IMLebanon

«مُضاربات الضرورة» على الأبواب

oil-platform
أنطوان فرح

لا يمكن تلمُّس بوادر الأزمة الاقتصادية من خلال أرقام الموازنة المقترحة فحسب، بل ان أرقام اداء القطاع الخاص، والذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، تشير الى مطبات أقل ما يُقال فيها انها غير مُطمئنة، في حال استمرت الاتجاهات في هذا المنحى.

تُظهر الوقائع والأرقام التي بدأت تتكشّف حول اداء الاقتصاد في الفصل الاول من العام 2015، ان «مسيرة» التراجع مستمرة، والضغوطات على الاقتصاد تزداد.

ولعلّ المؤشر الأهم والأوضح في هذا السياق، يكمن في حجم القروض المصرفية الممنوحة الى القطاع الخاص، والتي تراجعت بنسبة 0.6 في المئة، في الشهرين الاولين من العام2015، مقارنة مع الفترة نفسها في العام 2014.

ومع ان التفسير الذي يجريتقديمه لتبرير هذا التراجع هو ان طرح سندات اليوروبوند للاكتتاب في هذه الفترة بقيمة 2.2 مليار دولار، هو الذي أثر على حجم القروض الى القطاع الخاص، الا أن هذا التفسير لا يكفي للاستنتاج بأن اداء القطاع الخاص في وضع طبيعي.

كما ان الاموال المتوفرة في المصارف للتوظيف قادرة على تمويل الدولة، والاستمرار في تمويل نمو القطاع الخاص. لكن المشكلة ان القطاع الخاص لا ينمو، او ينمو بنسبة أقل بكثير من نمو الودائع.

ومن هنا، نلاحظ ان المصارف، والتي أدركت هذا الواقع، وافقت على اعادة تكبير حجم قروضها الى القطاع العام، بعدما كانت قررت في السنوات القليلة السابقة، الابقاء على حجم هذه القروض شبه ثابت، واتجهت نحو تنمية القروض الى القطاع الخاص.

وتشير الارقام الى ان حجم القروض المصرفية الى الدولة ارتفع في شباط 2015 بنسبة 3.56 في المئة، ووصل الى 38.7 مليار دولار من مجموع الدين العام الذي اقترب من عتبة الـ69 مليار دولار. في المقابل، تشير تقديرات معهد التمويل الدولي الى ان القروض المصرفية الى القطاع الخاص سوف تنمو في العام 2015 بنسبة 6.8 في المئة، مقارنة مع 9.3 في المئة في العام 2014.

المؤشر المالي الآخر الذي يؤكد تعثّر النمو الاقتصادي يرتبط بحركة الشيكات المقاصة، والتي أظهرت تراجعاً بلغت نسبته 6 في المئة، على مدى سنة، هبوطاً الى 16.9 مليار دولار.

الى ذلك، تُظهر خريطة نمو المصارف حجم الأزمة التي يواجهها الاقتصاد في الداخل. اذ، ورغم الظروف الاقليمية الصعبة التي تحيط بلبنان، لجأت المصارف الكبرى الى التوسّع الخارجي على حساب التوسّع في الداخل. وقد تم افتتاح 33 فرعا مصرفيا لبنانيا في الخارج في العام 2014، ليصل مجموع الفروع خارج الحدود الى 400 فرع، بنمو بلغت نسبته السنوية 9 في المئة مقابل نمو 4.4 في المئة للفروع المصرفية في السوق المحلي والتي وصل مجموعها الى 799 فرعا.

كما أظهرت النتائج ان نشاط المصارف ما وراء الحدود، رفع نسبة أرباح الخارج بنسبة 68.4 في المئة في العام 2014، مقابل نمو ارباح الداخل بنسبة 2.1 في المئة فقط.

التباطؤ الاقتصادي الواضح في الداخل، تتفاوت نسب تأثيراته على مختلف القطاعات الاقتصادية، لكن القطاع المُعرّض، وفق المؤشرات والارقام المتاحة لنكسة اضافية، هوالقطاع العقاري الذي تراجع حجم مبيعاته بنسبة 21.2 في المئة على مدى سنة.

ويبدو هذا القطاع مكشوفاً على المزيد من الضغوطات. ومع ان العقارات في لبنان أثبتت طوال السنوات الماضية، انها بمثابة عملة نادرة محمية جزئياً من النكسات والهبوط، الا انها تواجه في الوقت الحالي مطبات صعبة.

وقد ظهرت في الفترة الأخيرة مشاكل وأزمات بين المصارف وزبائن كبار شكوا من وقف التمويل لمشاريعهم العقارية، وضغوطات المصارف عليهم. وهناك قضايا عديدة مفتوحة على خلافات في الوقت الراهن، أحجامها لا يُستهان بها، ويتدخل في بعضها سياسيون كبار في محاولة لايجاد معالجات.

هذا الوضع الاستثنائي على المستوى العقاري، يؤثر بطبيعة الحال على المصارف التي زادت في سنوات الازدهار السابقة، نسب مساهماتها في تمويل المشاريع العقارية. هذا الوضع لا يبدو قابلاً للتغيير قبل استعادة البلد لدوره في استقطاب الاستثمارات الخارجية، والسياحة الخليجية.

وبالتالي، هناك من يتخوف من أزمة هبوط اسعار في القطاع العقاري، قد تؤدي الى «مضاربات الضرورة»، وتؤدي الى افلاسات تؤثر على السوق بشكل عام. ومن هنا، تبدو مبادرة مصرف لبنان لتحفيز القطاع العقاري الاسكاني، في توقيتها السليم، لمنع حصول انهيارات كانت ستؤدي الى أزمة مالية واقتصادية واجتماعية معقدة، ونتائجها صعبة الهضم على الاقتصاد الوطني.

يبقى ان الملاحظة الاساسية في هذه القراءة، ورغم ان معظم المؤشرات سلبية، تبرز نقطة مضيئة تكمن في استمرارية حيوية القوى العاملة اللبنانية في الخارج. ويتضح هذا النشاط من خلال استمرار تدفق الودائع من قبل لبنانيين غير مقيمين في لبنان، وقد أصبحت ودائع هؤلاء تشكل 21 في المئة من مجموع الودائع المصرفية.

وعليه، فان خطط الاقتصاد ينبغي أن تركّز، مقابل التدفقات النقدية من الخارج، على توجيه بعض القطاعات للافادة من الانتشار اللبناني في الخارج، وهذا ما تفعله المصارف حاليا، وهذا ما ينبغي ان تعتمده القطاعات الانتاجية برعاية رسمية تسهّل هذا النوع من الأعمال.