقبض على حبلص، أن يتجوّل حراً ويخفي نشاطه المتصل بالأسير عن عيون الامن اللبناني.

وتكشف مصادر لـ«الجمهورية» أنّ قدورة نجح في الافلات من مكمن نصبته الاجهزة الامنية للقبض عليه. وفي التفاصيل أنه بعد رصد مكانه حيث تبيّن أنه يزاول مهماته موظَفاً في احدى الوزارات في بيروت، توجّهت مجموعة من الاجهزة الامنية للقبض عليه في مكان عمله، لكن أُحيطت هذه المهمة بشيء من التحسّب حيال طريقة توقيفه ومراعاة ضرورة تحاشي دهمه داخل حرم مؤسسة الوزارة. ويبدو أنّ قدورة استفاد من هذا التحسّب الذي منحه فسحة من الوقت، ليتسلّل هارباً من الوزارة قاصداً مخيّم عين الحلوة حيث احتمى داخله لدى مجموعة هيثم الشعبي.

شاهين والاغتيالات

في حالة الارهابي شاهين سليمان الفار أيضاً، قبضت الأجهزة الامنية على عدد من خلاياه في صيدا (تتحدث المعلومات عن توقيف ستة منهم). ولدى التحقيق معهم تبين أنّ شاهين كلفهم التحضير لاعتداءات ضدّ الجيش اللبناني وأهداف اخرى، بالاضافة الى اغتيالات في صيدا تطاول النائب بهية الحريري ومسؤولاً في «سرايا المقاومة» والشيخ ماهر حمود.

ويوجد تقدير أمني عن حالة الاسير يرصد خطرَين أساسيَين تتضمّنهما أهدافه:

الاول، يتمثل بمحاولات الاسير وجماعته المستمرة توريطَ مخيّم عين الحلوة في مشروعه السلفي الارهابي على الساحة اللبنانية. وكانت سادت معلومات خلال طفرة نشاطاته في جامع بلال بن رباح تحذّر من خطورة أن ينجح في تحقيق هدفه المضمر وهو إيجاد ربط تنظيمي بين «حالته السلفية التكفيرية الجهادية اللبنانية» في صيدا، وبين «الحالة السلفية التكفيرية الفلسطينية» في مخيّم عين الحلوة. واعتبرت هذه المعلومات انه فيما لو حصل هذا الربط بين هاتين «السلفيتين» فسيكون له تبعات خطرة جداً على مجمل معادلة الامن في لبنان.

وشكلت هذه التحذيرات جزءاً كبيراً من الدوافع التي جعلت المستوى الامني في لبنان يعمل جاهداً، خصوصاً في مرحلة وجود الاسير في عبرا، لإبقاء ظاهرته معزولة عن أيّ تفاعل لها داخل مخيّم عين الحلوة، وتحديداً مع المجموعات التكفيرية الخمس الموجودة عند طرف المخيّم في حيّ الطوارئ والتي أخذت تتمدّد أخيراً الى عمقه.

الخطر الثاني وهو استتباع للخطر الاول، ينطلق من حقيقة أنّ القادة الاساسيين في حالة الاسير الارهابية في معظمهم لا يزالون طليقين، ويستخدمون مخيّم عين الحلوة ملاذاً آمناً لهم.

وتثير هذه النقطة القلق من أن يكون سياق التجرّؤ المتزايد الذي تبديه أخيراً المجموعات التكفيرية في المخيّم، لجهة قيامها بتصفيات امنية ضدّ فلسطينيين ولبنانيين تابعين لـ»سرايا المقاومة»، جزءاً من اجندة عمل أسيرية تكفيرية فلسطينية مشترَكة، هدفها افتعال مناخات داخل المخيّم تُسعّر اجواء اقتتال مذهبي في جواره.

وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ مجموعات بلال بدر وهيثم الشعبي إرتكبت خلال الاسابيع الاخيرة، اربعة اغتيالات داخل المخيّم في حق اشخاص ينتمون الى «سرايا المقاومة»، ما يوحي بوجود خطة مبرمجة لطرد امتدادات «حزب الله» منه، وفي الاساس للإيحاء بوجود حرب امنيّة داخله بين سلفييه وبين حال الحزب التنظيمية.

وتوضح المعلومات أنّ الفلسطيني مجاهد ابراهيم بلعوص الذي اغتيل امس الأول في «حيّ طيبية» داخل المخيّم المتسم بوجود نفوذ لاسامة الشهابي فيه، كان فرّ قبل فترة منه خوفاً من قتله، وليل الأحد الماضي دخل الى منطقة عند طرفه ليتسلم من ابنتيه أغراضاً خاصة به، فعاجله ملثَمون بقتله على مرأى منهما.

وتبني مصادر امنية فلسطينية على وقائع مستجدّة عن تعاظم العلاقة بين قادة في حالة الاسير والمجموعات التكفيرية في عين الحلوة، مضافاً اليها تتالي عمليات تصفية عناصر «سرايا المقاومة» في المخيّم، لتحذّر من أن يكون الطرفان قد صاغا اجندة عمل ارهابية مشتركة، وهما في صدد الإعداد لتنفيذها سواء داخل المخيّم او في جواره اللبناني.

وتنبّه في هذا الاطار الى أنّ ما يُعرف بالمجموعات التكفيرية الخمس في المخيّم، (وهي بقايا تنظيمَي «جند الشام» و«فتح الاسلام»)، ليست في الحقيقة الّا مجموعة واحدة تنضوي تحت مسمى «الشباب المسلم» بقيادة اميرها الشيخ اسامة الشهابي. أمّا محاولات إظهار عدم الصِّلة التنظيمية بينها، فهدفها توسيع هامش المناورة لدى الشهابي إزاء تعقيدات تفرضها عليه توازنات المخيّم الامنية والسياسية.