IMLebanon

لا خوف على الرواتب!

MoneyLebanon3

حذرت مصادر وزير المالية علي حسن خليل عبر صحيفة “المستقبل” من أنه في حال عدم مسارعة الحكومة إلى إقرار نقل الاعتمادات المالية اللازمة لمجموعة من الوزارات بما فيها وزارة الدفاع، فإنّ ذلك من شأنه أن يؤدي إلى الحؤول دون تمكين الوزارة من دفع الأموال المخصصة “لتأمين الطعام للجيش” بحلول مطلع أيلول المقبل، وهو ما أكدت عليه مصادر مقربة من المؤسسة العسكرية لـ”المستقبل” لافتةً إلى أنّ قائد الجيش العماد جان قهوجي أثار خلال لقائه أمس رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في السرايا الحكومية هذا الموضوع، من منطلق حرصهما المشترك على منع تمدد مخاطر التعطيل المؤسساتي إلى السلك العسكري.

وأوضحت مصادر وزير المالية لـ”المستقبل” أنه كان قد خصّص زيارته إلى السرايا أمس الأول لإطلاع رئيس الحكومة على أجندة الاستحقاقات المالية الراهنة والداهمة على الوزارة، مشيرةً إلى أنّ خليل حمل إلى سلام “ورقة تفصيلية” بهذه الاستحقاقات تفنّد بالأرقام الجداول المالية المستحقة عشية دعوته مجلس الوزراء إلى الانعقاد الخميس المقبل.

وفي معرض تنبيهها إلى كون الأمور المالية للدولة “لم تعد تحتمل مزيداً من التسويف”، شددت المصادر على أنّ “وزير المالية مضطر إلى نيل إجازة الحكومة قبل نهاية الشهر في سبيل إصدار سندات اليوروبوند وتأمين نقل اعتمادات بقيمة 35 مليار ليرة لدفع الرواتب والأموال الخاصة بمجموعة من الوزارات والإدارات بما يشمل رئاسة الحكومة”، لافتةً الانتباه إلى كون “هذا المبلغ الواجب نقل اعتماداته يتعلق بعدد من الوزارات الحيوية، من بينها وزارتا الطاقة والمياه، والتربية والتعليم”، وحذرت في المقابل من أنّ تعذر نقل الاعتمادات قبل نهاية آب سوف يرتّب، بالإضافة إلى المخاطر المتصلة بانتظام العمل المؤسساتي، “كسراً” مالياً إضافياً على صعيد مدفوعات الرواتب المستحقة، بعد أن تتسع دائرتها لتشمل وزارات أخرى، يبلغ 145 ملياراً”.

صحيفة “الجمهورية” كتبت أن بعض خبراء المال وبينهم وزراء سابقون ذوو خبرة وباعٍ طويلين في إدارة المالية العامة للدولة، يسخرون من الحديث عن «كارثة» عدم وجود رواتب لموظفي القطاع العام بدءاً من الشهر المقبل، فيما الخوف الجدّي يطاول مشاريع وقضايا ماليّة تتّصل بالقروض والهبات. فهُم عايشوا سلسلةَ الأزمات المالية والإقتصادية واستطاعوا تجنيبَ البلاد كثيراً من المطبّات على مدى عقدين ونصف من الزمن.

وعليه، توقّف أحد الخبراء أمام التهويل بأنّ رواتب موظفي القطاع العام والمؤسسات العسكرية والأمنية والمتقاعدين وموظفي المؤسسات والهيئات المستقلة لن تتوافر الشهر المقبل ما لم يتمّ تشريعها بقانون، وأكّد أنّ هذا الأمر ليس دقيقاً على الإطلاق.

ويضيف: “كان الأجدر بالساعين إلى إحياء الدور التشريعي لمجلس النواب وحماية الحكومة من السقوط في فخّ التعطيل، البحث عن حجج أخرى تقوّي موقعَهم، لكنّ العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية يبَرّر بعضاً مِن الأساليب التي يُلجَأ إليها لفتح كوّة في جدار الأزمة العاصفة بالمؤسسات لاستعادة مجلس النواب دورَه التشريعي بغية إمرار ملفّات أخرى ليس أبرزها التعديلات المقترحة على قانون الدفاع للخروج من أزمة التعيينات العسكرية أو لحماية بعض العقود والهبات والقروض المجمَّدة والمتعثّرة”.

على هذه الخلفيات يقول الخبير إنّها ليست المرّة الأولى التي يُبحَث خلالها في مصير رواتب الموظفين ويقال إنّها لن تكون متوافرة، فتجارب السنوات الماضية كفيلة بإسقاط هذه المخاوف، ويمكن وزير المال اللجوء مرّة أخرى الى الأسلوب الذي اعتُمِد العام الماضي بنقلِ سِلفة خزينة من احتياطي الموازنة الى بَند الرواتب بـ”شَحطة قلم”.

ففي العام الماضي لجَأت وزارة المال الى هذا المخرج، وقبل ذلك لجَأ الوزير السابق محمد الصفدي إلى الإجراء عينه لتأمين الرواتب والأجور. لكن ما لفتَ هذا الخبيرَ المالي اللجوءُ إلى التهديد بلقمةِ عيشِ فئةٍ كبيرة من اللبنانيين، عسكريين ومدنيين ومتقاعدين، في منتصف شهر آب، فيما الأمر معروف منذ بداية السَنة كاستحقاق سَنوي في غياب الموازنة العامة.
أضِف إلى ذلك فإنّ احتسابَ قيمة الرواتب والأجور وحجمها هو الأسهل في لائحة مصاريف الدولة ولا يمكن التشكيك بأرقامها. وليس فيها وجهة نظر ليُصار إلى استخدامها في القضايا السياسية لتكونَ كالمنشار في اتّجاهين معاكسين.

ولا يقيس الخبير ملاحظاته المالية للتشَفّي أو لأسباب سياسية، بل للإضاءة على المعضِلة من جوانب أخرى، فالبَلد يعيش أوضاعاً استثنائية ولا يمكن مواجهتها إلّا بما هو استثنائي من أدوات. فالعجز عن وضع الموازنات السَنوية يقود إلى مثل هذه الحالات، فكيف بالنسبة الى ما تعيشه البلاد من عجز وشَلل لم يَسبق أن عاشته في ظروف أسوأ مِن تلك التي نمرّ بها اليوم».

ويضيف: «ليس ما سيَتبع في نهاية أيلول المقبل من إجراءات هي الفضلى، لكن «أخاك وزير المال مُجبَرٌ لا بطل» وهو سيلجَأ مكرَهاً الى هذه التدابير لتسيير شؤون الناس من دون اللجوء إلى قانون خاص لدفع الرواتب في ظلّ فقدان الموازنة العامة والشَلل الذي يعيشه المجلس النيابي».

تجدر الإشارة إلى سابقة استنَد إليها وزيرا المال، الحالي ومَن سبَقه، في لجوئهما إلى التدابير الماليّة المتكررة طوال السنوات الثلاث الماضية، وهي تعود الى أيّام وزير المال السابق جهاد أزعور، وتحديداً في 2006 مع بداية حرب تمّوز.

كانت وزارة المال يومَها تدفع رواتبَ الموظفين وفقَ لوائح إسميّة تَرفعها الوزارات والمؤسّسات العامة شهرياً، وأدّت ظروف الحرب الإسرائيلية على لبنان بعد 12 تمّوز إلى إقفال بعض الدوائر الرسمية، وعجزَت أخرى عن توفير الجداول لوزارة المال فصرفت رواتب الموظفين والمتقاعدين في حينه على أساس جداول الشهر السابق وانتهَت الأزمة عند هذا الحد.

وينتهي الخبير إلى القول إنّه يمكن البعض أن يمارسَ حياته السياسية ويلعب كلّ أوراقه سياسياً وإدارياً وحتى مالياً مِن دون جعلِ المواطن رهينةً له على أبواب استحقاقات عائلية كبرى ليس أقلّها الموسم الدراسي. فلماذا كان الانتظار إلى الصيف للتحذير من هذه الواقعة ووضع أكثرية اللبنانيين في موقع لا يُحسَدون عليه؟.