IMLebanon

“حزب الله” محشوراً: “تنازَلْ كِرمالنا يا جنرال”

 

michel-aoun

 

 

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

من أيام حنا غريب، لم ترتفع وتيرة «الحراك المدني» ضدّ الحكومة إلى هذا الحدّ. والمثير هو توقيتها فيما يقترب «الكباش» السياسي مع العماد ميشال عون من «التنفيس». فهل هناك مَن يرى مصلحته في استمرار الحكومة تحت الضغط؟ وهل هذا يبرِّر شكوى منظّمي «الحراك» أنفسهم من وجود خروقات سياسية تحرفه عن مساره؟

في الأيام الأخيرة، ظهر أنّ هناك «تنفيساً» إجبارياً لأزمة العمل الحكومي والنيابي بأيّ شكلٍ من الأشكال، تجنّباً لانفجارٍ ممنوعٍ دولياً. ولذلك، تحرَّك الرئيس تمام سلام والوسطاء لاستعادة الحدّ الأدنى من عمل المؤسسات، ولو بـ«ما تيسَّر» وبـ«مَن حضر».

ويقود النائب وليد جنبلاط وساطة على قاعدة التعادل: تحريك الحكومة والبرلمان معاً. وفي باريس، شرح للرئيس سعد الحريري، أهمية استمرار الحدّ الأدنى من الهدوء والتواصل والتنسيق مع «حزب الله». فكان الحريري متجاوِباً. واتفق الرجلان على تسهيل المخارج لـ«إدارة الأزمة» في غياب التسويات الكبرى، بدفع مِن الرئيس نبيه بري.

قبل ذلك، كان بري وجنبلاط وضعا «حزب الله» في أجواء المخاطر من استمرار الفراغ والشلل حتى على «الحزب» نفسه، فبدا مقتنعاً بهذه الرؤية. وكان ردُّه: مستعدّون لتسهيل المخارج. لكنّ شرطنا هو عدم «كسر» حليفنا المسيحي العماد عون. فمن باب الوفاء والمصلحة، لن نسمحَ لأحد بإستفراده وسحقه.

ويقول المطلِعون: في الأساس، ليس «الحزب» بعيداً عن تصعيد عون، بل استفاد منه للضغط على «المستقبل» والحكومة التي يرغب في إبقائها مَطيّة له، لكنه يتجنّب إسقاطها لحاجته إليها كغطاء.

ومن جهة أخرى، أتاح «الحزب» لعون أن يمضي في التصعيد، ليثبت له دعمه. فالرابية تتسع شكوكُها في أنّ «الحزب» لا يريد عون رئيساً ولا يدعم خيارَه في قيادة الجيش وقانون الانتخاب وسواه. ولذلك، رأى «الحزب» مصلحة في أن يرمِّم بعضَ الثقة مع عون، فيدعم انتفاضته، ما دام «يلعب» تحت السقف.

لكنّ «حزب الله» بدأ يتحمَّل التبعات مع بلوغ عون السقف الأعلى. ويشرح المطلعون على موقف «الحزب» أنه مرتاحٌ لجهة قيامه بواجب دعم العماد عون بما يكفي. فهو لم يسمح باستفراده في مجلس الوزراء.

وقد «صبَرَ» عليه «الحزب»، على رغم أنّ المواجهة التي يخوضها ليست بينه وبين خصومه في «المستقبل» بقدر ما هي مع حليفه، أو حليف حليفه، الرئيس بري. وليس سهلاً أن يقف «الحزب» مع عون في تعطيل المؤسسة التي يقودها بري، أيْ تلك التي يرعاها 8 آذار بلا شراكة مع «المستقبل».

ويتحدّث المطلعون عن تحذيراتٍ تلقّاها «الحزب» من مخاطر داهمة قد يتأذّى منها هو نفسه. فمَن يستطيع ضبط التداعيات، إذا استفحلت الملفات الاجتماعية والإنسانية المفتوحة كالنفايات والكهرباء والرواتب وسواها؟

فـ«الحزب» يخشى كرة ثلج اجتماعية تتحوَّل مأزقاً سياسياً بل أمنياً مذهبياً وفق النموذج الذي يشهده العراق حالياً ويعصف برموزٍ حليفة لطهران تحت عنوان الفساد. ويريد «الحزب» أن يتجنَّب ما يوحي بأنه يشارك أو «يقبُّ الباط» عن زعزعة الاستقرار.

أبلغ «الحزب» الوسطاء أنه ملتزمٌ سقف الاستقرار وتحريك عمل الحكومة والمجلس. لكنه لن يذهب إلى التصويت و»كسر عون». وثمّة مَن يقول إنّ «الحزب» أبلغ إلى عون هذا الموقف، ودعاه إلى «التنازل كرمالنا»، فيتجنّب الجميع كأسَ التصويت وتردّداتِه السلبية. ومرة جديدة، ناشده القبول بـ«أفضل الممكن» مرحَلياً، مع وعدٍ بأن يدعمه «الحزب» للحصول على الأفضل عندما تحين الظروف.

ويقول البعض إنّ «الحزب» أبلغ عون صراحة أنه عاجزٌ عن إيصاله إلى قصر بعبدا، لأنّ القرار ليس في يده بالكامل. وأساساً، وصل عون بنفسه إلى هذا الاقتناع. فتجربتُه مع الرئاسة اليوم ليست أفضل من تجربته في الدوحة عام 2008.

وأما ملف قيادة الجيش فهو شأنٌ آخر، إذ إنّ عون كان يعتقد بأنّ الرئيس سعد الحريري سيدعم خيارَه في اليرزة، شرط انسحابه من معركة بعبدا. فإذا به يتّجه إلى خسارة الرئاسة والقيادة معاً.

ويقول البعض إنّ الإخراج الذي رسمه نصرالله لسَحْب حصرية دعمه لعون كان منسَّقاً معه لتظهيره على جرعات، فلا تكون نكسة لجمهوره. فقد رفع نصرالله نبرة الخطاب دفاعاً عن عون في الشكل، لكنه في المضمون عاجَلَه برسالة تهبط به من «المرشح الإلزامي» إلى «الممرٌّ الإلزامي». ولم يبدِّل إيضاحُ نصرالله الاستلحاقي في هذا المضمون.

وأما في قيادة الجيش، فالمَخرجُ آتٍ. وكان يمكن للعماد عون أن يمضي في المواجهة بلا حدود. لكنه «يزعِّل» الجميع إلّا السيد حسن نصرالله. والعكس صحيح.

ويفرح خصومُ عون، ويقولون إنّ أيلول الأوراق المتساقطة آتٍ إلى الرابية: في مطلعه تسقط ورقة التعيينات العسكرية كما سقطت ورقة رئاسة الجمهورية. وفي أواخره تسقط ورقة التغيير والإصلاح في تعيينات «التيار» الداخلية. وقبل أيلول وبعده، أوراق متناثرة هنا وهناك: تشريع الضرورة وسوى ذلك.

ولكن، هل يعصف أيلول بالرابية وحدها، أم يهزّ الحكومة وسائر المؤسسات، ويمهِّد لخريفٍ لبنانيٍّ عاصف، يواكب العواصف الإقليمية؟

بعد عون، لدى حزب الله بدائل تصعيدية كثيرة منذ ايار ٢٠٠٨، وطلعت ريحتكم واحدة منها.