IMLebanon

الصين مصدر قلق وعدم يقين

ChinaCentralBank
بروفسور غريتا صعب
لا توجد ولغايته ايّ علامات عن تراجع في الاقتصاد الاميركي على رغم تباطؤ النمو في الصين ومع استبعاد تكرار ما حصل في العام ١٩٩٧/١٩٩٨في الاسواق الناشئة. مع العلم انّ التقلبات التي حصلت أخيراً ، واذا ما استمرّت، قد تُقنع مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعدم رفع أسعار فوائده كما كان متوقعاً في ايلول المقبل.
قد تأتي الامور بشكل لا يستبعد معه رفع اسعار الفوائد على الدولار، اذا ما تضاءل الاضطراب في الاسواق المالية خلال الفترة المتبقية من هذا الاسبوع. وانتعاش اسعار الاسهم الاميركية كان بسبب بعض الاخبار الاقتصادية الايجابية لا سيما مؤشر ثقة المستهلك، والتي انخفضت في تموز وعادت وارتفعت في آب (من ٩١,٠ الى ١٠١,٥) كذلك مبيعات المنازل الجديدة والتي ارتفعت ايضاً،

ما يدلّ على انتعاش في سوق الاسكان- لكن يبقى القول انّ تقلبات الاسواق المالية العالمية تظهر ومن دون أدنى شك مدى ترابط الاقتصادات ببعضها، ما يؤثر ولَو بشكل غير مباشر في قرارات الاحتياطي الفديرالي ويحدد مساراته، أقلّه على المدى القريب- وبحسب Maury Harris، كبير الاقتصاديين في UBS، انّ اتجاهات السوق تعطي علامات اقتصادية سلبية لمجلس الاحتياطي الفيديرالي.

أضف الى ذلك الانخفاض في اسعار النفط ومعدلات التضخم، ما يعني انّ الاتجاه العالمي السلبي يجعل من الصعب على الفيديرالي والمصارف المركزية العالمية بشكل عام اتخاذ ايّ قرار، ما يجعل الوضع عرضة للتكهنات والتي قد تكون سلبية في مختلف الاحوال.

ويبقى القول انّ ما يجري في ثاني أكبر اقتصادات العالم جدير بالذكر، ويعني زيادة المخاوف في ان ينسحب الوضع الصيني على الاقتصادات الرئيسية الأخرى لا سيما الاميركية، اذ انّ العوامل العديدة والتي تجعل تباطؤ اقتصاد الصين ينعكس سلباً جديرة بالذكر، وهي:

– تباطؤ التجارة لا سيما انّ التجارة الخارجية هي في أوجها بين الولايات المتحدة والصين، ومن المتوقع ان تتجاوز في السنين القادمة مستوى العلاقة التجارية بين اميركا وكندا.

لذلك أيّ تباطؤ في الاقتصاد الصيني سوف ينعكس سلباً على المنتجات الاجنبية بما فيها الاميركية. وللتذكير انّ الاقتصاد الاميركي لا يتأثر بالفعل في التجارة الخارجية، ولا تشكل الصادرات اكثر من ١٣ في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، بينما يمثّل الانفاق الاستهلاكي اكثر من الثلثين، انما لن تكون اميركا بالمطلق بمنأى عمّا يجري في الصين.

أضف الى ذلك الاعمال الاميركية والتي قد تتأثر سلباً بما يجري في الصين، وعلى سبيل المثال لا الحصر وفي الاسبوع الماضي تضاءلت توقعات UTX للعام ٢٠١٥ وعَزت ذلك الى ما يجري في الصين (تراجعت الطلبات على أعمالها ١٠ في المئة في الربع الماضي وفي الصين وحدها)، انما شركات اخرى مثل Apple قالت انها تقوم بعمل رائع في الصين.

لذلك إنّ اشارات الشركات الكبيرة التي تتعاطى مع الصين هي خير مؤشر للمستثمرين، وهذا التفاوت في الأداء يعطي أدلة غير واضحة لا بل غامضة عن انعكاسات الوضع الصيني على الاقتصاد العالمي والاعمال.

ويبقى الخوف من انفجار أزمة الديون في الصين، والتي قد تؤدي من خلال القروض السامة الى أزمة مالية تنتشر حول العالم كما حدث في العام ٢٠٠٨ في الولايات المتحدة.

والذعر المالي يمكنه ان يُغرق العالم في حال من الركود، لا سيما اذا انتشر في جميع انحاء آسيا. وللعلم، يبقى ذلك مستبعداً لا سيما انّ الصين لديها ما يزيد عن ٤ تريليون دولار من النقد، وقد دفعت الكثير لتجنيب السوق المالية من الغرق اكثر. كذلك سَعت من خلال سياسة مالية لخفض اسعار الفوائد ومساعدة الاقتصاد.

أضف الى ذلك انّ هناك عاملاً مهماً وهو كون العديد من المصارف الصينية هي ملك للدولة ما يحدّ انتشار العدوى نحو الدول الاخرى والمستثمرين الاجانب. وإذا بقيت مشاكل الصين داخل حدودها، فمن الواضح انّ الاضطراب الذي يحدث في السوق المالية الصينية غَيّر وبشكل جزئي نظرة المستثمرين لهذه البلاد.

وبحسب أحد كبار مسؤولي صندوق النقد الدولي انّ تباطؤ الاقتصاد الصيني والانخفاض الحاد في سوق الاسهم لا ينذر بأزمة إنما بنوع من التعديل في ثاني اكبر اقتصاد في العالم. لذلك فقد يكون من السابق لأوانه الكلام عن وجود أزمة في الصين.

كذلك اكّد مسؤول صندوق النقد الدولي انه من المتوقع زيادة ٦,٨ بالمئة في الاقتصاد الصيني هذا العام مقابل ٧,٤ بالمئة في العام ٢٠١٤، وهذا يعني تباطؤاً وامراً طبيعياً، علماً انّ اسواق الاسهم انخفضت اكثر من ٣٠ بالمئة منذ منتصف العام. ومع قدر وفير من البيانات الاقتصادية السيئة كان لا بد للسلطات في بكين من تخفيض قيمة العملة، ما يعني محاولة لإعادة التوازن للعملية الاقتصادية.

ويبقى القول انه لا بد للمستثمرين والشركات من إجراء عملية اعادة تقويم الافتراضات، فإذا استمر الوضع هكذا، قد يجوز القول انّ الصين تصدر عدم اليقين حول العالم. واعادة التقويم هذه تنطبق ليس فقط على الشركات انما ايضاً على الدول، لا سيما روسيا، وقد تحوّلت نحو الصين في محاولة لسدّ الفجوة المالية التي تسبّب بها تَدنّي أسعار النفط، كذلك فنزويلا ونيجيريا واوكرانيا والتي اعتمدت اعتماداً كبيراً على الاستثمار والقروض المنخفضة من الصين.

ويبدو انّ الالم بات حاداً في البرازيل مع انخفاض واردات الصين من معادن وفول الصويا، وبات عدم اليقين في الصين يحدّ من هامش التحرّك والمناورة لدى المسؤولين في البرازيل لمعالجة تباطؤ الاقتصاد البرازيلي.

والمشكلة في الواقع هي مدى قوة الاقتصاد الصيني والسياسات التي تعتمد لمعالجة جوانب الضعف ومدى التأثير عليها وعلى الدول التي لجأت اليها في محاولة لتخفيف الضغوط على اقتصاداتها، واوروبا بالإجمال والمانيا بالتحديد واحدة منها، والتي استفادت من النمو الصيني وعملت الصين كقوة موازية لتباطؤ النمو في اسواق اوروبا. والجدير ذكره انّ المصانع الالمانية بدأت ترى علامات الضغط عليها.

لذلك، ومع تعميق المخاوف الاقتصادية في الصين كان لا بدّ للشركات المتعددة الجنسيات وللدول مواجهة حقيقة جديدة مع واقع أقلّ ما يقال فيه انه غير مؤكد. واذا كان النمو السريع للصين خلال العقدين الماضيين ساعد في اعادة هيكلة الاقتصاد العالمي وإنشاء محرك قوي
واستراتيجيات جديدة للاسواق المالية، واذا كانت الصين لا تزال محركاً في الاقتصاد العالمي، الّا انها وعلى حق بدأت تصدر القلق وعدم اليقين للعديد من دول العالم واميركا ضمنها.

وهذا الأمر ينطبق على ما كتبه «الين بيرفيت» منذ عشرات السنين: عندما تستيقظ الصين سوف يهتزّ العالم. وأخيراً، يبقى الرهان على مدى امتداد المشكلة الصينية وتوسّع رقعتها وزمانها.