IMLebanon

«سوني» .. سبعينية تحاول استعادة شبابها الغابر

Sony
كانا إناجاكي

بعد ما يقارب 70 عاما على إطلاق أكيو موريتا وشريكه ماسارو إيبوكا شركة هندسية كهربائية صغيرة داخل متجر خربه القصف في طوكيو، الشركة المنتجة لجهاز تشغيل الموسيقى المحمول “ووكمان” وأجهزة التلفزيون ترينيترون تحاول أن تتذكر كيف تتصرف مثل شركة شابة مرة أخرى.

بعد سنوات من الفشل في مجاراة نجاحاتها السابقة في العصر الرقمي، تحاول “سوني” أن تتفرع من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية التجارية التي كانت تهيمن عليها ذات مرة. تحت إدارة كازو هيراي، رئيسها التنفيذي منذ عام 2012، تنتقل “سوني” الآن إلى بعض الأعمال الجديدة المثيرة للدهشة، بما في ذلك مسابقات الرياضيات على الإنترنت، والخدمات العقارية، والطائرات دون طيار، وأجهزة تنظير الجسم.

يقول هيراي في مقابلة مع “فاينانشيال تايمز”: “من المهم أن تكون جريئا بما يكفي لتحمل المخاطر والدخول في مجالات عمل جديدة حيث نشعر أن بإمكاننا أن نبتكر ونحدث التغيير”.

و”سوني” ليست وحدها. صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية في اليابان تتكيف مع مشهد المستهلكين الذي تغير بشكل جذري، حيث أصبحت أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية والتلفزيونات الأكثر مبيعا تصنع خارج اليابان من قبل “أبل”، أو “سامسونج”، أو “لينوفو”. هذه التحولات أصبحت أصلا متقدمة بشكل جيد في شركتي هيتاشي وتوشيبا، التي انتقلت إلى قطاعات مثل السكك الحديدية ومحطات الطاقة النووية. وتخوض باناسونيك بشكل أعمق في قطاعي الإسكان والسيارات.

هيراي لا يسعى إلى مثل هذه الإصلاحات الشاملة العجيبة، إذ تستثمر “سوني” في أقسام كانت لديها لسنوات، بما في ذلك شبكة بلاي ستيشن وأعمال الأفلام والموسيقى. لكنها أيضا تحول تركيزها في مجال الإلكترونيات، مع التركيز بدرجة أقل على صناعة الأجهزة، وبدرجة أكبر على المكونات والبرمجيات.

يقول ماساكي أسوزو، الرئيس التنفيذي لقسم التعليم العالمي في “سوني”، الذي ينفذ مسابقات الرياضيات على الإنترنت: “نحن نعتبر أنفسنا شركة ناشئة. أريد أن أجلب الابتكار التخريبي من خلال برنامج”.

اللغة التي يتحدث بها أسوزو (40 عاما) وكثير من موظفي “سوني” الآخرين – تمتلئ بعبارات مثل “روح المغامرة” و”البنية التركيبية لسوني” – ترمز إلى جهود الشركة الرامية إلى إحياء الروح الإبداعية المتحررة التي أنجبت منتجات ناجحة مثل لعبة بلاي ستيشن وأجهزة الكمبيوتر فايو Vaio.

لكن إذا استندت تلك النجاحات على اختراع أداة ضرورية، فإن المشاريع الجديدة تشير إلى مستقبل ليس مبنيا بالضرورة على أجهزة “سوني”. قسم الطائرات دون طيار، مثلا، ليس حول بيع مركباتها الجوية غير المأهولة، ولكن حول مساعدة الشركات على مراقبة المحاصيل الزراعية وتحليل البيانات التي تم جمعها من قبل الطائرات دون طيار.

يقول كازونوري إيتو، وهو محلل في باركليز: “توسعت سوني مع الأجهزة، لكنها تغيرت مرات. لم يعد من الممكن لها البقاء على قيد الحياة فقط حول الأجهزة والتكنولوجيا”.

ويأتي هذا التحول في الوقت الذي تخرج فيه الشركة تدريجيا من إعادة هيكلة مرهقة امتدت عشر سنوات، شهدت تسريح أكثر من 35 ألف موظف. (أصبح لدى المجموعة الآن 131700 موظف).

وتحت إدارة هيراي تخلصت “سوني” من أعمال الكمبيوتر الشخصي وفصلت أقسام أجهزة التلفزيون وأجهزة ووكمان ليصبحا فرعين تابعين مملوكين بالكامل، بعد خسائر بلغت أكثر من ثمانية مليارات دولار على مدى السنوات السبع الماضية.

ومع ذلك، التجديد لم يكتمل بعد، ويشكك محللون فيما إذا كانت مشاريعها الجديدة سوف تولد على الإطلاق أرباحا سبق أن ولدتها أكبر منتجاتها المصنوعة عندما كانت في أوجها.

ولا تزال “سوني” تحاول إعادة بناء أعمال الهاتف الجوال الخاسرة لديها، التي سحبت الشركة إلى خسارة صافية قدرها 126 مليار ين (مليار دولار) في السنة المالية التي انتهت في آذار (مارس) الماضي. ومع تدفق الهواتف الأرخص من منافسين صينيين، مثل تشياومي، اضطرت “سوني” إلى توسيع نطاق أعمالها بشكل كبير مرة أخرى في الصين، أكبر سوق للهواتف الذكية في العالم، في الوقت الذي تكافح فيه من أجل اكتساب ميزة ضد “أبل” و”سامسونج” في الولايات المتحدة وغيرها من الأسواق.

ورحب المساهمون بقرار رئيس “سوني” فصل شركات الإلكترونيات ذات الأداء الضعيف – لكن هذا التحول يأتي أيضا مقابل تكلفة ضخمة. الهواتف الذكية، والألعاب، وأجهزة التلفزيون، وأجهزة الصوت، والكاميرات لا تزال تمثل أكثر من نصف إيرادات المجموعة التي يبلغ مجموعها 68 مليار دولار. ومع ذلك، فإن الأرباح التشغيلية المجتمعة من أقسام الإلكترونيات هذه – باستثناء الهواتف الذكية – لا تصل إلى مستوى الربح من الخدمات المالية التي تعتبر محرك الربح في “سوني”.

قال كينيتشيرو يوشيدا، كبير الإداريين الماليين في “سوني”، والثاني في هرم القيادة بعد هيراي: “إن تدابير إعادة الهيكلة تهدف إلى معالجة المشكلات المتراكمة على مدى السنوات. الآن نحن بحاجة إلى تغيير هذه العقلية لإيجاد فرص مستقبلية”.

أحد مهندسي الاستراتيجية الجديدة هو شينجي أوداشيما، البالغ من العمر 37 عاما، الذي درس كيفية تمكن التكتلات الناضجة الأخرى، مثل شركة بروكتر آند جامبل وجنرال إلكتريك، من مواصلة النمو. اقترح أوداشيما على “سوني” إنشاء قسم لشركات جديدة ترفع تقاريرها مباشرة إلى هيراي، على غرار المنظمات التي أنشأتها بروكتور آند جامبل وجنرال إلكتريك.

ويقول أوداشيما، الذي يشغل الآن منصب نائب المدير العام لدائرة إنشاء الأعمال الجديدة في “سوني”: “أصبح واضحا أن “سوني” كانت تواجه معضلة تواجهها الشركات الكبرى. كان هناك احتمال أن يفقد بعض الناس روح إنتاج أفكار جديدة”.

وبقيادة أوداشيما، أطلقت “سوني” العام الماضي برنامجا حيث يطرح الموظفون أفكارهم في اختبارات أداء تجرى مرة واحدة كل ثلاثة أشهر. وفي الاختبارات الأربعة الماضية، تم تقديم 450 مقترحا وتجاوز نحو عشر أفكار مرحلة الموافقة الأولية.

ويهدف البرنامج إلى جعل عملية تحويل الأفكار إلى منتجات، أو شركات أسرع وأسهل بالنسبة للموظفين ومن دون تورط في طبقات من البيروقراطية. ويمكن للموظفين أيضا جمع الأموال من خلال برنامج تمويل جماعي على الإنترنت. في الشهر الماضي، قدمت “سوني” ساعة يد تقليدية المظهر تسمى “وينا ريست”، تتميز بمحفظة إلكترونية. وقد كسب هذا المنتج حتى الآن ما يقرب من 380 ألف دولار من خلال التمويل الجماعي واستقطب 899 مؤيدا.

يقول بعض المنتقدين إن الحنين إلى جذورها باعتبارها شركة ناشئة يمكن أن يكون قد تشتت في الوقت الذي يجب فيه على “سوني” التركيز على اتخاذ قرارات صعبة حول المكان الذي يمكنها فيه كسب المال، مثل أجهزة استشعار الصورة المستخدمة في أجهزة آيفون التابعة لـ”أبل”.

ويقول كازوهيكو توياما، وهو مؤلف مساهم في دراسة بعنوان “عقود اليابان الضائعة”، أجرى دراسة حالة على “سوني”: “يبلغ عمر “سوني” 70 عاما. يجب أن تكون شركة ناضجة، وإثارة دهشة العالم ينبغي أن تترك للشركات الأصغر سنا”.

نجاحات “سوني” في العقارات والتعليم توسع أيضا نطاق أعمالها الواسعة بالفعل، التي تضم الأفلام والموسيقى والخدمات المصرفية والتأمين.

ويقول مدير صندوق في شركة إدارة أصول كبيرة في الولايات المتحدة: “لا أشك في أن انعطافهم الجذري يعتبر حقيقيا، لكن أنا لا أحب محفظة أعمالهم. إنها خليط من الشركات التي ليس لها أوجه تآزر مع بعضها بعضا”.

على الرغم من ذلك، الأعمال الجديدة بعيدة كل البعد عن كونها مفهوما غريبا بالنسبة لكثير من المديرين التنفيذيين والموظفين في “سوني”. وكانت المجموعة اليابانية قد دخلت أعمال التأمين على الحياة في عام 1979 وأنشأت شركة مصرفية عبر الإنترنت في عام 2001. وعندما دخلت في سوق ألعاب الفيديو في 1993، الناس كانوا يتساءلون كما يقول هيراي الذي قاد قسم بلاي ستيشن في أمريكا الشمالية في أواخر التسعينيات: “لماذا تدخل “سوني” في ذلك المجال؟ هل من المقرر لهذا أن يكون أعمالا أساسية للأبد؟”.

وبعد أكثر من عقدين من الزمن تعتبر أعمال الألعاب واحدة من محركات الربح الرئيسية لـ”سوني”، بتوليدها 16 في المائة من الإيرادات السنوية مع مبيعات هائلة لبلاي ستيشن 4، الأحدث في سلسلة الألعاب. وتعمل الشركة أيضا على توسيع أنموذج يعتمد على نظام الاشتراك، يستخدم شبكتها للألعاب وخدمة فيديو جديدة تسمى “بلاي ستيشن فيو”، يقول محللون إنها يمكن أن توجد هيكل أعمال أكثر ربحية واستقرارا.

ويقول هيراي: “عندما تتحدث إلى كثير من الموظفين العاملين في الشركات الجديدة والشركات التقليدية القديمة، يتطرق الناس إلى روح الابتكار وجذور “سوني” والبنية التركيبية ل”سوني”. الأمر لا يتعلق بالحنين إلى الماضي، لكنه يتعلق بمن نحن”.

كازو نيشياما، الرئيس التنفيذي ل”سوني” العقارية، يقول إنه يريد تكرار نجاح رئيسه السابق هيروكي توتوكي، الذي ساعد في إطلاق الخدمات المصرفية عبر الإنترنت في “سوني”. ويترأس توتوكي حاليا قسم “سوني” للهاتف الجوال ويشغل منصب مستشار في مشاريع جديدة. ويقول نيشياما (40 عاما): “أشعر بضغط قوي جدا. هيراي توتوكي أخبراني أنني أستطيع أن أفعل أي شيء شريطة ألا أؤذي العلامة التجارية لسوني”.

خدمة الوساطة في مجال العقارات في “سوني” مشابهة للأنموذج الأمريكي، حيث يعمل الوكلاء إما باسم المشتري وإما باسم البائع. وفي اليابان، غالبا ما يكون الوكلاء على كلا الجانبين، ما يوجد تضاربا في المصالح. ويقول نيشياما إنه يهدف إلى جعل الأعمال التجارية مربحة وإدراج أسهم الشركة قبل دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 2020، على الرغم من أنه امتنع عن تقديم هدف مبيعات.

في تقرير حول سوق العقارات في اليابان، قال محللون في دويتشه بانك إن دخول “سوني” هو أحد العوامل التي يمكن أن تساعد هذه الصناعة “لإصلاح هيكل الأعمال الذي عفا عليه الزمن”، الذي من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض الرسوم على المستهلكين.

هيروكازو هاسيغاوا، وهو أستاذ في كلية الدراسات العليا للإدارة في جامعة واسيدا، يحذر من أن عوامل النجاح للشركات الجديدة تعتبر مختلفة في كل مرة، ومحاولة تكرار الماضي يمكن أن تكون فخا. ويقول: “سوني شركة لديها ثقافة قوية جدا في مجال ريادة الأعمال التي تتطلب إبقاء التحدي مستمرا من أجل الابتكار. لكن إذا كنت تتشبث بقصص النجاح في الماضي، فإنها يمكن أن تعوق فعلا الابتكار”.

ويعترف تنفيذيون في الشركة بأن الانعطاف الجذري لـ”سوني” ليس كاملا. فلا تزال أعمالها للهواتف الذكية نقطة ضعف وآفاق النمو في شركات الإلكترونيات الاستهلاكية الأخرى، باستثناء الألعاب، تكاد تكون معدومة. ويعتبر كل من يوشيدا وتوتوكي من ذوي الخبرة في إطلاق مشاريع جديدة وتعزيز الشركات الناشئة، لكنهما معروفان أيضا بأنهما يخفضان التكلفة بصورة شديدة، الأمر الذي يمكن أن يكون قاسيا عندما يتعلق بالشركات ذات الأداء الضعيف.

ونسب إلى توتوكي قوله للموظفين عن طريق أوداشيما: “لا تزال التكاليف مستمرة في الزيادة في هذه اللحظة بالذات التي تتنفس فيها الهواء”.

وكثير من المحللين يرحبون بتركيز “سوني” على مجالات جديدة للنمو ولكن يشككون في أنها سوف تتطور إلى محركات كبيرة للشركة. في شركة “سوني” للتعليم العالمي، مثلا، تهدف الشركة إلى توليد عشرة مليارات ين من الإيرادات بحلول عام 2020 مع هدف هامش ربح طموح يراوح بين 20 و30 في المائة.

ويشير آخرون إلى أن على “سوني” أن تفكر فيما هو أكبر من خلال استهداف سوق مهمة في العالم الرقمي: السيارات. وتعمل جوجل بالفعل على سيارة ذاتية القيادة وأطلقت أبل مشروعها للسيارات، تحسبا لوصول السيارات المتصلة الذاتية القيادة. وتسعى “سوني” إلى الاستفادة من سوق السيارات، لكن بطريقة أصغر، من خلال توسيع مبيعات أجهزة استشعار الصورة من الهواتف الذكية إلى السيارات. ولم يستبعد هيراي بناء مركبة “سوني”، لكن ليست لديه خطط محددة ملائمة. ويقول “المكان الذي يمكننا فيه أن نحدث فرقا، سنكون فيه”.

ويقول إيتو من بنك باركليز: “آمل أن تعمل سوني بالفعل على صناعة سيارة. الآن هذه هي ممارسة روح الشركات الناشئة بالمعنى الحقيقي”.