IMLebanon

ديوان المحاسبة: المشكلة “أعمق” من الشغور في ملاكه

BureauAudit

حنان حمدان

ديوان المحاسبة هو أهم الهيئات الرقابية الثلاث في لبنان لجهة الرقابة المالية. وقد عطّل عمله كما الهيئات الرقابية الأخرى، ما أثّر سلباً على مجرى سير الأمور المالية في الإدارات العامة، وعزز مختلف مظاهر الفساد فيها.
واقع الديوان اليوم: شغور يصل إلى حد النصف في ملاكه على مستوى القضاة والمراقبين (50 في المئة من القضاة و30 في المئة من مساعدي القضاة)، تقارير سنوية مغيبة تمنع تقييم وضبط الواقع المالي للدولة، قانون يعود إلى حقبة الستينات يخالف بمضمونه مختلف التطورات العصرية في مجال الرقابة المالية، غياب بيانات المطابقة منذ 15 عاماً، غياب التخصصية في مجال عمله، وإصداره عقوبات لا تردع المخالفين.
يضاف إلى ذلك، أنه ومنذ “سبع سنوات وديوان المحاسبة يعاني شغوراً في غرفه الثماني بسبب الخلافات والمحاصصات السياسية التي أفشلت محاولات التعيين، إذ هناك أربعة مقاعد شاغرة وأربعة أخرى تم تعيين رؤسائها بالإنابة، ما عزز التبعية السياسية لمن عُين بالإنابة كي يثبّت لاحقاً”، بحسب رئيس “جمعية سكر الدكانة”، ربيع الشاعر في حديث لـ “المدن”.
هذا في وقت بقيت فيه التقارير الدورية والتي يفترض أن تكون سنوية، غائبة لمدة أربع سنوات، إلى أن جرى إصدار ثلاثة منها قبل أربعة أشهر، وتعود لأعوام 2010، 2011 و2012. فما هو سبب التأخير في صدور هذه التقارير؟ “الفراغ في رئاسة الديوان والذي إستمر لفترة طويلة كان كفيلاً بتأخر إصدار التقارير، قبل أن يتم تعيين القاضي العدلي، أحمد حمدان رئيساً جديداً للديوان منذ ما يقارب العام”، وفق الشاعر. في حين تكمن أهمية تلك التقارير بإعطاء صورة عامة عن الواقع المالي للدولة لاسيما لجهة الإنفاق العام، ومع ذلك، لا تنال إهتمام الكثيرين، فما هي الفائدة من تقارير لا يطّلع على مضمونها المسؤولون ولا يأخذ بتوصياتها من هم في السلطة؟
في الواقع لا أهمية لتلك التقارير في حال صدرت متأخرة، وإذا ما بقي عمل الديوان محصوراً بمعاملات النفقات ومدى تطابقها مع القوانين والأنظمة المرعية كما هو حاصل اليوم، إذ يجب أن تكون أعماله مبرمجة سنوياً لا غباً للطلب.
وهكذا تختتم رقابة ديوان المحاسبة “المسبقة”، بالموافقة على المعاملات المطابقة للقوانين والأنظمة مع الإحتفاظ بالحق في الرقابة “المؤخرة” على تلك المعاملات. وعليه يفترض أن يقوم الديوان بالرقابتين المسبقة والمؤخرة، ولكن إذا ما تجاهلنا رقابة الديوان المسبقة والتي تتم منقوصة، فهل يتم إجراء الرقابة المؤخرة؟ وهل يمكن تحديد الجهاز المخول إجراء تلك الرقابة في الديوان؟
عملياً، يتولى ديوان المحاسبة الرقابة المسبقة بعد أن يقوم بها مراقب عقد النفقات في وزارة المال. وتحصر هذه الرقابة في بعض المعاملات والجهات، كبعض البلديات (52 بلدية)، والجامعة اللبنانية، والمؤسسات العامة التي تنص أنظمتها الخاصة على ذلك.
ولكن ماذا عن الرقابة المؤخرة؟ يؤكد المعنيون في ديوان المحاسبة قيامه بالرقابة المؤخرة من خلال التقارير السنوية، أي إصدار تقارير خاصة في مواضيع محددة، غير أنها لا تصدر عن الديوان بانتظام. ومن مظاهر الرقابة المؤخرة أيضاً، بيانات المطابقة التي لم يؤخذ بها منذ 15 عاماً، والتي هي جوهر عمل الديوان في الرقابة على الحسابات، إذ تجري مطابقة بيانات متعددة لها علاقة بالحسابات لإظهار صحة حسابات الدولة. وعليه فإن “مشكلة الديوان لا تنحصر في الشغور في ملاكه بل تتعداه إلى جوهر عمله وهيكليته. حيث يفتقد لوجود هيئات متخصصة وأعمال سنوية مبرمجة، أما الرقابة المؤخرة فتساوي صفراً” وفق ما أكدته مصادر في وزارة المال لـ”المدن”. علماً بأن الرقابة المؤخرة في حال تمت، فهي رقابة مكررة لعمل التفتيش المالي، بسبب غياب التخصصية في عمل الديوان.
هذا هو واقع أهم الهيئات الرقابية في لبنان، بعد أن شلّ عملها من نواحٍ متعددة، كي لا تحدث تغييراً يتناقض ومصالح أهل السلطة، وتكون هيئة تدين تجاوزاتهم التي تصب دائماً في تحقيق مصالح فئات محددة. شغور طويل يرافقه إنتشار للفساد في ظل غياب أي رقيب او حسيب، لاسيما الرقابة المالية وملاحقة المخالفات والمحفاظة على الأموال العامة.
وفي وقت لا تزال لجنة الإدارة والعدل النيابية تعقد جلساتها لمناقشة مشروع قانون تنظيم ديوان المحاسبة (المرسوم الرقم 9458 في 4/12/ 2012)، والبحث في كيفية تعزيز دور الديوان في المحاسبة وحماية المال العام، إلا أن مشروع القانون الذي ما زال يُناقش في المجلس النيابي منذ ثلاث سنوات، “فمداولاته تحكمها السرية”، بحسب ما قاله رئيس اللجنة، روبير غانم في حديث لـ “المدن”، ولكنّ “توجيه المباحثات التي تجري اليوم وتشمل واقع الديوان، تتمحور حول جهوزية الدولة لتقديم كل ما يحتاجه الديوان من تعزيز لصلاحياته وزيادة عدد موظفيه وتطوير آليات عمله، كي يتم تفعيل دوره ومهامه”، وفق غانم.