IMLebanon

سد بريصا: خلل فني أم صفقات مشبوهة؟

Brisa-Dam-Dineya-Lebanon

بشير مصطفى

يبدو أن الخطة الوطنية للسدود واحدة من الأحلام الكثيرة التي تتهاوى في لبنان، وأكبر دليل على ذلك سد بريصا في منطقة الضنية، والذي بدأ إنشاؤه في ربيع 2003، عبر شركة “باتكو” التي يملكها بدوي أزعور والد الوزير السابق جهاد أزعور، لكن سرعان ما تم الكشف عن وجود تسرب للمياه بمحاذاة الجبل الملاصق للسد، ومن أرضيته.
بالرغم من ذلك، استمر العمل بالسد، وخضع لتعديلات متكررة خلال التنفيذ، أحدها عندما قرر المنفذون رفع سعته من مليون إلى مليون وثمانمئة متر مكعب، واستلزم ذلك رصد أموال إضافية، حيث إرتفعت الكلفة لتصل إلى نحو ثلاثين مليون دولار، الأمر الذي دفع البعض إلى وضع علامات إستفهام حول ما سمي “مزراب الربح”. وأشارت مصادر مطّلعة على الملف، لـ “المدن” إلى أنّ المخطط الأساسي للسد كان يفترض أن لا تتجاوز كلفة العشرة ملايين دولار، وهي قيمة القرض الذي وقع في عام 2001 بين الصندوق السعودي للتنمية ومجلس الإنماء والإعمار. اما الهدف من بناء السد فكان تحقيق إكتفاء لمساحات واسعة في الضنية وعكار والمنية من مياه الري من خلال تزويد السد بأقنية جر ضخمة، وإنشاء مزارع للثروة حيوانية، وأماكن للجذب السياحي على إرتفاع 2100 متر عن سطح البحر. لكن عند بلوغ موعد التسليم رفض إتحاد بلديات الضنية إستلام السد، لأنه لا يريد إبراء ذمة الشركة المنفذة، وكي لا يتحمل مسؤولية مشروع “تنفيعة” غير مطابق للمواصفات، خاصة وان ابناء المناطق المستفيدة من السد، وهي نمرين، قرصيتا، السفيرة، بيت الفقس، بطرماز، بقاعصفرين وعاصون، يتذمرون من النتيجة التي وصل اليها المشروع.

من ناحيته، يؤكد مصباح جمال الذي يعمل لصالح دار الهندسة الذي أشرف على بناء السد، حقيقة التسرب الحاصل، ولكنه في المقابل يرفض الحديث عن وجود خلل فني في البناء ويقول ان “السد سليم ولكن المشكلة في البحيرة، فأرضيتها لا تحبس الماء”. ويشير الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي، لـ “المدن” إلى أن المياه “إختفت داخل تشققات القعر الصخري الكربوني”، لافتاً إلى “جهل المنفذين لحجم الفراغات والمغاور في هذا الصخر الكلسي، التي قد تتضمن أنهاراً ومجاري عميقة”. ويرى زعاطيطي أنه “لا يمكنك إنشاء سدود على كارست ( طبشور) كونها لا تحفظ الماء بداخلها”، مؤكداً أن “ما جرى في سد بريصا سيتكرر مع خمسة سدود جديدة ستشيد فوق المخزون الجوفي الكارستي ذي النفاذية العالية نفسه، وأبرزها سدا جنة وبسري”. ويستند زعاطيطي إلى أحد التقرير القديمة للأمم المتحدة للتنمية حول المسطح الهيدروجيولوجي، والذي يذكر ان “65% من مساحة لبنان فيها مخازن كارستية وهي تحتوي على ثلاثة أرباع الثروة المائية اللبنانية كمياه جوفية، وهي تغذي 90% من الأنهار الدائمة والينابيع”.

محاولات الاصلاح

بعد الانتهاء من إنشاء السد وتسرب جزء كبير من مياهه، حاولت الشركة المنفذة معالجة الخلل، وتلزيم مهندسين لإجراء دراسة توضح مواطن الخلل، وخضع السد لمحاولتين فاشلتين لمعالجة أرضيته.
وبحسب جمال فإن الحل حالياً “بيد مجلس الإنماء والإعمار الذي يملك دراسة للمعالجة”. ويشير جمال إلى أنه تم الطلب من مصلحة المياه إفراغ الكمية المتبقية في أسفل البحيرة لمعاينة الأرضية “وكنا موعودين بمباشرة الإصلاحات هذه السنة ولكن لسبب ما لم تبدأ”.
وحول امكانية استعمال مواد بلاستيكية لتغطية القاع، يقول زعاطيطي إن تغطية القاع بالمادة البلاستيكية لن ينجح، وكذلك ضخ الباطون الاضافي، فقد “جربوا ضخ الباطون لتعبئة الفجوات في قاع السد، ولكن كل الكميات التي ضخت نفدت ولم تسد أي فراغ، كما حاولوا وضع أنواع من القماش المانع geo textile ولكن هذه المحاولة لم تفلح أيضاً”، متسائلاً عن السبب الذي يجعل المنفذين مقتنعين حتى الآن بأن “موقع السد ليس خطأ”. ويشبه زعاطيطي وضع السد بأحد سدود الموصل الذي تضخ فيه سنوياً مئتا مليون طن من الاسمنت لمنع إنهياره”، مرجعاً سبب الخلل في السدود إلى غياب الخبراء الجيولوجيين عن فرق العمل لصالح المهندسين المعماريين. ويقترح زعاطيطي الإنتقال من سياسة السدود إلى الآبار، لأن “المياه الجوفية متوفرة في منطقة الضنية بكميات ضخمة”، معللاً عدم الإهتمام بالآبار إلى عدم القدرة على الكسب كثيراً من إنشاء الآبار، فـ”البئر كلفته بين ستين ومئة ألف دولار، أما سد بريصا فبلغت كلفته حتى الآن ما يقارب الثلاثين مليون دولار، واستغرق إنشاؤه 12 سنة”.