IMLebanon

أسعار الفوائد الأميركية والإستثمارات

JanetYellenFederalReserve2
بروفسور غريتا صعب
قد تكون التقارير الاقتصادية في الفترة المقبلة هي من سيحدّد ما اذا كان مجلس الاحتياطي الفدرالي سوف يرفع اسعار الفوائد بعد حوالي عشر سنوات من الجمود. وهذا يعني انعكاسات كبيرة على الاقتصادات الاخرى سيما في الدول الناشئة، وعلى اسعار العملات والذهب. واذا كان عامل الوقت مهما انما اتجاه هذه البيانات حاسمة لتحديد ما اذا كانت اسعار الفوائد سوف ترتفع في ايلول المقبل او على أبعد تقدير في كانون الأول.

ومن المعروف أن اهم البيانات التي يراقبها الفدرالي الاميركي هي اجمالي الناتج والتضخم والاجور والعمالة. تبدو الصورة حاليًا، بعد اجتماع استمر يومين لصنّاع السياسة الاميركيين، متفائلة كون الاقتصاد الاميركي وبعد ركود في الربع الاول من العام، بدأ يُظهر تقدماً و ان كان معتدلاً بعض الشيء.

واستفتاء «رويترز» الأخير أظهر ان الاقتصاد الاميركي بدأ بالفعل يتخطّى مرحلة الركود وساعدت في ذلك عوامل عدة قد يكون الناتج اهمها في اكبر اقتصاد في العالم والاقتصاديون يبحثون عن ٢،٥ بالمائة في الربع الثاني- اضف الى ذلك عامل التضخم ومؤشرات اسعار نفقات الاستهلاك الشخصي والذي صدر في ٣ آب، ومن المنتظر ان تكتمل صورته في ٢٨ من الشهر نفسه والنتائج المرجوة هي ان يصل هذا المؤشر الى ما يقارب ٢ بالمائة، علماً ان اسعار الطاقة، وهو مؤشر مهم، يبدو مستقرًا.

اما بالنسبة الى الأجور فإن متوسط بياناتها سوف تصدر في منتصف آب وايلول القادمين. أخيرًا، العامل الأكثر اهمية وهو العمالة سيما وان الفدرالي رسم صورة مشمسة لهذا العامل الذي أظهر تحسنًا ملموسًا وهو عامل حاسم في هذه المرحلة لا سيما وانه قد يكون وصل الى أدنى مستوياته منذ سبع سنوات بما يعني اقتصاديا ان الناتج على زيادة كذلك التضخم وهما عاملان مرتبطاغن تلقائيا و منطقيا.

خلال العام الماضي، عانى الاحتياطي الفدرالي كثيرا في محاولة منه لاقناع المستثمرين بأن زيادة اسعار الفوائد سوف تكون تدريجية، انما لم يستطع تقدير ردود فعل هؤلاء المستثمرين سيما وان ارتفاع سعر الدولار يشير الى ان المستثمرين أقدموا على شراء الدولار تحسبا لاحتمال ارتفاع اسعار الفوائد.

والمشكلة تكمن في ديناميكية العملية اذ ان اسعار المعادن تراجعت بشكل ملحوظ كذلك النفط وقد يؤدي ذلك الى تباطؤ في الاقتصادات العالمية كما حصل بالفعل مؤخرا في الصين وهي ثاني اكبر اقتصاد في العالم.

لذلك، وبالرغم من خفض التضخم، تبقى الاخبار سارة عن مسار الاقتصاد الاميركي في الربع الثاني من العام اذ ان اكثر من ٢٨٠ ألف فرصة عمل جديدة قد استحدثت مع حصول تحسّن ملموس في مبيعات التجزئة وهذا كاف لكي يبرر الاحتياطي الفدرالي رفع اسعار الفوائد.

انما يبقى القول ان تقدم الدولار مقارنة بالعملات الأخرى منذ الصيف الماضي والتي بلغت حوالي ١٨ بالمائة قد تشكل خطرًا على مجلس الاحتياطي الفدرالي في تطبيع السياسة النقدية، وهذا الارتفاع الحاد مقابل العملات الاخرى يجعل الدولار الاميركي والبضائع الاميركية اقل تنافسية ويحدّ من قدرة البنك على رفع اسعار الفوائد بطريقة تدريجية (واستطلاعات الرأي اظهرت تفاوتًا في الرأي حول هذا الموضوع).

انما يجدر القول انه طالما كانت مؤشرات النمو معتدلة والامور على تحسن ولو بطيء تبقى المخاطر اقل بكثير مما ذكرناه. وسوف يستفيد الاقتصاد من الدعم المالي ومن علاقات متوازنة مع اكبر الشركاء التجاريين- كذلك السياسات الهيكلية المتبعة في تخفيض البطالة سوف تساهم في زيادة النمو الاميركي وسوف تدعم فعالية السياسة النقدية.

كذلك ضعف الاقتصاد العالمي وانكماش اسعار السلع الاساسية واستمرار زيادة الطلب على الارصدة الدولارية سوف تسمح لمجلس الاحتياطي الفدرالي بالخروج التدريجي من عملية التسيير الكمي دون اي انعكاسات سلبية على الاقتصاد الاميركي.

يبقى السؤال ما اذا كان ارتفاع اسعار الفوائد الاميركية سيؤدّي الى انخفاض الاستثمارات؟ بعض المعلقين الاقتصاديين يعتقدون أن الأمر ليس خطرا بالشكل الذي يتصوره البعض سيما اذا ما نظرنا الى ما حدث تاريخيا و تحديدا في العام ١٩٩٤، عندما حاول آلان غرينسبان محاربة الضغوط التضخمية وتضاعفت اسعار الأقراض الرئيسية وارتفعت معدلات الرهن العقاري وانهارت اسعار الاسكان.

كذلك في المرة الأخيرة، حين رفع مجلس الاحتياطي الفدرالي اسعار الفوائد، قبل عقد من الزمن بالتحديد، وكانت الامور مختلفة كثيرًا سيما واننا مررنا بأزمة مالية هي الاكبر منذ الفساد الكبير. كذلك مضت سنوات طويلة دون ان نشهد اي ارتفاع في أسعار الفوائد مما يعني أن التغييرات التي حدثت في الاسواق المالية في العقد الماضي يمكن ان تكون نتائجها مختلفة حاليا.

كذلك وحسب nouriel roubini «نحن في عالم مختلف والسيولة قليلة بما يعني ان الامور مختلفة، خصوصا في ما يتعلق بسوق السندات المالية التي من المفترض ان تكون واحدة من اكثر الاسواق سيولة في العالم والتي ان لم يكن هنالك من يرغب في شراء هذه الاوراق المالية فأسعارها سوف تنهار تلقائيًا.

كذلك وجب أخذ آراء احد الخبراء الاقتصاديين الذي درس كيف تعمل البورصة مع سياسة مجلس الاحتياط الفدرالي (روبيرت جونسون) وعلى مدى خمسين سنة وجد ان سياسة نقدية انكماشية نتيجة رفع اسعار الفوائد لا بد ان تنعكس على عاائدات S&P والتي سوف تتراجع الى ٦ بالمائة من نحو ١٥ بالمائة حققتها عند خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي اسعار الفوائد.

لا شيء من كل هذا يعني انه يجب أن يسحب المستثمرون اموالهم من الاسهم والاستثمار في السندات انما نحتاج فقط الى ربط احزمة الامان اذ ان الاشهر المقبلة لن تكون سهلة وهي جزء من الثمن الذي ندفعه لفترات طويلة من اسعار فوائد متدنية.

واذا كانت آراء الاقتصاديين متفاوتة حول هذا الموضوع يبقى القول ان رفعا تدريجيا لأسعار الفوائد لن يلحق اذى كبيرا، لا بالاقتصاد الاميركي ولا بالاقتصاد العالمي، بل يشكل ضغطًا تنافسيًا على الدول في الاقتصادات المتقدمة والناشئة.