IMLebanon

الاتفاق النووي.. قضيته وتأثيراته الاقتصادية!

IranCUrrencyEcon

 

مروان اسكندر

ان الحدثين الاهم هذا الاسبوع هما انجاز الاتفاق النووي بين ايران والاعضاء الدائمين في مجلس الامن اضافة الى المانيا، والاتفاق بين المفوضية الأوروبية، والمصرف المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي واليونان والذي أقره مجلس النواب اليوناني.

بالنسبة الى الاتفاق الاهم، أي الاتفاق النووي، وعلى رغم المواقف الاعتراضية لرئيس وزراء اسرائيل نتنياهو وبعض الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس، من المرجح سريانه والموافقة عليه وخصوصاً بعد تصريح الرئيس الاميركي بأنه سيستعمل حق الفيتو في حال رفض غالبية اعضاء الكونغرس اياها، الامر الذي يستوجب تصويت ثلثي اعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ على رفضه، وهذا ليس بالامر المتاح.

الامر العجيب اعتراض اسرائيل وبعض اعضاء الكونغرس على دخول ايران نادي الدول النووية. ومعلوم ان ايران عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعضوية تفرض دراسة نشاطات الاعضاء ومراقبتها، علمًا بان اسرائيل ليست عضوًا في الوكالة.

المجتمع الدولي يعرف تمام المعرفة ان اسرائيل تمتلك أسلحة نووية، في حين ان ايران التزمت بوضوح ان تكون نشاطاتها محصورة بالاستعمالات السلمية، اي توليد الكهرباء ومعالجة الامراض المستعصية.

جدير بالذكر ان ايران امتلكت تقنيات الطاقة النووية للاستعمالات الطبية منذ عام 1975 وذلك حينما وفرت لها الولايات المتحدة مفاعلاً نوويًا في عهد الشاه عام 1975 لهذا الغرض. وعام 1976 تعاقدت ايران الشاه مع شركة “سيمنس” لإنجاز مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء بطاقة 1000 ميغاوات وعقدت اتفاقًا اضافيًا مع شركة فرنسية لإنجاز مفاعل بطاقة مماثلة، ووفرت مليار دولار مدفوعات مسبقة للطرف الفرنسي من اجل الحصول على كميات أورانيوم مخصبة لتشغيل المفاعل عند انجازه.

لكن احداث أواخر 1978 وتولي الامام الخميني السلطة في شباط 1979 تسببت بتأخير انجاز المفاعلين، ومنذ ثلاث سنوات تعهدت السلطات الروسية إعادة اعمار وتشغيل المفاعل المتفق على انجازه مع شركة “سيمنس” الالمانية. وبالفعل، بدأ انتاج محطة الكهرباء النووية هذه منذ سنة بالطاقة المصممة أصلاً، اي 1000 ميغاوات.

حرب ايران والعراق التي استمرت من صيف 1980 والى صيف 1988 حالت دون إحراز اي تقدم على صعيد انجاز المحطتين، واضطرت ايران الى ايقاف صادرات من الغاز الى الجمهوريات السوفياتية الجنوبية – في حينه – والاتحاد السوفياتي ظلّ قائماً حتى عام 1991 ومن ثم انهار تدريجياً منذ هدم جدار برلين الذي كان يفصل بين المانيا الشرقية – التي كانت السيطرة فيها للسوفيات – والمانيا الغربية واعادة توحيد الشطرين.

المفاعيل الاقتصادية والمالية للاتفاق المنجز في تاريخ 14/7/2015، متعددة، وسوف تبرز نتائجها تباعًا ولن تكون شبه مكتملة قبل أواسط السنة المقبلة، ويمكن تلخيص هذه النتائج كالآتي:

الافراج عن الاموال المجمدة لإيران والتي تتجاوز الـ100 مليار دولار سوف يمكن الحكم من توسيع الانفاق على البنية التحتية وعلى اكفاء حاجات الايرانيين من مختلف المنتجات الاستهلاكية المستوردة، كما ان الغاء الحظر على المعاملات المالية سيؤدي الى طفرة في القطاع المصرفي، وستكون هنالك حاجة الى ضبط التضخم.

من المهم الادرك ان الايرانيين الموجودين في عدد من بلدان الخليج بينهم عدد كبير من رجال الاعمال الناشطين في مجالات التجارة والبناء، سيقبلون على الاستثمار في ايران، والاتجار مع ايران على نطاق واسع، الامر الذي سينشط ليس فقط الاقتصاد الايراني بل ايضًا عدداً من اقتصادات دول الخليج ومن اهمها دبي وسلطنة عمان وابو ظبي، وحاجة دول الخليج الى التنشيط ملحة وخصوصاً بعد هبوط اسعار النفط والغاز، وهنا نتوقف عند موضوع بالغ الاهمية.

تحوز ايران احتياطياً نفطياً ملحوظاً، كما تحوز ثاني اكبر احتياط من الغاز في العالم، وحرب 1980 – 1988 حالت دون تطوير المنشآت النفطية، ودون تطوير حقول الغاز الضخمة، ومن ثم تسببت العقوبات بانحسار توافر معدات انتاج النفط والغاز، وانسحاب عدد من الشركات الدولية من السوق الايرانية، وان يكن الفرنسيون والبريطانيون حافظوا على علاقات مستدامة مع السلطات الايرانية، وكانت لهم فرق من التقنيين المقيمين في دبي الذين كانوا يزورون ايران دوريًا كل أسبوع.

انتاج ايران من النفط كان عام 2014 على مستوى 2,2 مليوني برميل يومياً، يُستهلك منه داخليًا 1,2 مليون برميل ويصدر مليون برميل، وخصوصاً الى الهند وحديثاً الى روسيا. وفي المقابل كان انتاج ايران عام 1978 على مستوى ستة ملايين برميل يوميًا، وصادراتها من الغاز تعادل على الاقل ما يوازي مليون برميل من النفط، وهذه الصادرات تحولت الى مستوردات محدودة في السنوات الاخيرة.

يمكن توقع زيادة انتاج ايران من النفط الى مستوى ثلاثة ملايين برميل يوميًا، يخصص منها 1,5 مليون برميل للتصدير، والبقية تذهب الى الاستهلاك الذي لا بد ان يرتفع في غضون سنتين الى 1,5 مليون برميل يومياً. أما زيادة انتاج الغاز، فستحتاج الى فترة أطول، والاستهلاك الداخلي للغاز سيتزايد بسرعة أكبر من سرعة استهلاك النفط.

يتوقع مراقبون هبوط أسعار النفط بسرعة نتيجة زيادة انتاج ايران، لكن هذا التوقع ليس بالضرورة صحيحًا لان تزايد استهلاك النفط بعد هبوط اسعاره تجاوز التوقعات، كما ان انتاج النفط من الصخور في الولايات المتحدة، الذي اسهم في هبوط الاسعار، بدأ ينحسر لان هذا الانتاج يستوجب معدلاً سعرياً على مستوى 70 دولاراً للبرميل لا أقل، وقد انخفض هذا الانتاج 800 الف برميل يومياً أي ما يعادل نسبة 80 في المئة من الانتاج الايراني الاضافي المتوقع في 2016.