IMLebanon

مخاوف الإحتياطي الفدرالي ومعدلات الفوائد

The-US-Federal-Reserve
بروفسور غريا صعب
وسط المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي وتقلّبات الاسواق المالية وتباطؤ التضخم، وعلى رغم بيانات البطالة المشجّعة، أقدمَ الفدرالي الاسبوع الماضي على إبقاء أسعار الفوائد على حالها تاركاً الباب مفتوحاً امام إمكان رفعها في فترة لاحقة من هذا العام.
ظهرت خلافات في الرأي بين مُستشاري الفيدرالي الاميركي الذين رأوا أنه من الافضل ألّا يحدث أيّ تغيير قبل عام ٢٠١٦، علماً أنّ الفيدرالي يراهن الآن على تحسّن أسواق العمل وظهور إشارات الى ارتفاع نسبة التضخم. وبينما يَرقى الى انه انسحاب تكتيكي، قالت يلين انّ التطورات في الاقتصاد العالمي مرتبطة الى حد بعيد بالقرار الذي اتخذه الاحتياطي الفيديرالي.

وكما هو معلوم انقسمت الآراء حول ما اذا كان المجلس الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفوائد نهار الخميس الماضي للمرة الاولى منذ العام ٢٠٠٦، وعلى رغم أنّ الفيدرالي ترك الباب مفتوحاً، إلّا انّ القرار انسحب خسائر على الدولار الاميركي امام اليورو وأمام سلّة من ست عملات رئيسية. لذلك، قد تكون خطوة الفيديرالي، وعلى رغم الزخم في الاقتصاد الاميركي، قد تأثرت بواقع الاسواق العالمية الحالي.

وعلى رغم قول يلين انّ شهر تشرين الأول يبقى احتمالاً وارداً، الّا انه وعلى ما يبدو هنالك شك في انّ البيانات الاقتصادية سوف تتغير كثيراً في هذه الفترة، ما يعني أنّ خطوات الفيديرالي أصبحت رهينة مخاوف من الاقتصاد العالمي وتقلبات اسواق المال وتباطؤ التضخم ووضعية الصين، التي أقلّ ما يُقال فيها انها غير شفّافة حسب Mark Zauke، كبير الخبراء الاقتصاديين في وكالة moody›s، والذي قال انه من غير الواضح ما يجب مراقبته من مؤشرات وفي أي وقت سوف ترفع أسعار الفوائد.

وقد تكون الولايات المتحدة على وشك تحقيق نسبة عمالة كاملة، ما يعني زيادات في الاجور وتسريعاً تلقائياً لعملية التضخم عندما يرى أرباب العمل صعوبة في توظيف العمّال من دون دفع مرتّبات أعلى. هذا هوالمنطق الاقتصادي، امّا تحركات سوق العمل والاجور فتبقى عُرضة لعدة معطيات، أهمّها مرونة سوق العمل واستجابة الاجور لهذه المرونة.

كذلك، انّ أحداث الاسابيع القليلة الماضية أظهرت انّ ميزان القوى في المجلس الاحتياطي الفيديرالي يميل لناحية المجموعة التي تفضّل الانتظار، هذا مع العلم انّ التأجيل سيؤدي الى اضطراب أسواق الأسهم أكثر ممّا سبق وشاهدناه.

ومن خلال هذا المشهد يبدو انّ الفيدرالي قد وضع أولوية للمشهد الاقتصادي العالمي وعدم استقراره، على رغم انّ هنالك فوائد عدة من ارتفاع الاسعار يَتفق عليها علماء الاقتصاد، وأهمها:

١ – عائدات أعلى للمدّخرين لا سيما كبار السن والذين يعتمدون على الايرادات المتأتية من الفائدة لتغطية النفقات المعيشية.

٢ – مزيد من الاقراض ما يعزّز النمو الاقتصادي.

٣ – ترويض التضخم لا سيما انّ ارتفاع اسعار الفوائد قد يشمل انخفاض اسعار السلع الاستهلاكية المستوردة بسبب احتمال ارتفاع قيمة صرف الدولار.

هذه الامور وإن كانت صحيحة إقتصادياً، الّا انه وعلى ما يبدو فإنّ مجلس الاحتياطي ليس على عجلة من أمره بالنسبة لها، لا سيما انّ الناتج المحلي في نموّ مستمر والبطالة على تراجع والتضخم، وإن لم يصِل بعد الى عتبة الـ ٢ في المئة المرجوّة، الّا انه يقترب منها تدريجاً.

لذلك، نرى انّ اميركا ليست على عجلة من أمرها، وهي في حالة ترقّب لِما يجري حولها، لا سيما في الصين واوروبا والبلدان الناشئة، والتي تعتبر انّ ارتفاع اسعار الفائدة الاميركية سوف يضعها تحت وطأة ديون متزايدة.

كذلك، يراهن بعضهم على انّ الأيادي الاميركية متربطة بالتطورات الحاصلة في الصين وما قد تؤديه هكذا خطوة من إثارة أزمة في الاسواق الناشئة، والأهمّ من ذلك زيادة الطلب على الدولار ما قد يُعرقل انتعاش الاقتصاد الاميركي، (علماً انّ اميركا وميزان مدفوعاتها لا تعتمد كثيراً على الصادرات).

لذلك، قد تكون حالة الترقّب هذه، وبانتظار مؤشرات اقتصادية جديدة تدعم سوق العمل وتزيد من نسَب التضخم، وَقتية إنما غير أكيدة في ظل أسواق مالية متقلبة وفَقّاعات قد تؤدي الى ما يسمّى (Bubble) كان يمكن تفاديه لو انّ الفوائد ارتفعت وَلو قليلاً.

في خضمّ هذا المشهد: مشهد أميركي داخلي متفائل بأنّ الامور تسير نحو الأحسن، وآخر خارجي ضبابي غير شفّاف يعقّد الامور اكثر واكثر، جاء قرار الفيديرالي فقط ليعطي فسحة جديدة ريثما تستقيم الامور اكثر، أقله في الصين.

لذلك، جاءت توقعات الاقتصاديين والاستراتيجيين متناقضة وغير مستندة الى أمور اقتصادية او مؤشرات تدعم توقعاتهم. كذلك، جاءت قرارات الاحتياطي الفيدرالي على بَينّة من جميع التوقعات، لا سيما انّ الدوَل والشركات والمستثمرين أصبحوا في حالة استعداد لمِثل هذا الارتفاع في اسعار الفوائد.

واذا ما حذّر بعضهم من انّ ارتفاع اسعار الفوائد سوف يكون خطأ فادحاً، لا سيما من وجهة نظر اندرو ليفين الذي شغل منصب المستشار الخاص لرئيس الاحتياطي الفيديرالي السابق برننكي وخَدم كذلك مع جانيت يلين بين عامَي ٢٠١٠ – ٢٠١٢، والذي شدد على انّ الولايات المتحدة لا تقترب بعد من مستوى العمالة الكاملة، لذلك فإنّ أيّ خطأ في تغيير الاسعار حالياً قد ينعكس سلباً على الاقتصاد وسوق العمل، ويَتوجّب ثبات سياسة الاسعار هذه حتى العام ٢٠١٦.

وفي الاقتصاد كثيراً ما تتغيّر الامور، وقد تأتي المعطيات مغايرة للتوقعات. والاسواق المالية ليست بحالة استقرار كما سبق وذكرنا. أمّا الصين، وإنّ كانت محصّنة بأربع تريليون دولار من الاحتياط، الّا انّ سوقها المالي معرّض في كل لحظة، ما يعني انّ اميركا مُكبّلة اليدين حالياً وخطوات المركزي ضعيفة خائفة مُتحجّجة بالمناخ الاقتصادي العالمي المتقلّب، والذي قد لا يتحسّن في القريب المنظور. لذلك، لن تكون الخطوات المستقبلية أكيدة، وأيّ تغيير في العام ٢٠١٥ غير وارد اذا ما كانت الحجَج نفسها.

يلين خائفة ومترددة، والمستشارون يريدون رفع الفوائد، والاسواق العالمية متقلّبة، والشكوك تسود حيال قرارات المركزي والسياسات المالية وتَبعاتها على الاسواق والاقتصاد.