IMLebanon

«جوجل فايبر» تكشف عدم المساواة الاقتصادية والعرقية في كانساس

google-fiber-box-630-375
ديفيد كراو

في وقت سابق من هذا العام، مارسيلو فيرجارا، أحد مطوّري التطبيقات في وسط مدينة كانساس في ولاية ميسوري، خسر اثنين من الموظفين، وتخلى عن الشركة التي توجد فيها خوادمه، وبدأ البحث عن مكان أصغر. قد يبدو هذا كما لو أن شركته “بروباجندا3” تُعاني مشكلات، لكن كل ما قام به هو تغيير مزوّد الإنترنت الذي يتعامل معه – إلى جوجل.

بدلاً من تخزين عمله على رفوف من الأقراص الصلبة، يحتفظ الآن بمشروع الشركة الحالي- كتاب تفاعلي للأطفال يُسمّى كونج فو روبوت – على خدمات تخزين عبر الإنترنت مثل دروب بوكس. وفي حين أن تحميل الملفات الكبيرة كان يستغرق ساعات أو حتى أيام، الآن يتم قياس التحويلات بالدقائق. “كنت أدفع 200 دولار شهرياً لأحد الموظفين من أجل إدارة الخوادم الخاصة بي. الآن انتقلت تماماً إلى خدمة السحابة”.

استفاد فيرجارا من العيش في “بلدة جوجل” – المعروفة خلافاً لذلك بمنطقة مترو أنفاق مدينة كانساس – المكان الذي اختارته أكبر شركة مُحرك بحث في العالم عام 2011 لبناء شبكة النطاق العريض فائقة السرعة، جوجل فايبر. بدأت “جوجل” في التعاقد مع الشركات مثل “بروباجاندا3” ضمن رؤية للشركات في خدمة النطاق العريض الخاص بها في نهاية عام 2014، بعد أن كانت قد ركّزت جهودها في البداية على سوق المنازل. السرعة المتوافرة للمستهلكين والشركات – ألف ميجابيت في الثانية – أسرع نحو 100 مرة من الاتصالات الأسرع المتوافرة عادةً في الولايات المتحدة.

وتكلفة خدمة جوجل أيضاً تبلغ جزءا بسيطا مما يتقاضاه مزوّدو الإنترنت الآخرون من الشركات الصغيرة: 100 دولار شهرياً مقارنة بالمبلغ المعروف في هذه الحالات، وهو 700 دولار. إلى جانب فاتورة كهرباء أقل بكثير، نتيجة التخلّي عن كل تلك الخوادم، يُقدّر فيرجارا أن مصروفاته الشهرية انخفضت بما لا يقل عن 1000 دولار، وستنخفض أكثر عندما يستبدل بمكاتبه ذات الحجم الكبير شيئا أصغر. يقول فيرجارا عن تسعير جوجل: “الجميع يضحك على التكلفة. لا بد أنهم يخسرون الأموال بكميات ضخمة. لكن افترض أنك يجب أن تنظر إلى الفائدة المُشتقّة: يعرفون عنّا الكثير مما كانوا يعرفونه من قبل”.

اعتقاد فيرجارا أن جوجل فايبر هي فعلاً بمثابة وسيلة لجمع البيانات الشخصية موجود على نطاق واسع في مدينة كانساس. لكن الشركة تُقدّم تفسيرا مختلفا. البنية التحية للإنترنت في أمريكا، مثل السكك الحديدية والجسور فيها، تتخلّف عن بقية العالم المُتقدّم: الأسعار أعلى، والسرعات أبطأ، و73 في المائة من الأُسر لديها خدمة النطاق العريض، مقارنة بـ 88 في المائة في ألمانيا والمملكة المتحدة.

هذه الحالة التي يُرثى لها في سوق المنازل تُشكّل مشكلة كبيرة بالنسبة لجوجل، نظراً لأنها تجني معظم أموالها من خلال بيع الإعلانات عبر الإنترنت. من خلال بناء شبكة تجريبية، كانت الشركة الراسخة في وادي السيليكون تنوي إظهار كيف ينبغي أن تجري الأمور.

بعد أن وضعت نحو 10 آلاف ميل من الألياف، جوجل انتهت هنا تقريبا، لكن طموحاتها توسعت. ما بدأ تجربة في الغرب الأوسط تحوّل إلى مشروع أكبر بكثير. جوجل فايبر متوافر الآن في أوستن في ولاية تكساس وبروفو في ولاية يوتاه، وهناك خطط لأخذه إلى 18 مدينة أخرى. لكنها لم تُعلن ما إذا كانت، أو متى، ستتوقف.

إذا كانت جوجل تأمل في بناء شبكتها في كل أنحاء الولايات المتحدة، فقد كانت مدينة تكساس مكانا جيدا للبدء منه. إنها نسخة مُصغّرة عن البلاد، مع اقتصاد يعتبر علامة على الأمة ككل. معظم الناس يعملون في وظائف متوسطة مثل التعليم والرعاية الصحيّة وتجارة التجزئة. لا يوجد قطاع واحد يُهيمن: هذه ليست بلدة في داكوتا الشمالية للنفط الصخري، أو مدينة للمال مثل نيويورك.

على الرغم من أن كثيرا من المدن الأمريكية تستطيع أن تدعي أنها مُنقسمة، إلا أن هناك القليل حيث الانفصال يُعتبر حرفيا للغاية. منطقة مترو أنفاق مدينة كانساس تتألف من مدينتين من المُدن المُتميّزة تتشاركان الاسم، لكن تملكان المجلس التشريعي والعمدة الخاص بكل منهما. الأولى تم إدراجها في ولاية ميسوري في عام 1853، والثانية في ولاية كانساس قبل عقدين من الزمن. وهناك تنافس شرس يعود تاريخه إلى الحرب الأهلية.

عندما نظمت جوجل مسابقة حتى تُقرّر أي المُدن ستحصل على جوجل فايبر، أعادت مدينة توبيكا القريبة تسمية نفسها باسم جوجل، في حين أنه في ساراسوتا في ولاية فلوريدا، حاول العمدة كسب الدعاية من خلال الغوص في خزان لأسماك القرش. مع ذلك، كانت مدينتا كانساس هما اللتان قدّمتا العطاء الفائز في لحظة نادرة من التعاون.

جوجل ليست الشركة الوحيدة التي لاحظت جاذبية الموقع. كريستوفر أيالا، المحامي السابق في صناعة النفط والأسهم الخاصة، يقول إن مدينة كانساس هي مكان مثالي لتطوير شركة ألكوهوت، وهي شركة ناشئة تصنع أجهزة قياس التنفس التي يتم وصلها بالهواتف الذكية. وقد انتقل إلى هناك مؤقتاً من نيويورك، حيث جذبه برنامج “المُسرّع” الذي يُحقق استثمارات بقيمة 120 ألف دولار في الشركات الصغيرة الواعدة التي تنتقل إلى المنطقة.

أيالا يعود إلى الساحل الشرقي الآن بعد أن انتهى برنامج المُسرّع، لكنه قرّر فتح مكتب محلي في مدينة كانساس. “إنها بمثابة قياس جيد لقاعدة الأمة بالكامل: شركات كبيرة، وشركات صغيرة تُديرها العائلة، وثروة قديمة، وثروة جديدة، ونظام تعليم مفكك، وفِرق رياضية كبيرة. من أجل بناء شركة ترغب بطرحها على الصعيد الوطني، فإن التجربة في هذا المجتمع أمر مُثير للاهتمام للغاية”.

وفي الوقت الذي تستعد فيه جوجل للمضي قُدماً، فإن البلدة تخضع لتدقيق مُكثّف. ويأمل كثير من السياسيين في أجزاء أخرى من البلاد أن يكون وصول جوجل فايبر عبر “جسر” أمريكا أمراً مهماً بقدر السكك الحديدية في القرنين الـ19والـ20، ما يُساعد البلاد على بناء اقتصاد رقمي دائم يُمكن أن يعوّض أعوام التراجع في الصناعة والزراعة.

انقسامات اجتماعية

لكن المشروع لم يكُن بدون مشكلات. إذا كان اقتصاد مدينة كانساس علامة على اقتصاد أمريكا، كذلك أيضاً تفعل انقساماتها العِرقية والاقتصادية. يعتقد بعض السياسيين المحليين أن النهضة الرقمية في المدينة استثنت أولئك الذين تفوتهم الأمور في كثير من الأحيان في الولايات المتحدة.

عندما بدأت جوجل فايبر أول مرة في ربط الأشخاص في مدينة كانساس في عام 2012، كانت الخدمة متوافّرة فقط لزبائن المنازل – ما سبّب الكثير من الإحباط لشركات التكنولوجيا الناشئة التي أرادت الوصول إلى السرعات الجديدة. بين باريث، مهندس البرمجيات المحلي، توصّل إلى خطة من شأنها “أن تستخدم بعض الأصول الطبيعية الموجودة لدينا، مثل ضيافة الغرب الأوسط القديمة الكريمة، من أجل ربط الشركات”.

في البداية حاول إقناع المتطوّعين للتبرّع بالغرف الإضافية لديهم لأصحاب مشاريع الشركات الناشئة. وبالفعل سجّل ست عائلات راغبة، إلا أن جميعه كانت تعيش في مناطق لن تحصل على جوجل فايبر إلا بعد عام على الأقل. لذلك أقدم باريث على ما يعترف أنه كان فكرة جنونية قدّمتها زوجته: “ماذا لو اشترينا منزلا ووضعنا فيه الشركات الناشئة؟”.

في غضون أيام وجدا نفسيهما يبحثان عن منازل في وادي الربيع، وهي منطقة كانت على وشك أن تعمل “بخدمة الفايبر” الأولى لجوجل في مدينة كانساس. وسرعان ما قدّما عرضاً على منزل مكوّن من خمس غرف نوم مقابل 50 ألف دولار. كانا يأملان بتمويل الإيداع من مُدّخراتهما، وتغطية دفعات القرض العقاري من خلال تأجير غرفة واحدة بالسعر السائد، ومنح الآخرين المجال مجاناً للشركات الناشئة الواعدة. عندما طلبت شركة القرض العقاري المزيد من الضمانات، قام باريث بصرف حسابه التقاعدي. وبعد بضعة أسابيع، ذهب إلى أحد مؤتمرات التكنولوجيا في ولاية أيوا للحديث عن “بيت القراصنة” الخاص به وهناك التقى ببراد فيلد، وهو من أصحاب رؤوس الأموال المُغامرة مقره في كولورادو. فيلد، أحد المستثمرين في المراحل الأولى في شركة فيتبيت، تحمّس للمُخطط وسأل ما إذا كان هناك أي شيء يُمكن أن يفعله للمساعدة. في عام 2013، اشترى منزلا، مباشرة خلف منزل باريث.

منزل فيلد يملك أنموذجاً مختلفاً. بدلاً من منح الغرف لأصحاب مشاريع أفراد، يُجري مسابقة سنوية للشركات الناشئة القائمة: تستطيع الشركة الفائزة استخدامها مقرا رئيسا لها، بدون إيجار، لمدة 12 شهرا. الآن وادي الشركات الناشئة في مدينة كانساس نما ليشمل أكثر من عشرة عقارات تأوي 25 شركة لديها نحو 80 موظفا. في الماضي كانت هذه المنطقة معروفة بسبب محالها التجارية العتيقة، أما الآن فقد أصبحت بمثابة مستوطنة تكنولوجية.

الشركة المُستأجرة المُنتهية مدتها في منزل فيلد هي Leap2، وهي شركة تعمل على بناء مُحرك بحث. في الداخل، المنزل لا يملك شيئا من الأناقة شبه الصناعية التي غالباً ما تكون الخلفية بالنسبة لشركات التكنولوجيا الناشئة. الستائر مرسومة بشكل دائم، والزخرفة الوحيدة هي ملصقات لفريق كرة القدم المحلي، كيه سي رويالز، وبعض النباتات الميتة الموضوعة في أوعية.

يقول مايك فارمر، رئيس شركة Leap2، الذي يحمل صفات صاحب مشروع شركة ناشئة: قميص عليه علامة صح، حذاء نايك، ولحية أنيقة: “أصدقائي في سان فرانسيسكو ونيويورك يقولون إنهم لا يعرفون كيف يُمكنني أن أفعل هذا من مدينة كانساس. لكنني لا أعرف كيف يُمكنهم إنجاز أي شيء. إنهم مجرد مُطاردي اتجاهات”.

يصف مجموعة المنازل بأنها المُعادل الحديث لكراجات كاليفورنيا التي وفّرت فيما مضى الإقامة لبعض أكبر الأسماء في قطاع التكنولوجيا. “إذا فكّرت بشركة هيوليت باكارد وشركة أبل، فقد كانتا شركتين ناشئتين بدأتا من الكراج. لكن ستيف جوبز وستيف ووزنياك كانا يعملان في مجال الأجهزة، لذلك لم يضطرا للحصول على سرعات عالية. هذا هو نفسه ما حدث لكن للشركات الناشئة الرقمية”.

رغم كل إيجابيته، من الواضح أن هناك أشياء بشأن كونه في مدينة كانساس تُثير الغضب. أصحاب المشاريع هنا يُكافحون لجمع الأموال: يُحدّد اثنتين من الشركات المنافسة في نيويورك كانت قد ضمنتا 36 مليون دولار فيما بينهما، في حين أن شركة Leap2 جمعت ثلاثة ملايين دولار. وندرة النقود تتفاقم بسبب مشكلة ثقافية: ضيافة مدينة كانساس نفسها التي جعلت قرية الشركات الناشئة مُمكنة في المقام الأول. الجميع، من العملاء إلى الشركاء، يجد صعوبة في الانتقاد والشكوى. يقول فارمر: “نيويورك لا تستخدم المداراة أو المواربة. هناك الناس سيقولون لا فقط. هنا الرفض بطيء. إنه أمر يتعلق بثقافة الغرب الأوسط. أدب زائد عن الحد. ولا يسمون الأشياء بأسمائها”.

التقى فارمر بزوجته، بريجيت، في واشنطن العاصمة، قبل الانتقال إلى سان فرانسيسكو ومن ثم إلى نيويورك. عندما أصبحت حاملا، انتقلا إلى مدينة كانساس لمساحاتها الخضراء ونوعية الحياة الجيدة فيها، كما تقول. وعاشت العائلة في إحدى الضواحي الراقية التي بنيت في العشرينيات من قبل جيسي كلايد نيكولز، المطور الذي كان له التأثير الكبير على الضواحي السكنية الأمريكية. على الرغم من أن العهود التقييدية التي استخدمها ذات مرة نيكولز لإبقاء العائلات الأمريكية من أصل إفريقي خارج المنطقة، لم تعد موجودة، إلا أن البيوت لا تزال محتلة تقريبا بشكل حصري من قبل عائلات البيض، مثلما كانت المدارس الخاصة المحلية حيث يرسل معظم الناس أطفالهم.

في تلك الليلة، اجتمعت الشركات الناشئة للاحتفال بافتتاح “قاعة جديدة للقرية” تستخدم جزئيا قاعة للمجلس البلدي، وجزئيا مساحة عمل مشتركة. معظم الأشخاص الموجودين من الذكور، من البيض حصريا وفي حالة ثمالة تامة. يبدو وكأنها حفلة لأولاد صاخبين لكن عندهم حسن تصرف.

لكن حين تستمع جيدا فإنك ستسمع لغة مختلفة. تلك ليست محادثات وإنما “صدامات”. كل تفاعل عبارة عن فرصة لمناقشة أفكار جديدة، ومبادلة مواضيع تويتر وتعريف الناس على الوسطاء. يتحدثون بلهجة مبجلة عن “وحيدات القرن” – شركات ناشئة مثل أوبر ذات تقييمات أكثر من مليار دولار – ويبهِّرون كلامهم بالأسماء الأولى لنجومهم المشاهير، مثل مارك (زوكربيرج، من فيسبوك)، ولاري (بيج، المؤسس المشارك لجوجل).

السؤال المعتاد للحفلة؛ “ماذا تفعل؟”، تم استبداله بالسؤال “ما هي شركتك الناشئة؟” كل شخص لديه شركة واحدة على الأقل، وبعضهم لديه أكثر. يدير جاسون جريل، محامي سابق، متجر جوارب عبر الإنترنت. “أنا لا أكسب راتبا. هناك أشهر جيدة وأشهر سيئة. لكن قد يكون الأمر أصعب فيما لو عملت في نيويورك”. ويقارن سكان مدينة كانساس دائما مدينتهم بنيويورك ووادي السيليكون، ممجدين قبل كل شيء تكلفة المعيشة الرخيصة فيها.

ويقول زعماء المدينة إنهم يريدونها أن تصبح البلدة الأكثر مشاريع في أمريكا، مقدرين أن 120 من الشركات الناشئة جاءت نتيجة لشركة جوجل فايبر. مع ذلك، حين كنت أتحدث مع الناس، أتساءل عن مدى حقيقة كل هذا. في مدينة كانساس، حيث تكون الحياة سهلة ورخيصة، تكون تكلفة الفشل رخيصة. وتبدو الكثير من الشركات الناشئة موثوقة، لكن بعضها يبدو وكأنه أقرب إلى كونه هواية، حيث إن مؤسسيها يدعمون الدخل بالعمل العادي في الحانات والمطاعم.

هناك واحد من الضيوف لم أتوقع رؤيته في الحفل: جين فوجل. تمسك بكوب وتبدو خجولة نوعا ما. فقط قبل ليال قليلة مضت، كانت تقف في قاعة مدينة كانساس، معلنة عن عرضها بإغلاق قرية الشركات الناشئة. قابلتها للمرة الأولى خلال الاجتماع الشهري للجنة التخطيط المحلية، حيث كانت تحاول إقناع المسؤولين بإلغاء التصاريح التي تحتاجها الشركات الناشئة في القرية لإدارة الأعمال التجارية وتشغيلها بعيدا عن المنازل السكنية. لو كانت قد نجحت، فإنه كان ينبغي إغلاق منازل مثل بيوت فيلد وبيوت باريث وإجبار مستأجريها على الانتقال إلى أماكن إقامة تجارية أكثر تكلفة، يقول كثيرون إنهم لن يكونوا قادرين على تحمل أعبائها المالية.

بقيت وحيدة أثناء ذلك الاجتماع، وزيها المصنوع من الصوف الأخضر طغت عليه القمصان الحمر التي كان يرتديها 20 تقريبا من رجال الأعمال الذين حاولوا الدفاع عن أنفسهم. اقترَبَتْ من المنضدة ممسكة بكيس أصفر مليء بالعرائض. وقع عليها 66 من سكان وادي الربيع، شاغلهم الرئيس هو نقص أماكن وقوف السيارات، وهي شكوى غير مدهشة في بلدة تمثل فيها السيارة كل شيء. مع ذلك، أظهرت تعليقاتهم أيضا الشعور بعدم الثقة والريبة في “الغرباء”، إضافة إلى الاستياء من أن بعض رجال الأعمال يستخدمون البيوت مساحة عمل رخيصة بينما يرعون عائلاتهم في أجزاء صحية أكثر من البلدة.

حكمت لجنة التخطيط ضد فوجل، معلنة استمرار دعم المجلس منذ زمن بعيد لمشروع القرية الناشئ. بعد ذلك، سمعت أحد رجال الأعمال يرفض تلك الشكاوى لأن “الأشخاص من الطبقة المتوسطة الدنيا يبحثون عن كبش فداء من أجل التغيير”.

في المساء التالي، تدعوني فوجل للانضمام إليها في نزهة لكلبها حول وادي الربيع. هناك برودة في الهواء الآن كون الشمس قد غابت. يبدو من الغريب أن هذا الحي الهادئ، مع بيوته المتواضعة المتشابكة، ينبغي أن يصبح نقطة ساخنة في تجربة جوجل الكبيرة.

بعيدا عن الطابع الرسمي لقاعة البلدة، تبدو فوجل، المسؤولة في الجامعة المحلية، أكثر ثقة، مع لسان حاد وفطنة وذكاء. تقول عن بعض رجال الأعمال في قرية الشركات الناشئة: “إنهم يعاملوننا وكأننا لا شيء، وكأننا غير متعلمين. هناك هذه الفكرة السائدة بأننا في منطقة أكثر فقرا ذات دخل متوسط أدنى، وأنهم هم الذين رفعوها نوعا ما، وبالتالي ليست منطقة مهجورة أو مهملة. لا يوافق كثير ممن هم في الحي المجاور على ذلك”.

تتكلم بشكل لاذع عن “الأثرياء حقا” الذين يأتون من مقاطعة جونسون، وهي إحدى الضواحي القريبة التي تعتبر واحدة من أغنى الأماكن في الولايات المتحدة. “أنموذج الأعمال فيها يعني شراء منزل بسعر أقل من 100 ألف دولار واستخدامه في الأعمال التجارية. تعتبر تجارة رخيصة للغاية على حساب حياتنا. وهذا قد لا يحدث أبدا في مقاطعة جونسون”.

لكن الخط الفاصل في كل هذا هو شارع تروست، الذي كان ذات مرة الحدود لأهداف تتعلق بالفصل العنصري: بحيث يبقى البيض إلى اليسار، والأمريكيون من أصل إفريقي إلى اليمين. وتختفي الشوارع النظيفة المليئة باستوديوهات اليوجا وأماكن الغذاء الراقية، فجأة، لتفتح المجال أمام الطرق المحفرة والجفاف الحضري.

يجلس ليروي، الذي فضل عدم ذكر اسمه الأخير، في شرفته أثناء شمس الظهيرة. أمضى 42 عاما وهو يعمل في محل للجلود، يسلخ الجلد والدهن من الماشية الميتة. لا يوجد لديه أي تمويل تقاعدي ويكافح من أجل دفع فاتورة الغاز. يقول: “لقد كانت هذه بلدة مثل غيرها”، مشيرا إلى صف من المحال كان من بينها محل للتنظيف على الناشف ومحل جزارة ومحل شواء. “أما الآن فهي أشبه بالبرية، البرية الغربية”.

فجوة رقمية

يقول إنها تغيرت تقريبا بين عشية وضحاها بعد يومين من أعمال الشغب في عام 1968. اشتعل العنف بسبب استجابة رجال الشرطة الخرقاء لمسيرة سلمية ضد رفض مدارس المنطقة السماح للطلاب الحصول على يوم عطلة لحضور جنازة مارتن لوثر كينج. “لقد أرسلوا لنا الحرس الوطني. لم تحل المشكلة أبدا”. إن قصة الانقسام العرقي في مدينة كانساس مماثلة لهذا بطريقة محبطة. أدى الدمج العنصري إلى هروب البيض، ومن ثم خروج جماعي لعائلات السود ذوي الطبقة المتوسطة، الذين تركوا وراءهم عمال تصنيع بأجور متدنية. أدى التراجع في الصناعات الثقيلة إلى حصول ارتفاع في معدلات البطالة وارتفاع حاد في مشكلات الجريمة والمخدرات.

إنها قصة يتقاسمها عدد لا يحصى من البلدات القريبة المجاورة. فيرجسون، المشهورة بإطلاق الشرطة النار على مراهق أمريكي من أصل إفريقي أعزل العام الماضي، تبعد مسافة ثلاث ساعات بالسيارة. حتى الآن، تعتبر المدارس في مدينة كانساس، ولاية ميسوري، من الناحية العملية تمارس الفصل العنصري، مع وجود جميع الأطفال البيض تقريبا في مدارس خاصة. فقط 9 في المائة من التلاميذ في نظام الولاية هم من البيض. تقريبا 90 في المائة يحصلون على وجبات غذاء مجانية. خلال السنوات الـ 20 الماضية، ظهرت حالة جديدة من عدم المساواة، “فجوة رقمية”. واحدة من كل أربع عائلات في مدينة كانساس ليس لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت.

عندما بدأت شركة جوجل بناء شبكتها، كان تضييق الفجوة أحد أهدافها. قال كينيث كارتر في عام 2012، عندما كان يعمل محاميا للسياسة في الشركة: “إن المشروع على وشك جعل الشبكة أفضل وأسرع – لكنه أيضا على وشك جعل شبكة الإنترنت أكثر سهولة للناس في جميع أنحاء مدينة كانساس. إن الدمج الرقمي هنا يعد أولوية لشركة جوجل”. لكن ليس هناك دليل يذكر على سد جوجل فايبر للفجوة، وتشير بعض الأبحاث المبكرة إلى إمكانية ترسيخها أوجه عدم المساواة القائمة.

تقدم الشركة حزمتين: خدمة واحد جيجابيت بسرعة فائقة جدا مقابل 70 دولارا في الشهر وخيار أبطأ بسعة خمسة ميجابيت بتكلفة 300 دولار مقدما أو 25 دولارا شهريا لمدة عام، بعد ذلك تصبح مجانية لسبع سنوات. لكن دراسة استطلاعية أجريت حديثا للأحياء المجاورة ذات الدخل المنخفض في مدينة كانساس، ولاية ميسوري، وجدت أن 10 في المائة فقط من السكان يشتركون في الخدمة السريعة، بينما يشترك 5 في المائة في الخدمة الأبطأ. وفي الأحياء المجاورة ذات الدخل المتوسط والأعلى، يشترك 42 في المائة في الحزمة الأسرع، بينما 11 في المائة يشتركون في النسخة الأبطأ.

ويكمن جزء من المشكلة في أن جوجل قامت ببناء شبكتها ذات النطاق العريض بطريقة غير تقليدية. وحتى تتحكم في التكاليف، أرست كابلات الألياف فقط في المناطق التي يوجد فيها طلب كاف. فإذا اشترك ما يكفي من العائلات خلال فترات الاشتراك المعروفة باسم “حشود فايبرهود”، فإن الشركة ستأخذ الشبكة إلى المناطق المجاورة. أما الذين لم يشتركوا في الوقت المحدد فقد فاتهم الوقت.

مارجريت ماي، وهي موظفة اجتماعية في آيفانهو، وهي منطقة مجاورة لا يمتلك أربعة من أصل عشر عائلات فيها جهاز كمبيوتر ويبلغ متوسط الدخل فيها 20 ألف دولار تقريبا.

تقول: “عندما جاءت جوجل فايبر إلى البلدة، كنا مصممين على بلوغ الهدف”. لكنها تقول إنه كان لديها مشكلات في إقناع السكان بالبدء بجزء من رسوم الاشتراك البالغة 10 دولارات، ناهيك عن رسوم التنزيل البالغة 300 دولار. “تبرع شخص لطيف جدا بمبلغ 500 دولار، لذلك تنقلنا بين المنازل وقمنا بتوقيع اشتراكات مع آخر 50 منزلا نحتاجها. لكن لم يكن الأمر سهلا”. وتبدي ماي قلقها حيال العائلات التي فاتها الأمر. “نحن ندخل عالما تتحرك فيه جميع المعلومات عبر شبكة الإنترنت، وهناك أشخاص لا يعرفون أي شيء عنها؟ إن ذلك مجرد مستوى آخر من الأمية. أشعر بالقلق لأن الناس قد يتخلفون”.

في شباط (فبراير)، أرسل عضو الكونجرس المحلي، إيمانويل كليفر، رسالة إلى لاري بيج، المؤسس المشارك لجوجل، محذرا من أن الإحصاءات الأولية (حول جوجل فايبر) تشير إلى بداية “حرمان رقمي في مدينتنا”. بعد شهر، أعادت الشركة افتتاح الاشتراكات في مدينة كانساس. وتقول جوجل إن نحو 96 في المائة من الأحياء استوفت هدف الاشتراك. وتقول أيضا إنه في كثير من المناطق الأفقر، أقنعت العائلات التي لم تشترك قط في اتصال واسع النطاق بأن تشترك للمرة الأولى. كما أعلنت أيضا خططا لتوسيع برامجها الإرشادية الرقمية.

مايكل ليماتا، القس الذي تحول إلى مبشر بالإنترنت ويدير موقع “الاتصال الحسن”، جمعية خيرية تحاول سد الفجوة الرقمية، يقول إنه كان من الحماقة التفكير في أن جوجل قد تقدم حلا سريعا: “هناك تاريخ لأكثر من 100 عام من التمييز العنصري في هذه البلدة. لذلك، عندما جاءت جوجل فايبر وبدأ الآخرون بالتحدث عن تغيير جذري، كنا نعلم أن ذلك كان أضغاث أحلام”.

ويقول ليماتا إن جوجل كانت سخية مع جمعيته الخيرية، بتبرعها بالمال وأجهزة الكمبيوتر. مع ذلك، يقول إن الخدمة غير جذابة للأشخاص ذوي الدخل المنخفض. إن المنتج الرخيص يعتبر قيمة جيدة على المدى الطويل، لكن لا يمكنك أخذه عند الانتقال، لذلك الاشتراك لا معنى له في المناطق الأشد فقرا، حيث يستبدل 40 في المائة من العائلات منازلهم قبل انتهاء العام. وحاول ليماتا إقناع جوجل بتثبيت اتصالات في مباني المجتمع، وتشغيل خدمة واي-فاي رخيصة في المناطق ذات الدخل المنخفض. رفضت الشركة ذلك، قائلة إنه يخالف شروط خدمتها. “إنها خيبة أملنا الكبيرة. لقد كنا نرغب في وصول جوجل فايبر للمناطق الأسوأ، حيث يمكن أن تحدث فرقا”.

أسير وراء شاحنة ليماتا الخضراء حتى وصل إلى مقر جمعيته “الاتصال الحسن”. إنها الساعة الثالثة بعد الظهر وغرفة الحاسوب مليئة بالأطفال الذين أنهوا المدرسة للتو. يقول طفل في السابعة من عمره إنه يأتي كل يوم أربعاء ليلعب الألعاب لأنه لا يملك جهاز حاسوب في البيت. أما أخته، البالغة من العمر 15 عاما، فهي تنجز واجبها في مادة التاريخ.

في حصة كمبيوتر للكبار، أقابل دونالد سيس، الذي جاء لشراء واحد من الأجهزة التي تتولى الجمعية تجديدها وبيعها مقابل 75 دولارا. هو شخص مولع بقراءة صحيفة “نيويورك تايمز” وكتابات فريدريك دوجلاس، الذي كان ينادي بإلغاء الرق في القرن الـ19. “أنا أتعلم مهارات الكمبيوتر لأنني أريد أن أكتب كتابا ذات يوم. تحصل على جهاز كمبيوتر، وتستطيع البحث عن الأشياء التي تساعدك لكي تصبح أفضل”.

كارول مايرز، معلمة متطوعة، تعطي قائمة بالأمور العادية التي تحصل الآن حصريا عبر الإنترنت: التقدم للحصول على مزايا التأمين الاجتماعي، والبحث عن منزل، ومقارنة الأسعار. تستذكر واحدة من النساء كانت معتادة على السير لأميال عديدة لتصل إلى سوبر ماركت رخيص ومن ثم تركب حافلة تتخذ طريقا التفافيا في طريق العودة إلى البيت. “لن أنسى أبدا وجهها حين تعلَّمَت كيف تشتري مواد البقالة عن طريق الإنترنت، وأن تكاليف التوصيل إلى المنزل هي أقل من أجرة الحافلة”.