IMLebanon

ماذا لو انتُخب سمير جعجع رئيساً للجمهورية؟

 

samir-geagea

 

كتب الوزير جو سركيس في صحيفة “الجمهورية”:

في كلّ أيلول نخرج من أعماق الوفاء للشهادة والشهداء، وعلى رأسهم الرئيس الشهيد بشير الجميّل، إلى ساحات الإحتفال بالذكرى. نحمل جرحاً في مكان وأملاً في آخر وعزماً على النجاح في الحالين. فلولا ذاك الأمل والوعد والحلم الماثل حقيقة في قلوب المناضلين والأوفياء، لما استُشهد مَن استُشهد ولما اضطُهد منا مَن اضطُهِد.في كلّ أيلول، وفي كلّ شهر ويوم ولحظة، يضجّ السؤال فينا من جديد، هل حقاً إنكسَر الحلم في ذاك الرابع عشر من أيلول، في ذاك اليوم الذي انهارت فيه الأعمدة وسقط بينها ومعها مَن سقط وما سقط؟ أين لبنان اليوم من ذاك اللبنان الموعود؟ وأين المؤسسات المتهالكة اليوم من تلك التي استعادت حيويّتها ونبضها في غضون أيام؟

ربما نحتاج بعضاً من الجرأة والصدق مع الذات لنقولها «لا» عالية، لا لم يسقط الحلم، لا يسقط حلم بحجم وطن… بحجم قضية. الرئيس الشهيد قال مرّة: «إذا متّ وما طلع من بعدي ستين ألف بشير، ستين سنة عليكن وعالقضية».

الستون ألف بشير هم في الواقع المؤمنون حقاً برجاء القيامة، قيامة وطن، والمتمتعون حقاً بذاك القليل من الإيمان الذي ينقل الجبال، والواثقون حقاً من أنّ الحقّ لا يموت ما دام هناك متطوّعون مناضلون مستعدّون لرفع المشعل وحَمل الأمانة حتى تُثمر التضحيات وتتحقّق الأحلام فيخلص الوطن والإنسان معاً.

وها هو اليوم حامل أمانة «القوات» والقضية، يحمل أمانة الوطن وينتشل الحلم حياً من بين الأنقاض ليرفعه إلى مصاف المشروع الرائد والحقيقة الماثلة في معرض التحقيق، في زمن ندرت فيه المشاريع التي تحاكي العقل لا الغرائز، وغابت عنه الحقائق التي تُثبت الحق ولا تجافيه.

في الزمن الذي كان الوطن آيلاً إلى السقوط، وفي عزّ الخيبة وذروة التعب أطلّ الرئيس بشير الجميل منقذاً باثّاً الأمل بدل الإحباط، والثقة مكان الشك فلاحَ في العيون طيفُ وطن.

واليوم في هذه الفترة العصيبة من تاريخ لبنان المحاكية لما كان عليه الوضع عشية إنتخاب بشير الجميّل رئيساً للجمهورية، ها نحن أمام مشروع دولة رائدة يطرحه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.

مشروعٌ أعادَ الأمل من جديد وصوَّب البوصلة في الإتجاه الصحيح، مدعوماً بأرضية صلبة من المواقف الثابتة والمبادئ السامية، وبشبكة متينة من العلاقات الدولية المتنامية التوسع، مؤكّداً بذلك شعار «لنبقى ونستمر»، وليس لنبكي ونستمر الذي يعيشه البعض من قليلي الإيمان.

في مثل هذه الفترة من كلّ سنة، أستذكر كما معظم اللبنانيين المرحلة التي مرت على لبنان في آب وأيلول من العام 1982، مسترجِعاً بمرارة صورة الحلم المستحيل الذي تحقّق ولكن لم يدم للأسف أكثر من واحدٍ وعشرين يوماً. الحلم الذي أصبح واقعاً بعد انتخاب الرئيس الشهيد بشير الجميّل، والذي أدّى إلى متغيّرات أساسية في المواقف السياسية وفي أداء المؤسسات العامة وحتى في سلوك المواطنين العاديين خلال الأيام الواحدة والعشرين من ممارسة الرئيس المنتخب مهامَه الجديدة.

وبينما هذه السنة الوضع مختلف بحيث تمرّ الذكرى ولبنان بلا رئيس جديد للجمهورية بسبب تعطيل انتخابه من الجهة المعروفة. لكنّ السبب سيزول في أيّ لحظة تاريخية تستجدّ خلالها تطوراتٌ داخلية ومتغيّرات إقليمية قد يستفيد منها صانعو القرار لتحقيق الإختراق.

ذاك الإختراق المُرتَجى في الجمود الرئاسي المستمرّ منذ ستة عشر شهراً لخلق ظروف مناسبة تؤدّي إلى إتمام الإستحقاق المنتظَر، لكي لا تبقى الذكرى محطة خيبة أمل وإحباط.

بهذه المناسبة ونظراً لتقارب الحالين في الشكل والمضمون، ووضعاً للأمور في نصابها الصحيح لا بدّ من إجراء مقارنة علمية بين المرحلة التي كانت سائدة قبل انتخاب الشيخ بشير الجميّل رئيساً للجمهورية وبين المرحلة الحالية، سواءٌ محلياً أو إقليمياً.

يتبيّن من هذه المقارنة بما لا يقبل الشك أنّ الظروفَ اليوم أفضل وأكثر ملاءمة لتحقيق الحلم والتأسيس للدولة الراعية القوية المنزَّهة عن الفساد. وعليه أنطلق في المقارنة من الشخص والظروف:

من ناحية الظروف السائدة والمحيطة يعلم الجميع أنّ لبنان وعلى رغم كلّ المشكلات والأزمات الحالية فهو غير مقسّم بخطوط تماس نفسية وميدانية كما كان عليه الوضع عشية انتخاب الشيخ بشير الجميّل. فالجيش، وهو المؤسسة الوطنية التي نعوّل عليها اليوم ونطمئنّ لتماسكها، كان مقسّماً لجيوش متعدّدة الأهداف والولاءات. ولم يكن هناك لا حوار ولا حتى تواصل إلّا في الحدّ الأدنى. فيما البلد مدمَّر والمؤسسات مشلولة.

أما لناحية المميّزات الشخصية فواحد من مفاخر المقاومة اللبنانية أنها أنجبت قادة تاريخيين. قدّمت بشير الجميّل رئيساً فذاً مغيّراً للمعادلات ورافعاً لآمال الشعب. وقدّمت سمير جعجع رجلَ الدولة والمبادئ الذي آثر الإعتقال 11 عاماً على المشاركة في حكومات الوصاية والفساد. وخرج زعيماً وطنياً عابراً للطوائف وفارضاً نفسه رقماً صعباً في المعادلات السياسية المحلية والإقليمية.

فالدكتور سمير جعجع شخصية وطنية منفتحة على الجميع. وباعتراف العديد من القادة السياسيين والمراقبين أنه خلال عشر سنوات «لم يرتكب أيّ خطأ»، عبارة نسمعها كلّ يوم حتى من ألدّ الخصوم. لم ينغمس في ما تشكو منه الحراكات الشعبية بل كلّ الشعب اليوم من قذارات.

فوزراء «القوات» في المشاركات القليلة عبر حكومات سابقة لم ينغمسوا في أيّ ممّا يُثار وما لم ينكشف بعد من فضائح، ونواب «القوات» على مدى عشر سنوات لم يكونوا إلّا خير مثال للعمل التشريعي والسياسي الكفوء.

والدكتور سمير جعجع صاحب مشروع رئاسي وطني وشامل أعلنه غداة ترشحّه للرئاسة الأولى، ذهب إلى أبعد من النقاشات الباهتة، طارِحاً مشاريع متقدِّمة ملحّة بينها تطبيق الحكومة الإلكترونية ومحاربة الفساد وحملة مكافحة المخدرات، وغيرها من العناوين الكبرى في السياسة والدفاع والقضاء والأمن والصحّة والتربية والإقتصاد وعلاقات لبنان الدولية.

وهنا أطرح السؤال، ماذا لو تقاطعت الظروف الإقليمية والدولية والتقت على تسهيل انتخاب رئيس في لبنان، وهو ما يُفترض أنه بات غير بعيد؟ ماذا أكثر لو استفاقت الهمّة الوطنية لدى النواب المقاطعين ونزلوا إلى المجلس النيابي في أوّل جلسة محدَّدة لهذا الإنتخاب، وأدلوا بأصواتهم بكلّ ديموقراطية، في ممارسةٍ يحنّ إليها لبنان منذ زمن؟

فوسط التأييد الواسع الذي بات يحظى به الدكتور سمير جعجع داخلياً، والترحيب ذي المدلولات الذي يحظى به إقليمياً، هو الأوفر حظاً والأكثر كفاية لتسلّم دفة البلاد والسير بها إلى الشاطئ الآمن الذي يتوق الى بلوغه جميع اللبنانيين ولو تمايزوا في الأساليب والمواقف.

وتأكيداً لذلك يجدر بنا السؤال أيضاّ أيّ رئيس نريد للبنان، وتحديداً في هذه الظروف العصيبة؟ ألا نريد رئيساً نظيفاً حرّاً سيّد قراره يعرف ماذا يريد، صلباً مثقّفاً متمسّكاً بالمبادئ، منفتحاً على الجميع؟ ألا نريد رئيساً وقَف ولو مرّة على قبر شهيد وفياً لتضحيات السابقين متمرّساً في السياسة اللبنانية ومتفهّماً لهواجس وتمايزات عناصر التركيبة اللبنانية؟

لا لم ينكسر الحلم. قد يكون علاه الغبار بنتيجة التفجير الذي أودى بحياة الرئيس المنتخب بشير الجميّل وثلة من الرفاق، وهو أفقد البعض الرؤية فأضاع الهدف.

لكنّ بيننا مَن نفض تلك الغبار وأعاد الحلم إلى عيون المؤمنين بقدرة هذا الوطن على النهوض دوماً، مهما تعرّض لكبوات أو أصابه من هزات، مجسّداً مرة أخرى شعار «لنبقى ونستمرّ» والذي يجب أن يكون شعاراً لجميع اللبنانيين. هو أكثر من ذلك يضع اليوم الحلم على منصة الواقع وسكة التحقيق.

وللذين يدّعون أنّ الأمر بعيد والظروف غير مؤاتية، نقول ليس هو اليوم أبعد ممّا كان عليه الوضع عشية انتخاب الشيخ بشير الذي اعتبر البعض أنّ وصوله إلى الرئاسة من رابع المستحيلات. وليس رفض بعض القوى لوصول الدكتور سمير جعجع إلى الرئاسة أشدّ صلابة أو تأثيراً ممّا كان عليه رفض القوى السياسية والزعامات الوطنية يومها لرئاسة الشيخ بشير.

أكثر من ذلك ما يُطمئن في هذا السياق أنّ الذين كانوا رافضين لانتخاب الشيخ بشير رئيساً (ومنهم على سبيل المثال الرئيس صائب سلام)، عادوا وأيّدوه بعدما تلمّسوا سلامة مسيرته وصدق تصميمه ونبل أهدافه، تحوّلوا خلال أيام معدودة من رافضين إلى مؤيّدين بل داعمين.

وهذه أمثولة تصحّ جليّة لمَن يجاهرون اليوم بعدم تأييدهم تبوُّء الدكتور سمير جعجع سدة الرئاسة اللبنانية، فالثابت أنّهم سيوالونه بمحض ثقتهم عندما يلمسون يقيناً أنّه رجل المرحلة ومشروع بناء دولة تُظلّل الجميع وتوفّر الأمن لكلّ مكوّنات الوطن والرفاه لجميع اللبنانيين.

وأنّ إنتخابه ليس انتصارَ فئة على أخرى بل إنه انتصارٌ للجميع، وأنّ مشروعه ليس لجماعة دون أخرى بل لكلّ الوطن بكلّ مكوّناته، لأنه مشروع انتصار لبنان على أعدائه وقيامة لبنان لكلّ أبنائه.