IMLebanon

طرابلس.. “حرب الإلغاء” واقعة لا محالة

tripoli

كتبت مرلين وهبي في صحيفة “الجمهورية”: لم يكن ذكر طرابلس في أكثر من محطّة في خطاب الرئيس سعد الحريري إلّا انعكاساً للأهمية الفائقة التي تحتلّها عاصمة الشمال ضمن المعادلة السياسية للتيار الأزرق في لبنان. وفي ظلّ بهتان التنافس السنّي المناطقي إن في بيروت أو في صيدا أو بقية المناطق اللبنانية، نجده اليوم في حالة غليان في عاصمة الشمال التي تستعدّ لمواجهات حادة بين أقطابها السنيّة البارزة والناشطة على الساحة الطرابلسية مروراً برموز سنيّة أخرى خفَت نجمها أو غيّب، فقرّرت العودة لتحتلّ بدورها مركزاً جديداً في اللعبة السياسية وتعلنها مواجهة مفتوحة.

من البديهي البدء بتيار “المستقبل” بعد بروز مؤشرات عدة تسرَّبت من اجتماع الحريري مع كوادره في جدة تنبئ عن مواجهة شرسة سيفتحها التيار الأزرق في وجه الرئيس نجيب ميقاتي لأسباب عدّة وأهداف تتَّصل بحسابات الرئاسة الثالثة.

من جهته رد الرئيس نجيب ميقاتي الذي اعتبر أنّه عرضة للتحدّي في عقر داره بموقف تصعيدي فأكد أنّ تياره “العزم والسعادة” لن يكون مكسر عصا بل هو العصا وأنّه يتمدّد على مساحة الوطن.

الأجواء في طرابلس تشير الى أنّ “حرب الإلغاء” واقعة لا محالة بين التيارين، خصوصاً أنّ بوادر انفراج إقليمي بعد توقيع الاتفاق النووي تلوح في الأفق وقد تفتح باب الفرج على لبنان عبر فَرض تسوية عنوانها إيجاد حلول لمعادلة ثلاثية: إنتخاب رئيس جمهورية، تأليف حكومة، وإجراء انتخابات نيابية.

وفي هذا الاطار، يلاحظ المراقبون شمالاً بروز حيوية سياسية أخيراً عبر إطلاق مواقف حادة ومحاولة استقطابات سياسية كما شدّ عَصب الجمهور لكل فريق تحضيراً للمنازلة المؤجّلة. ففي وقت يحاول ميقاتي شدّ عصب تيّاره والإيحاء بأنّه يملك مشروعاً سياسياً وأنّه أكبر من مجرّد حيثية شعبية في طرابلس، وَضعَ النائب محمد الصفدي نفسه خارج المعادلة السياسية وحصَر مؤسّسته بالشق الانمائي – الثقافي فقط.

وفي الوقت الذي لا يزال تيّار “المستقبل” يتصدّر شعبية الساحة الطرابلسية، يبقى جزء من الساحة وفيّاً لزعامة آل كرامي التاريخية والشعبية. من هنا تُطرح التساؤلات حول مستقبل هذه الحالة السياسية المحليّة خصوصاً بعد رحيل الرئيس عمر كرامي ووقوع القطيعة النهائية داخل العائلة.

لا يُخفى على أحد أنّ إصرار الرئيس الراحل عمر كرامي على توزير نجله الأصغر فيصل في حكومة ميقاتي السابقة، أحدَثَ شرخاً كبيراً داخل العائلة، ليعترض حينها شقيقه الاكبر معن عبر مؤتمر صحافي ما أدّى الى تفاقم الخلاف الذي وصل الى حدّ القطيعة النهائية مع ابن شقيقه فيصل، ليتأزّم أكثر بعد إعلانه من دارة وزير العدل أشرف ريفي أنّ نجله وليد سيُكمل مسيرة عبد الحميد ورشيد كرامي.

مصادر قريبة من آل كرامي توضِح لصحيفة “الجمهورية” أنّ إعلان المهندس معن كرامي الاخير مردّه إنكار فيصل لفريق من العائلة واعتبار نفسه الوريث الوحيد من دون منازع، وأنّ الزعامة حُسمت لصالحه كونه دخل النادي السياسي عبر الوزارة، في حين أنّ كرامي العَم وفق قريبين منه التزم الصمت في المرحلة الماضية جرّاء ظروف مرض شقيقه الراحل الرئيس عمر كرامي.

وتقول تلك المصادر إنّ العائلة بَدت موحّدة شكليّاً في فترة العزاء، لكنّ الصورة الحقيقية معاكسة تماماً وقد تمّ تظهيرها في 1 حزيران المنصرم خلال إحياء ذكرى رشيد كرامي وعند زيارة ريفي تحديداً منزل معن كرامي وما تلاها من خطوات ومواقف.

مصادر طرابلسية قريبة من العائلة تشير إلى أنّ الوزير السابق فيصل كرامي، وإزاء هذا التحدي الجدّي لوَضعه السياسي، لم يُحسن التعامل بحكمة ورويّة، فتَرَك الحبل لبعض أنصاره عبر مواقع التواصل الاجتماعي للنيل من عمّه وتوجيه اتهامات إليه لم تخلُ من الشتائم، ومنها أنّ عمّه فرَّط بدماء الشهيد رشيد كرامي عبر تقاربه مع ريفي حليف رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، إلّا أنّ فيصل كرامي تنبّه لخطورة الأمر فعاد واستدرك ولكن متأخراً، واحتوى الأمر على طريقته، فشكر لهؤلاء الانصار عاطفتهم مطالباً إيّاهم بالهدوء.

في المقابل يبدو المهندس معن كرامي مصمّماً على المضيّ في خطواته كونه المؤتمن على النهج السياسي لعبد الحميد كرامي ورشيد كرامي حسبما نقل عنه زوّاره مفضلاً عدم مناقشة دور شقيقه عمر كونه أصبح في ذمة الله، وعلى رغم محبته الكبيرة له ووقوفه الى جانبه في مسيرته السياسية، إلا أنه لم يكن راضياً عن كامل هذه المسيرة وهو ما أعلنه إثر توزير فيصل.

وقد هدَّد معن بعد الحملة الشعواء التي طاولته بأنها لن تمرّ مرور الكرام، قائلاً أمام زوّاره: “عليهم تحمّل مسؤولية تصرّفاتهم وتوقّع ردّ مباشر. لن أستعير أحداً للمواجهة كما فعلوا، لكنّني لن أردّ على الشتائم بالشتيمة بل سأردّ قريباً بالسياسة والتاريخ والحقائق”.

يبقى القول إنّ الإفطارات الطرابلسية تغلي سياسيّاً في انتظار تبريدها، وعلى رغم أنّ سياسيّيها استمتعوا بالتذوّق، إلّا انّه ومع احتدام تَناكف رموز صقورها السياسية خصوصاً بعد خطاب الحريري، يبدو أنّ الإفطار الحقيقي… لم ينضج بعد.