IMLebanon

ريفي يحاضر حول “الإدارة العدلية والأمنية أمام تحديات الأمن السيبراني”

ashraf-rifi

 

حاضر وزير العدل أشرف ريفي في مجال الأمن والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مؤتمر ‘الأمن في الشرق الأوسط” الذي عقد في البيال، والقى كلمة تقنية في مجال الأمن وتداعياته على استقرار الدول.

 

وهذا نص المحاضرة:

 

” يسعدني أن اكون اليوم بينكم لأتحدث عن قضية تأتي في سلم أولويات الدول والأفراد.

يسعدني اليوم أن أكون محاضراً أمام جمع من المختصين والباحثين في مجال الأمن والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لأضع مقاربتي المتواضعة لموضوع الأمن السيبراني وتداعياته على إستقرار الدول وسير العدالة فيها .

 

أيها الحضور الكريم،

لم تسلم البشرية يوماً من تداعيات صراع القوى والمصالح، ومع مطلع كل يوم جديد تضاف الى وسائل المواجهة أساليب وطرق جديدة تضفي على الصراع طابعاً حديثاً، وتلهب ساحات المواجهة بالمزيد المزيد من وقود الحروب، التي كانت في الماضي تقوم على الأسلحة العسكرية التقليدية، وأضحت في يومنا هذا ذات أبعاد إقتصادية وإجتماعية وأمنية، مظلتها سياسات ترسم ويخطط لها في غرف القرار العالمية.

ومع تطور تكنولوجيا الإتصالات وظهور الشبكة الدولية للمعلومات وإنتشار إستخدام الأجهزة الإلكترونية النقالة والثابتة بحيث باتت حياتنا اليومية ومسارها مرتبط بشكل أو بأخر بهذه الأجهزة التي نعلم عنها القليل ويفوتنا من علمها الكثير، وجب علينا ان نتوقف عند المخاطر التي تواكب عمل هذه الأجهزة وذلك ليس على مستوى الفرد فحسب بل والأهم على مستوى عمل هذه الأنظمة الحديثة والمتطورة في إدارة شؤون الدولة على جميع الصعد وأبرزها على صعيد الأمن الوطني والعسكري.

كنا نسمع عن حرب النجوم وعن ظاهرة المركبات الفضائية التي شغلت الرأي العام الأوروبي في أوساط الخمسينيات وبداية الستينات، والتي ظهرت حقيقتها في العام 2014 حين أعلنت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية ان هذه المجسمات الطائرة تابعة لها وكانت في ذلك الوقت تستخدمها للتجسس، كنا نسمع عن حروب نووية على وشك الإندلاع، وعن أسلحة دمار شامل وعن سباق تسلح قاد بعض الأمم للإنهيار، ولكن لم نكن نتوقع يوماً ان حرباً من نوع أخر ستندلع وراء أجهزة الحاسوب ضمن فضاء مفتوح لا حدود له وشبكة معلومات لا نهاية لها ولا أفاق محدودة تحكمها.

من المعلوم أن البحث عن المعلومات الخاصة بالعدو هو ضرورة لشل قدراته وكشف مخططاته وإلغاء عنصر المفاجأة الذي يعتمد عليه، ولهذا فإن خرق أنظمة التشفير التي تعتمدها الجيوش والمؤسسات الرسمية الأمنية في الدول كان وسيبقى هدفاً لخصومهم واعدائهم، ومن المعلوم أيضاً أن تحقيق إنجازات أمنية نوعية في يومنا الحاضر لم يعد مقدوراً عليه ما لم تواكب الأجهزة الأمنية التطور المهول في عالم تكنولوجيا الإتصالات بحيث تعمد الى تأمين أفضل حماية للبرامج الإلكترونية المشغلة والمنظمة لألية عملها حتى لا تتعرض لخروقات سيبرانية تكشف أسرارها وتضع كل جهودها الرامية الى حماية أمن الوطن في مهب الريح، ومن ناحية أخرى، تسعى الى تحقيق خروقات في صفوف المنظمات الخارجة عن القانون على وجه العموم، والإرهابية منها على وجه الخصوص حتى تتمكن من كشف الجريمة قبل وقوعها وإلقاء القبض على مرتكبيها، وكلنا يعلم أن داتا الإتصالات مكنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من كشف مخططات تفجير إرهابية ومنع وقوعها، وأن تحليلها وفقاً لأسس علمية وتطبيقاً لبرامج متطورة أدى الى كشف هوية منفذي عملية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

 

أيها الحضور الكريم،

تعمل مختلف الدول في المنطقة ومنها لبنان على الإنتقال بخدماتها الإدارية التقليدية إلى الحوكمة الإلكترونية (e-governance) ولهذه الغاية، عليها وبالتعاون مع شركات متخصصة في هذا المجال إلى جانب جهاتٍ حكوميّة والقيمين على منشآت البنية التحتية الحساسة وعلى قطاعات الطاقة والمواصلات والمصارف، أن تعمل على التأكد من أنّ المعلومات التي تحتويها البيانات محميّة من الخروقات السيبرانية التي يمكن أن تعرّض معلومات المواطنين الشخصية إلى الخطر، وبالتالي تفقد ثقتهم بحكوماتهم، من ناحية، ومن ناحية أخرى، تؤدي الى المساس بأسرار الدولة العسكرية والمعلومات الحساسة الخاصة بالأمن القومي والداخلي بما يضع الإستقرار الداخلي في دائرة الخطر.

لا يخفى على أحد أن الأمن السيبراني أضحى هاجس الجميع دون إستثناء وأن الحرب السيبرانية القائمة حالياً بين الدول أو بينها وبين المنظمات الخارجة عن القانون تشكل محور بحث جدي ومعمق في دوائر القرار العالمية، حيث باتت أنظمة الدفاع العسكرية لأعتد القوى العسكرية في العالم معرضة للإختراق، بل أن أشد الأسلحة فتكاً في التاريخ من نووية ودمار شامل لم تعد بمنىء عن خروقات قد تتعرض لها أنظمة التحكم بها، كيف لا وقد أضحى كل شيء في عالمنا اليوم مرتبط بشكل أو بأخر بتكنولوجيا المعلومات وبأنظمة التحكم الإلكتروني.

وغني عن البيان أن هذه الأنظمة محاطة بالكثير الكثير من الحماية الإلكترونية من خلال التشفير وغيره من وسائل الحماية، إلا ان الفضاء الإلكتروني المفتوح للجميع أطلق حرباً وتنافساً خفياً ما لبث أن ظهر الى العلن، قوامها القدرة على إختراق نظم المعلومات للوصول الى أسرار الدول والشركات العالمية الكبرى وصولاً الى تحقيق مكاسب منها سياسية وأخرى إقتصادية أو إجتماعية، الى أن الأخطر هو دخول المنظمات الإرهابية على خط الصراع السيبراني العالمي، فالإرهابيون ليسوا بعيدين عن القرصنة الإلكترونية وقد وجدوا فيها وسيلة حديثة وفعالة في تحقيق مآربهم خاصةً وأن في صفوفهم خبراء في هذا المجال.

لقد أضحى الأمن السيبراني أولوية عسكرية – شأنه شأن باقي القطاعات العسكرية – وأن التسلّح البرمجي بدأ مع بداية الحرب السيبرانية، التي لا تزال في أوئل مراحلها!

وحين يعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن برنامج عقوبات يستهدف الأفراد والجماعات خارج الولايات المتحدة، الذين يستخدمون الهجمات الإلكترونية لتهديد السياسة الخارجية والأمن القومي والاستقرار الاقتصادي للولايات المتحدة، ويعتبر مثل هذه الأنشطة تمثل حالة طوارىء وطنية، وذلك على خلفية الخروقات السيبرانية التي إستهدفت شركة سوني العالمية، فهذا خير دليل على ان موضوع لقاؤنا اليوم في غاية الاهمية والخطورة.

وقد طالت الهجمات السيبرانية منطقة الشرق الأوسط، حيث كشفت شركة Kaspersky Lab المتخصّصة بالأمن السيبراني في أواخر شباط من العام الحالي، عن أول مجموعة من القراصنة الذين يستخدمون اللغة العربية في تنفيذ أعمالهم السيبرانية، والذين يقومون بأعمال التجسس الإلكتروني.

إن ما سبق بيانه يوجب على الدول تبني وإستخدام أنظمة من شأنها حماية المعلومات، توفر للمؤسسات رؤية واضحة لمصادر البيانات الأمنية المتعددة، فيمكّن المعنيين من تحديد ما إذا كان هناك اختراقٌ ما، وبالتالي يمكنهم من التصدي بسرعةٍ للمشكلة، كما عليها إنشاء هيئة وطنية خاصة بالأمن السيبراني وقد حصل ذلك في عدد من الدول العربية كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين قطعتا شوطاً طويلاً في مجال تطوير أنظمة الحماية ومكافحة الخروقات السيبرانية.

ونظراً لأهميّة التوعية حول الفضاء السيبراني، وأهميّة معرفة الأفراد لكيفية اختراق الشبكة الإلكترونية وسرقة المعلومات، قامت شركة Lockheed Martin بنشر تفسيرٍ معمّق حول الطريقة التي يستخدمها القراصنة الإلكترونيون لتنفيذ مهماتهم الإلكترونية، وقد أطلق عليها اسم ‘Cyber Kill Chain”، وباختصار، تبيّن هذه الدراسة أنّ القراصنة يستخدمون إجمالاً الطريقة نفسها في تنفيذ هجماتهم، فيبدأون أولاً بمرحلة الإستكشاف والإستطلاع حيث يكون البحث عموماً مقتصراً على معلومات موجودة في البريد الإلكتروني وغيره، لتأتي من بعدها مرحلة التسلح فيقومون بتطوير برمجية خبيثة ونشرها في الهدف المطلوب استهدافه، ومن ثمّ تأتي مرحلة التسليم فيقومون بإرسال البرمجية الخبيثة إلى الهدف عبر رسالة إلكترونية أو عبر اليو أس بي (USB)، ويأتي بعد هذه المرحلة مرحلة الإستكشاف، فيقوم القرصان باستكشاف كيفية برمجة البرمجية الخبيثة لتتناسب مع النظام المستهدف، ومن ثمّ يتم تثبيت البرمجية الخبيثة في النظام، فيتم التحكم بها عن بعد بحسب الحاجة ويتم تحقيق الأهداف المرجوة.

 

إن عدم إيلاء الأمن السيبراني العناية اللازمة من قبل الدولة، وعدم التوقف جدياً أمام مخاطر الخروقات السيبرانية التي قد تطال مؤسسات الدولة وجميع قطاعاتها الأمنية والإقتصادية وخاصة قطاع الإتصالات سيجلعنا في دائرة الخطر التي نعيش فيها أصلاً بفعل الحرائق التي تشتعل ويزيد إشتعالها كل يوم في محيطنا العربي، وهشاشة الوضع الداخلي الذي يسببه تمرد البعض على الشرعية وخلقهم كياناً مناقضاً لفكرة الدولة ومكرساً لواقع الدويلة.

وهنا نسأل، كيف لنا أن نتحدث عن أمن سيبراني في لبنان، إذا كان للدويلة بناها التحتية الخاصة في هذا المجال، كيف تبسط الدولة سلطتها على فضاءها السيبراني وهي عاجزة عن بسط سلطتها على أرضها، الى متى سيبقى لبنان رهين مغامرات ومشاريع إقليمية توسعية لا تقيم حساباً للمصلحة الوطنية، الى متى سيبقى أمننا الداخلي مربوطاً بما يحصل خارج الحدود، كيف لا وقد قرر البعض منفرداً ان يخوض غمار صراع بين الحق والباطل، فيساند الباطل ظناً منه أنه قادر على كسر إرادة الشعوب، أي مستقبل ينتظر أبنائنا وهم يعيشون كل يوم تداعيات إنتشار السلاح غير الشرعي داخل أرجاء الوطن، أي عدالة نطمح إليها في ظل مربعات أمنية أصبحت ملاذ لكل فار من وجه العدالة، علينا ولو لمرة واحدة أن نصارح أنفسنا ونقول بكل صراحة، إن المدخل لتحقيق الإستقرار والأمن الداخلي لوطننا يمر حكماً وأولاً ببسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وبحصر السلاح بالقوة الأمنية الرسمية حتى ننطلق معاً في بناء أسس الدولة الحديثة على كل صعيد.

إن مشروع قانون المعاملات الإلكترونية والذي يشكل خطوة الى الأمام ونقطة إنطلاق نحو محاربة الجريمة الإلكترونية، لم يتضمن تشريعات خاصة بامن الفضاء السيبراني وليس كافياً لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة ولا يغني عن إنشاء هيئة وطنية للامن السيبراني.

 

أن الدولة مدعوة للتعاون مع شركات متخصصة توفر مجموعة من الأنظمة التي تضمن الحماية السيبرانية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نظام Palisade™ وهو عبارة عن منصة تحتوي على أنظمة عدة تقوم بحفظ تاريخ الخروقات التي استهدفت الموقع أو شبكة المعلومات، وتقوم بتحليل البيانات، موفرةً معلومات شاملة للمعنيين عن التهديدات السيبرانية التي تستهدف برامجهم.

إن إنجاز هذه الامور لا يتم ما لم تتضافر الجهود بين مختلف الإدارات المختصة القضائية والأمنية والإتصالات وغيرها لإطلاق ورشة نهضة حقيقة على مستوى الوطن تواكب النهضة العالمية والعربية في هذا المجال.

 

أيها الحضور الكريم،

لقد انجزنا في وزارة العدل مشروع قانون يرمي الى إنشاء محاكم متخصصة في قضايا الإرهاب والجرائم الكبرى، لننتقل من العدالة الإنتقائية التي تمارسها بعض المحاكم الإستثنائية، الى العدالة الحديثة التي تنتهجها الدول المتقدمة المؤمنة بالحريات وبحق الدفاع كحق مقدس، لم يعد مقبولاً على الإطلاق أن نعيش في ظلام التخلف والغوغائية المدمرة التي يحاول البعض أن يدفن طموحاتنا في العيش الكريم وفي بناء الدولة القوية والمتمدنة والمتقدمة، تحت رماد نيران سلاحه غير الشرعي وحروبه المدمرة، علينا أن نطلق مسيرة بناء المؤسسات من جديد وفق النظم التي يعتمدها العالم المتقدم، فنحقق الحوكمة الإلكترونية ونطور قطاع الإتصالات ونعزز دور الأجهزة الأمنية الشرعية لتحمي أرض الوطن، وننشىء جهازاً متخصصاً يحمي فضائه السيبراني، إلا اننا وقبل أي شيء مدعوون لان نحصن أنفسنا من مغريات الفساد ومخططات الإفساد ونترفع عن المصالح الشخصية والفئوية والمذهبية والمناطقية لحساب المصلحة الوطنية، الفرصة ما زالت مؤاتية لنا جميعاً لكي نعود الى جذورنا فننحني أمام قدسية تراب بلادنا ونضع يداً بيد حجر الأساس لدولة القانون والمؤسسات التي ستبقى الضمانة الوحيدة لنا من أي خطر يداهمنا سواء أتي من الأرض أم من الفضاء.

في الختام، أتوجه بالشكر لمنظمي هذا المؤتمر وللمحاضرين وللحضور الكريم، أسأل الله أن نلتقى دائماً على ما فيه خير هذا الوطن، وأن تسود لغة العقل والعلم والمنطق على أي نقاش أو حوار بيننا، فكلنا للوطن، وللوطن علينا الكثير،

 

عشتم، عاش لبنان،

وطناً حراً سيداً مستقلاً لجميع أبناءه،

وطناً للحرية والعدالة،وطناً يسوده الأمن والأمان” .

لإضافة أي تعليق عليك أن تكون مسجلاً أو إضغط هنا للتسجيل

 

 

September 9, 2015 03:26 PM