IMLebanon

الآليّة تسبق النفايات؟!

waste-1

 

 

كتب شارل ايوب في صحيفة “الجمهورية”:

غريبٌ أمرُ بعض القوى السياسية في لبنان التي تثبتُ مرّةً تلوَ الأخرى أنّ مصلحتها تعلو مصلحة الشعب اللبناني وحتى مصلحة جمهورها، إذ هل يُعقل أن تكون أولويتها بحثَ آليّة عمل حكوميّ في الوقت الذي يَغرق فيه الوطن في النفايات.

لا يبدو أنّ الحزب في وارد مؤازرة التيّار في حراكه الشعبي الذي مهما بلغَ فهو غير قادر على تغيير الوقائع السياسية.

لا تكفي الإشادة بأداء رئيس الحكومة وسلوكه بعدما تمّ وصفُه بالداعشي قبل أسبوعين بالتمام والكمال، فيما كان من الأجدى لو بادرَ «التيار الوطني الحر» في مطلعِ جلسة مجلس الوزراء إلى تعليق البحث بالآليّة من منطلق أنّ الأولوية بالنسبة إليه هي لأزمة النفايات التي تشَكل ضرَراً صحّياً وبيئياً وتنعكس سَلباً على صورة لبنان، و«التيار» الحريص على مصلحة الناس ليس بوارد التفريط بالأمن الصحّي والبيئي على رغم البُعد الدستوري-الميثاقي للآلية، وذلك على قاعدة أنّ ملف الآلية يمكن تأجيله، فيما ملفّ النفايات يتطلب استنفاراً استثنائياً لمعالجته، ولا يكفي رميُ المسؤولية على وزير البيئة والتنَصّل من هذه المسؤولية التي يتحمّلها مجلس الوزراء مجتمعاً.

فهذه المقاربة، لو اعتمدَها «التيار الحر»، كانت كافية لتنفيس الاحتقان السياسي والتدليل على حسّ المسؤولية التي يتمتّع بها، وكانت فتحت بابَ التعاون بشكل أوسَع انطلاقاً مِن أنّ المصلحة الوطنية تشَكّل همّاً مشتركاً لكلّ مكوّنات الحكومة.

ولكن ما حصَل هو العكس تماماً، حيث تُرِك ملف النفايات للدقائق الأخيرة بسبَب إصرار التيار وحليفه «حزب الله» على الاستفاضة ببحث الآليّة، وهذا السلوك لا يخدم التيار الذي من الواضح أنّه في حالة تخَبّط داخلية جعلته يلجَأ إلى المزايدات على حساب صوت العقل، فيما كان باستطاعته أن يخطف الأضواء في تلك الجلسة من خلال تبديةِ النفايات على الآليّة.

ومصلحةُ «التيار الحر» اليوم تكمن في شراء الوقت لا استعجاله لسببَين أساسيين:

السبب الأوّل، لأنّ الضغط المتواصل على رئيس الحكومة تمّام سلام سيَدفعه إلى تجميد العمل الحكومي والاعتكاف، على غرار المرّة السابقة ولكن لفترة طويلة، ورفض الدعوة إلى اجتماعات حكومية واستبدال هذه الاجتماعات بأخرى وزارية.

وأيّ خطوةٍ قد يلجَأ إليها في هذا السياق سيكون التيار الخاسرَ الأكبر فيها، لأنّها ستحرّر رئيس الحكومة من الضغوط التي تمارس عليه وتطلِق يدَه السياسية، ويخطئ كلّ مَن يتعامل مع تهديد سلام بعدمِ جدّية، فيما الرجل تأخّرَ كثيراً قبلَ التلويح بالاعتكاف من منطلق أنّ التجربة دلّت أنْ لا حلّ مع هذا الفريق، وأنّ استمرارَه في موقعه رغمَ الحصار السياسي المفروض عليه ينعكس سلباً على موقعِه وتجربته ومستقبله السياسي، خصوصاً أنّ أحداً لا يستطيع أن ينكرَ على رئيس الحكومة ديبلوماسيته الفائقة وتدويرَه الزوايا لتجاوُز الأزمات المفتعلة.

السبب الثاني، لأنّ سقف المواجهة التي يَخوضها «التيار الحر» باتَ معروفاً ومضبوطاً، إذ ماذا بوسعِه أن يفعل في حال جمّد سلام اجتماعات مجلس الوزراء أو اعتكفَ وتمَّ تمرير التمديد العسكري؟ خصوصاً أنّه قبل تلويح رئيس الحكومة بهذا التوجّه كان «حزب الله» رسَم لحليفه في وثيقةِ التفاهم السقفَ الذي يمكن أن يبلغَه في اعتراضه وهو ما دون استقالة الحكومة أو تعطيلها.

ولا يبدو أيضاً أنّ الحزب في وارد مؤازرة التيار في حراكه الشعبي الذي مهما بلغَ فهو غير قادر على تغيير الوقائع السياسية، وتكفي العودة إلى إقفال الحزب بنفسِه وسط بيروت بغية الضغط لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، تلك الخطوة التي باءَت بالفشل واضطرّت الحزب لاحقاً لاستخدام سلاحه في نهاية المطاف من أجل تحقيق أهدافه.

ولولا جدّية توجُّه سلام لما كان السيّد حسن نصرالله تطرّقَ إلى الموضوع وحذّرَ مِن الإقدام على هذه الخطوة، قائلاً «إنّ التلويح بالاستقالة لن يقدّم ولن يؤخّر شيئاً، ومؤذٍ للبلد، والحلّ هو بتحَدُّث الأطراف مع بعضها»، محاولاً تحميلَ «المستقبل» مسؤولية عدمِ محاورة عون، ومتنصّلاً من أيّ مسؤولية لجهة رفضِ التعويل على وساطته.

ولكن إذا كان «حزب الله» جدّياً في حِرصه على استمرار الحكومة، فعليه التوسّط لا التنَصّل، والإقلاع عن سياسة التعطيل المتّبَعة في الانتخابات الرئاسية والعمل الحكومي، والالتزام بما يقوله الدستور لناحية اللجوء إلى التصويت في حال غياب التوافق الذي تحوّلَ إلى مادة تعطيلية كونه يطرح على أساس إمّا التوافق على شروطنا أو لا توافق، ويتمّ التذرّع، في حال عدم التوافق على شروطهم، بحقوق المسيحيّين.

وإن دلَّ كلام نصرالله على شيء، فعلى خشيتِه مِن استبدال سلام الاجتماعات الحكومية بأخرى وزارية بانتظار حلّ المشكلة العونية، وهذه الخشية لا تنبَع من حِرصه على الاستقرار الذي لن يُمّس في حالتي الاعتكاف أو عدمها، بل من تَفَلّت سلام من سقفِ «حزب الله» الحكومي، حيث يفقد الحزب تأثيرَه على الحكومة، فيما صلاحيات سلام في حالة الاعتكاف أو الاستقالة أوسَع من صلاحياته في ظلّ الآلية التعطيلية القائمة.

وفي هذا السياق كان واضحاً الرئيس السنيورة برفضِه مصادرةَ السيّد نصرالله حقّ رئيس الحكومة بالاستقالة، وكأنّ المطلوب من سلام أن يخضعَ فقط للتعطيل والابتزاز، وأن يسَلِّم بشروط الحزب والتيار، فيما ممنوع عليه أن يلوّح بالاستقالة أو أن يستقيل من أجل أن يضعَ حدّاً لهذا المسار التعطيلي، وبالتالي من الأجدى على السيّد نصرالله أن يعالج الأسباب التي أوصَلت سلام إلى هذا الموقف، بدلاً مِن تحذيره من الإقدام على هذه الخطوة، وكأنّ 8 آذار هي الجهة الوحيدة التي يحقّ لها الاستقالة، كما فعلت في حكومة الرئيس سعد الحريري عندما نسفَت اتّفاق الدوحة الذي ينصّ على منع الاستقالة.

فالاستقالة حقّ مشروع في حال أصرَّ الطرف الآخر على مواقفه، وخلاف ذلك يعني الخضوع لهذا الطرف، والمخرَج لا يكون بتراجع رئيس الحكومة عن تهديده، إنّما بتراجع «التيار الحر» عن نهجه وأسلوبه عبر وضعِ الجميع أمام معادلة إما بند التعيينات أو تجميد عمل الحكومة، فيما محظور على رئيس الحكومة مجرّد الصراخ أو الإقدام!

فالدساتير والقوانين والآليات توضَع من أجل تسهيل حياة الناس لا تعقيدها، وعندما تتحوّل إلى وجهة نظر كما هو حاصل في الانتخابات الرئاسية والعمل الحكومي يعني أنّ فريق 8 آذار ما زال مصِرّاً على استخدام المؤسسات الدستورية بالاتجاه الذي يخدم مصالحه ومآربه، وذلك ليس فقط في موضوع السلاح عبر الإدّعاء بأنّ الطائف أقرّ بالمقاومة، الأمر الذي دفعَ الرئيس الحريري في الإفطار الرمضاني لـ«المستقبل» إلى نفي هذه الواقعة جملةً وتفصيلاًَ والتأكيد على مرجعية الدولة فقط لا غير في وثيقة الاتفاق الوطني، بل في كلّ قضية وملفّ يعني هذا الفريق.

وأمّا رميُ الطابة في ملعب «المستقبل» وحدَه فيعني أنّ «حزب الله» لا يريد حلّاً، لأنّ مسؤولية إيجاد الحلول تقع على جميع القوى والحزب في الطليعة عبر الضغط على العماد عون للقبول بحلول واقعية، فيما اقتصار موقف الحزب على توفير الغطاء لعون يساهم في التعقيد لا التسهيل، خصوصاً أنّ العماد عون لم يبدِ أيّ مرونة في الحوار معه، حيث يضع الجميع أمام خيار واحد لا خيارين، ومعلوم أنّ فشلَ أيّ حوار يجب أن يقود إلى الاحتكام للمؤسسات، الأمر الذي يرفضه التيار والحزب بذرائع مختلفة.

ولم يعُد أساساً مجدياً الكلام بالآلية، لأنّ الخلاف سيتحوّل إلى أمر واقع في الأسبوعين المقبلين مع التمديد لرئيس الأركان في الجيش اللبناني، لأنّ ملف التمديد العسكري أصبح محسوماً، ولا خيار أمام العماد عون سوى تقبّلِه، أو الذهاب نحو تسوية رئاسية-عسكرية، وقد يكون المخرج الوحيد لرئيس الحكومة في حال الإصرار العوني على رفض التسوية الذهاب نحو تجميد العمل الحكومي أو الاستقالة لتقطيع المرحلة.

وهذا الانزعاج الذي عبّر عنه «حزب الله» دليل على صحّة توجّه سلام الذي عليه ألّا يتراجع عن تلويحه بالاستقالة أو الاعتكاف واللجوء إليهما في الوقت المناسب، لأنّ خلاف ذلك يظهر وكأنّ المبادرة في يد فريق واحد، فيما الفريق الآخر عليه أن يبقى دوماً في موقع المتلقي وردّ الفعل، وبالتالي على رئيس الحكومة أن يُشهر استقالته ويستخدمَها لوقف التعطيل من جهة، والقول للفريق الآخر بأنّ هناك فريقاً غيرَه في البلد من جهة ثانية.

ويحصَل كلّ ذلك في لحظة إقليمية تشَكّل استمراراً لِما سبَقها، فما بعد الاتفاق النووي هو كما قبله، حيث تقاطعَت كلّ المعلومات على أنّ عنوان المرحلة هو استمرار المزيد من الشيء نفسه في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، إذ لا مؤشّرات بأنّ طهران على استعداد أو لديها الجهوزية لبحث دورها الإقليمي والدخول في تسويات للملفّات المتنازع عليها، ولا مؤشّرات أيضاً بأنّ أخصام طهران في وارد التسليم بدورها الحالي، خصوصاً أنّهم يسجّلون نقاطاً مهمّة في اليمن وسوريا، ما يؤشّر إلى طول أمدِ الصراع.