IMLebanon

مؤسّسة لنشر ثوابت الجنرال ؟؟؟  (بقلم الدكتور جورج شبلي)

michel-aoun-2

 

 

كتب الدكتور جورج شبلي

 

ردّاً على بيان علم وخبر رقم 1818 بتأسيس مؤسسة لنشر ثوابت ميشال عون

 

من الطبيعي جدَا أن يتأقلم الأنسان مع مستجدَات محيطه , فالحياة لا تنتهج وتيرة واحدة , حتى قال بعض علماء الأجتماع أنها الجمع بين متناقضات أو محاولة تقريب المسافة بين الضد والضد . من هنا كان جليَا تلوَن الناس بألف لون واعتمار قبَعات مختلفة الأشكال تتناسب و تبدَل الأيام . لكنَ المستغرب أن يطال هذا التبدَل ثوابت الأنسان التي بنى عليها وجوده , وهي كثبات اسمه وشهرته وهويته الوطنية .وقد يعلن أحدهم موقفا ويحصد عليه ” جماهير ” مبايعة , ويستميت في تأكيده لعقود من السنوات , حتى أنَه يؤسس تيارا سياسيا مرتكزا على حيثيات هذا الموقف التفصيلية . وبسحر ساحر ومن دون أيَة مقدَمات أو أسباب موجبة , ينتقل الى النقيض , وكأن الموقف التأسيسي لم يكن .

ما كنت لأتناول هذا التطور الدراماتيكي في الموقف , لو كان الأمر متعلَقا بالتكتية أي بالوسيلة المودية الى الهدف , أو بضرورات حتمية متحكَمة بفعل التبدَل نفسه كالخطر على الحياة مثلا . لكنَ المشهد هنا غريب ويدفع الى الدعوة لأعادة النظر في خلفيَات الموقف التأسيسي , ومدى استغلاله من جانب صاحبه لتضليل التابعين له ومغنطتهم . فالجنرال عون أطلق , عندما تولَى الحكومة الأنتقالية التي كانت مولجة فقط الأعداد لانتخابات رئاسية , مجموعة من المواقف تصبَ في ظاهرها في خانة بناء الدولة وتعييش مؤسساتها ولا سيما الأمنية منها .وأوهم الجميع , بعد ذلك , أنه يخوض حروبه العبثية على هذا الأساس . وخلال أقامته ” الجبرية ” في باريس – المنفى ,توالى حراكه الأعلاني في سلسلة طويلة من التصريحات تمحورت على رفض أي حالة مناقضة للدولة التي ينبغي أن تكون وحدها ضابطة ألأرض ومرجعية الشعب .وقد شكَلت هذه الثوابت في ما بعد العمود الفقري للكتاب البرتقالي , ” فلسفة عقيدة ” التيار الوطني الحر . كما خيضت انتخابات 2005 ببرنامج توسَل ” طرح ” الدولة ليحصد العدد الأكبر من المقاعد النيابية المسيحية . لكنَ الجنرال , ومن دون أشارات , انقلب على نفسه واستدار بسرعة غير مبررة , فاستبدل أطار صورته أو استبدل صورته نفسها فلم نعد نعرفه , وليس في ذلك مبالغة . ويكفي أن نعيد الى الضوء الموقف المبدئي للجنرال من موضوع حزب الله كنقيض للدولة , ونقارنه بما يتحفنا به جنرال اليوم الذي يقدَم تغطية ” مميتة ” لمشروع هدم الدولة . يقول الجنرال في ال 2005 : ” ان اللبنانيين يفضَلون الأمن الشرعي …” و ” لبنان كدولة متماسكة وموحَدة يجب فرض سيادته الشرعية على كامل ترابه الوطني … ” و ” … أن اي ميليشيات تشارك هذه الدولة الأمن والحكم هي ميليشيات يعتبرها الغرب ميليشيات ارهابية ” و” ازدواحية الأمن الشرعي والميليشيوي لعبت دورا رئيسيا في عدم تشجيع المستثمرين  على المجيء الى لبنان كونه دولة غير آمنة وغير مستقرَة ” و ” استبدال الأمن الشرعي بالأمن الميليشيوي حال دون اجماع الدول المانحة على مساعدة لبنان اقتصاديا وماليا ” و ” أن الحزب الذي يتولَى الأمن في مناطق لبنانية واسعة … يتمتَع بنفوذ هائل داخل السلطة الى حدَ الأزدواجية ” و ” أن ازدواجية البندقية الأمنية … دعوة صريحة الى اسرائيل الى عدم الأنسحاب من المزارع ” و ” ان هدف المقاومة أبعد من لبنان وهي ستلحق بهذا البلد مشاكل خطيرة في المستقبل ” ……… هذه خلاصة موجزة للمواقف                         الصريحة من حزب الله والتي لم تصمد فتحوَلت الى مواقف أنقلابية   طغت على ظهوراته المتعاقبة في ما بعد .

ان السؤال البديهي الذي يفرض نفسه في هذا المجال هو التالي : لمَا كان  “حزب الله” لم يحدث أيَ انقلاب جذري في نهجه العام منذ تأسيسه وحتى الساعة وذلك على مستووي أهدافه وارتباطه , فما هي الدوافع الخفيَة التي حدت بالجنرال الى الأنقلاب على موقفه والعبور الى الضفّة المقابلة ؟ أن لبنان في نظر حزب الله كان وما زال ساحة مواجهة مفتوحة أكثر منه وطنا ودولة ومؤسَسات شرعية . وأكثر من ذلك , فهو منذ تأسيسه وحتى اليوم  لا يعترف بمرجعية الدولة اللبنانية بل يشير بوضوح الى ايران كمرجعية أساسية له. لقد ورد في البيان التأسيسي للحزب في العام 1985 ” اننا نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة تتمثَل بالوليَ الفقيه الجامع للشرائط “, وفي العام 1986 قال الأمين العام لحزب الله :” نحن لا نؤمن بوطن اسمه لبنان بل بالوطن الأسلامي الكبير” (النهار) , وفي العام 1987″ مشروعنا أن نعمل لتحويل لبنان مجتمع حرب”(السفير) , وفي العام 1988 “لا عجب أن ندعو الى أقامة دولة اسلامية في لبنان ” ( النهار ). كما أن الوثيقة الجديدة للحزب في العام 2009 تؤكَد على ان الدولة اللبنانية الحالية ليست الدولة “العادلةالقادرة القوية ” التي يتمنَاها الحزب , لكنه في الوقت عينه لا يساهم في أقامتها أذ أنَ تمسَكه بسلاحه يمنع الدولة من بسط سلطتها على كامل التراب الوطني , وكذلك رفضه التخلَي عن قرار الحرب ليكون في يد السلطة الشرعية يفقد الدولة هيبتها

يمكن مما تقدَم التوصَل الى الأستنتاج التالي : ان حزب الله ثابت في ايديولوجيته لم يغيَر فيها حرفا , قولا وعملا , وذلك على الصعد الأستراتيجية والسياسية والدينية . وهو لا يترك مناسبة الا ويعلن على الملأ استمرار ثبات هذه الحيثية غير عابئ بمن يرى فيها اعتداء سافرا على مفهوم الوطن والدولة . بينما نجد الجنرال الذي أوهمنا ب”نضال” مشهود لدعم فكرة الدولة , يجتهد في تغطية عورات حزب الله مزايدا على الحزب نفسه , ومحاولا أن يثبت أمانته على ” الوزنة” التي أعطاه أيَاها سيَده , فنمَاها لتصبح وزنات . لكنَ المكافأة الموعودة لن تكون بحسب ما يتمنَى ويشتهي .