IMLebanon

الحراك وحضور لبنان على طاولة مطالب المنطقة

lebanon-manifestation-23-august

 

كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:

يترقّب لبنان تطوّرات المرحلة المقبلة أمنياً وسياسياً، واتجاه الشارع مع ارتفاع منسوب التحذير من الفوضى نتيجة غياب الحلول الجذرية والمقنعة.تبدّلت المعطيات التي حكمت الواقع السياسي اللبناني منذ العام 2005 بعدما كان الكباش محصوراً بفريقي «8 و14 آذار»، ففي تلك الفترة لم يكن هناك مجال للخرق أو الوسطية.

ومع تطوّر النزاع الإقليمي وأخذه الطابع السنّي- الشيعي خصوصاً في العراق وسوريا واليمن، كان من المتوقع أن ينعكس ذلك مزيداً من التناحر المذهبي في لبنان، لكنّ الامور ذهبت الى منحى مغاير تماماً، فتألّفت حكومة الرئيس تمام سلام التي أعادت تيار «المستقبل» الى السلطة حيث جلس الى جانب «حزب الله»، قبل أن يبدأ حوار ثنائي بينهما لتخفيف حدّة الإحتقان المذهبي.

سبح لبنان عكس تيار الصراع السنّي- الشيعي المتأجج في المنطقة، وبرز معطى جديد خرَق الجمود السياسي، وتمثّل في دخول الحراك المدني قوة ثالثة هدفت الى ضرب القوّتين الرئيستين أيْ «8 و14 آذار»، مستفيداً من أخطاء القوى السياسيّة الحاكمة وفشلها في إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية وعجزها عن حلّ أبسط المشكلات الحياتية وعلى رأسها أزمة النفايات المستعصية.

يستغرب البعض لماذا قامت الحركات المطلبية في هذا التوقيت المتشنّج بالذات، مع أنّ المشكلات اليومية من طبابة وإستشفاء الى كهرباء ومياه وفساد ينخر مؤسسات الدولة، قائمة منذ مدة، إضافة الى إطباق الطبقة السياسية على الحكم وعدم إفساحها المجال لقوى جديدة تُحدث التغيير المطلوب والإصلاح الضروري في بنية الدولة.

ومع الحديث عن وجود قوى خفية تدعم الحراك المدني، يرى المراقبون أنه لا يمكن إغفال دور المعطى الخارجي في أحداث الداخل، والسبب يعود الى إلتقاط إشارات خارجية مفادها أنّ السوريين واليمنيين والمصريين والليبيين والتونسيين إنتفضوا لتحقيق مطالب سياسيّة وحياتية، ومنهم مَن سلكت ثوراتهم طريق الهدوء الحذر مثل مصر وتونس، وآخرون ذهبوا نحوَ العنف لقلب النظام القائم.

وفي هذا الاطار، فإنّ تحرّك الشعب اللبناني أكثر من ضروري في هذه المرحلة، لأنه عندما يَحين وقت التسوية، ستنتهي مشكلات المنطقة، وعندما يجلس الجميع على طاولة التفاوض والحلول فإنّ كلاً من هذه الشعوب سيطرح مطالبه، وإذا لم يطرح الشعب اللبناني أيّ مطالب فإنّ التسوية ستمرّ من دون أن يأخذ نصيبه منها خصوصاً في الملفين الاجتماعي والاقتصادي.

من هنا أتت الثورة اللبنانية المطلبية لاستلحاق ثورات المنطقة قبل فوات الآوان، لأنه بعد كلّ حرب يأتي الإنماء وإعادة الإعمار، ومشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية خير دليل على ذلك.

ويطمئنّ الجميع الى أنّ حجم الحراك سيبقى محصوراً بمطالب محدّدة ولن يصل الى درجة إسقاط النظام لأنّ النظام اللبناني مغاير تماماً للأنظمة العربية.

أما أمنياً، فلا تخوّف جدّياً من انفلات الشارع واتجاهه نحو المواجهات العنفيّة على رغم بعض أعمال الشغب، مع أنّ الحذر واجب. ويعود سبب الإطمئنان الأمني الى أسباب عدة أبرزها أنّ المتظاهرين لا ينتمون الى أحزاب منظمة قادرة على كودرة الشباب وتسليحهم، كذلك فإنّ المواجهة تأخذ طابع حراك شعبي ضدّ الطبقة السياسية ولا ترتدي طابعاً طائفياً، إسلامياً- مسيحياً، أو سنّياً- شيعياً، ولا تأخذ طابعاً مناطقياً مثل عين الرمانة- الشياح أو التبانة- جبل محسن أو الطريق الجديدة- الضاحية الجنوبية. كذلك، فإنّ مثيري الشغب ليسوا كثراً، ويتم ايقافهم بعد كلّ عمل مُخلٍّ بالأمن.

قد لا تكون هناك نية لتفجير الوضع الداخلي، خصوصاً مع وجود قرار إقليمي- دولي بالحفاظ على إستقرار لبنان ودعم المؤسسات الأمنية والعسكريّة، لأنه لا يجب غضّ النظر عن خطر «داعش» ومكافحة الإرهاب، من هنا على الحراك أن يلتزم الإستقرار العام وأن يصوّب بوصلة تحركاته لكي لا يقع لبنان في المحظور.