IMLebanon

الحقيقة من دون ماكياج: الدولة اللبنانية لن تدفع ديونها

Banque-du-Liban
أنطوان فرح
في كل تقرير صادر عن مرجع مالي او اقتصادي دولي، ترِد تحذيرات في شأن المخاطر المالية التي تُحدق بالاقتصاد اللبناني. لكن الوضع ظل تحت السيطرة حتى الآن، الى حد أن الثقة بالتقارير الدولية تراجعت محلياً. فهل أن المخاطر هزيلة فعلا، والاقتصاد المحلي آمن، رغم كل التقارير التي تصف الوضع بالسوداوي؟
لا يختلف اثنان على ان وضع المالية العامة في لبنان دقيق لجهة نمو حجم الدين العام الذي يلامس السبعين مليار دولار في هذه الحقبة. ولا يختلف اثنان أيضا، على ان حجم القطاع المصرفي، وهو بطبيعة الحال يعكس حجم السيولة المتوفرة في الصناديق وفي السوق كبير جدا قياسا بحجم الاقتصاد الوطني.

وما تشكله الودائع المصرفية وحدها (حوالي 145 مليار دولار) يضاهي اكثر من ثلاثة اضعاف حجم الاقتصاد (بين 42 و45 مليار دولار)، وهذه نسبة مرتفعة جدا على المستوى العالمي. وتصبح النسبة أكبر اذا تم اعتماد مقياس الموجودات/حجم الاقتصاد، اذ تصل الى اربعة اضعاف، على اعتبار ان مجموع الموجودات المصرفية وصل الى حوالي 175 مليار دولار.

في مواجهة الحالتين، الدين العام وحجم المصارف، هناك خيط رفيع يُبقي على التوازن الذي يخدم استمرارية الصمود، والابتعاد عن الافلاس، يرتبط حصراً بنمو تدفق الاموال الى المصارف سنويا. ومن هنا، نلاحظ ان التطمينات التي تصدر عن مسؤولين نقديين تركّز على هذه النقطة دون سواها.

وغالبا ما نسمع ان نمو الودائع سنويا بنسبة 6 في المئة وما فوق، كافٍ لتمويل الدولة، وإبعاد خطر الافلاس. لكن ذلك يعني في اللغة الاقتصادية البسيطة ثلاثة أمور.

اولا: ان العجز ونمو الدين العام سوف يستمران في النمو في السنوات المقبلة.

ثانيا – ان اي نكسة في تدفق الاموال الى المصارف، سيؤدّي الى كارثة.

ثالثا – ان لا أفق حاليا في امكانية اطفاء الدين العام، وكل ما يجري عمليات سواب (Swap) لاستبدال الدين وتمديد مهلة التسديد.

هذه الحقائق تستدعي المزيد من الحذر في هذه الحقبة، لأن مخاطر تراجع تدفق الاموال صار اكبر.هذا الخطر يرتبط بالعوامل التالية:

اولا- تشير الأرقام الى ان 21 في المئة من الودائع المصرفية تعود الى غير المقيمين، وهذا يعطي فكرة غير دقيقة طبعا، عن تقسيمات تدفق الاموال. وهنا تبرز مسألة تراجع أسعار النفط، والحروب الاقليمية، ومن ضمنها حرب اليمن، التي هي عمليا حربٌ خليجية.

هذا الوضع الذي يتطلّب زيادة المجهود العسكري لدى الحكومات الخليجية، وبالتزامن مع تراجع المداخيل النفطية بنسبة اربعين في المئة تقريبا، تفرز المعادلة وضعا ماليا واقتصاديا جديدا سوف يؤثر على مداخيل القوى اللبنانية العاملة هناك، وبالتالي، يؤثر حتما على حجم التحويلات، وعلى حجم مداخيل قسم من القطاع الخاص المقيم، المرتبط بأعمال في الخليج.

ثانيا – ان العملة الصعبة التي كانت تدخل الى الدورة الاقتصادية من الباب السياحي، تبدو مُغلقة تماما، بالنسبة الى الخليجيين على الأقل، وهؤلاء يشكلون نسبة مرتفعة من الدخل السياحي في لبنان.

وما سمعته الوفود اللبنانية التي زارت الخليج في الفترة الأخيرة، ولوأن البعض حاول تلطيف الوضع بتصريحات مُبهمة، كان واضحا: لا عودة الى لبنان طالما الاوضاع على حالها. والأوضاع باقية على حالها، كما تشير الوقائع، وبالتالي، فان السائح الخليجي تخلّى الى أجل غير مُسمّى عن لبنان. وعلى هذا الاساس ينبغي أن تُبنى الحسابات السياحية.

ثالثا – لا عودة للاستثمارات الخارجية، والخليجية خصوصا الى لبنان. وغياب الاستثمارات، وغياب السياح الخليجيين، والوضع العام أثّر بوضوح على القطاع العقاري الذي سجل تراجعات متتالية بدأت تقلق الاوساط المالية، على اعتبار ان هذا القطاع وسّع حصته في القروض المصرفية في سنوات الازدهار بين 2008 و2011، ووصلت اليوم الى نسبة 16 في المئة من مجموع القروض، أي ما يوازي 7 مليار دولار.

هذه الوقائع تشير الى طبيعة المرحلة التي يجتازها الاقتصاد اليوم. وهي تؤكد بشكل خاص ان الوصول الى مرحلة عدم القدرة على الدفع، خطر قائم وحقيقي، ولو انه مؤجّل. لكن الأهم، ان تسديد الدين العام لا يبدو متاحا في المدى المنظور، وبالتالي، على الجميع أن يبني حساباته على اساس ان دين الدولة دين هالك، بكل المقاييس الاقتصادية والمالية. والسؤال من سيتحمّل النتيجة عندما يحين موعد الاعلان الرسمي عن وضعية هذا الدين؟