IMLebanon

أوروبا و المهاجرون: من ينقذ من؟

Munich-Refugees-germany
قد يجد اقتصاد أوروبا المسن في أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية مصدرا لدماء جديدة حتى وإن كانت الضبابية الشديدة بشأن حجم الهجرة في المستقبل وكيفية دمج المهاجرين تخيم على أي توقعات للمدى الطويل.

ومع اقتراب فصل الشتاء فقد شهد شهر سبتمبر أيلول تباطؤا طفيفا فحسب في موجات تدفق اللاجئين إلى أوروبا هذا العام والذين يفرون من الفقر والحرب في الشرق الأوسط وأفريقيا.

فقد دخل إلى دول الاتحاد الأوروبي نحو 170 ألف “مهاجر غير نظامي” الشهر الماضي بحسب وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس ليصل عددهم الإجمالي منذ بداية العام إلى 710 آلاف.

ويعادل هذا بالفعل نحو ثلاثة أمثال عددهم في 2014 بأكمله ومن المتوقع على نطاق واسع أن يتجاوزوا المليون مهاجر بنهاية العام.

وتشير بعض التقديرات الخاصة إلى أن الهجرة الصافية إلى الدول التسع عشرة الأعضاء في منطقة اليورو هذا العام بلغت نحو 1.6 مليون مهاجر.

ولأشهر امتزجت روايات المآسي الإنسانية ومحاولات التسلل بحكايات الفوضى والارتباك في الأراضي الأوروبية والحدود البحرية. وفي تلك الأثناء ظهرت أوجه القصور في أداء أجهزة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تكافح لتقرر أعداد المهاجرين الذين ستقبلهم وأماكن تسجيلهم وإيوائهم.

وتعهدت ألمانيا باستقبال 800 ألف من طالبي اللجوء في أراضيها بينما يخطط الاتحاد الأوروبي لتوزيع 120 ألف لاجئ على دوله الثماني والعشرين.

وبمرور الأسابيع وتتابع الأخبار اضطر الخبراء الاقتصاديون أيضا إلى وضع تقديرات عن تأثير صدمة الهجرة تلك على مثل هذا الاقتصاد الغني نسبيا لكن ذلك يتزامن مع تراجع في أعداد المواليد والقوة العاملة وانحسار النمو الاقتصادي القوي.

ورغم المحاذير والتحفظات سارع معظم أصحاب التوقعات إلى إظهار التأثير الإيجابي للهجرة على العمالة المتضائلة بسبب زيادة أعداد كبار السن وعلى انحسار معدلات “النمو المحتمل” أي الوتيرة المستدامة الممكنة بدون تأجيج التضخم.

وهبطت توقعات النمو المحتمل لمنطقة اليورو إلى أقل من واحد بالمئة منذ الأزمة المالية قبل سبع سنوات. ومع تراكم الديون والعوامل السكانية غير المواتية يرى قليلون فقط أن التعافي يمكن أن يحدث بدون زيادة الهجرة أو رفع سن التقاعد.

لقد أصبح السؤال المثير للخلاف هو: من ينقذ من؟

وقال بنك كريدي سويس السويسري إنه يعمل الآن بناء على تقديرات بأن الهجرة الصافية على مدى السنوات الخمس القادمة ستزيد عدد سكان منطقة اليورو نحو خمسة ملايين أو 1.5 بالمئة من الإجمالي الحالي البالغ 340 مليون نسمة وستضيف 0.2-0.3 نقطة مئوية إلى نمو المنطقة في العام القادم.

وفي الأجل الطويل فإن النمو المحتمل لناتج منطقة اليورو سيزيد 0.2 نقطة فوق التقديرات الرسمية إلى 1.3 بالمئة في المتوسط على مدى ثماني سنوات حتى 2023 بحسب تقرير كريدي سويس في حين سيتجاوز النمو هذا العام تقديرات المفوضية الأوروبية بما يصل إلى نصف نقطة مئوية.

وقال التقرير “من المرجح أن تظهر الآثار الإيجابية مستقبلا نظرا للحاجة إلى توفير السكن والميل الضعيف للاستهلاك من أناس وصلوا وليس لديهم شئ تقريبا.. (لكن) من المنتظر أن يستفيد النمو الاقتصادي في الأعوام القادمة مع اندماج المهاجرين من الشباب في سوق العمل.”

وأشارت تقديرات خبراء الاقتصاد لدى اتش.اس.بي.سي إلى زيادة مماثلة عند 0.2 بالمئة للنمو المحتمل. وقالوا “ربما يكون الناتج المحلي الإجمالي المحتمل بحلول عام 2025 أعلى بمقدار 300 مليار يورو عما كان سيكون عليه.”

وتشير حسابات بناء على متوسط إنفاق للمهاجر الواحد بنحو 12 ألف يورو سنويا إلى أن الإنفاق الإضافي للحكومة الاتحادية في ألمانيا وحكومات الولايات والحكومات المحلية بمفرده ربما يبلغ عشرة مليارات إلى 12 مليار يورو في 2016 أو 0.3-0.4 بالمئة من الناتج المحلي الألماني.

ورفع دويتشه بنك توقعاته للنمو في ألمانيا لعام 2016 إلى 1.9 بالمئة من 1.7 بالمئة مشيرا إلى زيادة الهجرة وقال إنها ستضيف نحو نصف نقطة مئوية إلى إجمالي نمو الاستهلاك.

لكن هل تشكل تلك الدفعة الاقتصادية تحولا حقيقيا في عالم يعاني منذ عشرات السنين من مشكلات سكانية؟

وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير عن الهجرة “شكلت الهجرة أكبر محرك للنمو السكاني في الاتحاد الأوروبي بشكل عام منذ منتصف التسعينيات.. وهي على وشك أن تصبح المحرك الوحيد.”

وقال اتش.اس.بي.سي إنه للاستفادة من الهجرة تحتاج ألمانيا إلى هجرة صافية بنحو 700 ألف مهاجر على مدى السنوات العشر القادمة للحفاظ على استقرار مستوى سكانها مستشهدا ببيانات من الأمم المتحدة. وسيوقف تعهد ألمانيا باستقبال القادمين الجدد تراجع قوتها العاملة لعام واحد.

وقال بنك مورجان ستانلي الأمريكي الشهر الماضي “رغم الضجيج المثار بخصوص الهجرة فلا يوجد ببساطة ما يشير إلى أي تأثير اقتصادي عالمي كبير على التغيرات السكانية (في الأجل الطويل).”

لكن ذلك بناء على مستويات الهجرة حتى الآن. فمن المحتمل تضخم أعداد المهاجرين في المستقبل حتى مع صعوبة التنبؤ بالصراع في سوريا أو استعداد دول الاتحاد الأوروبي وقدرتها على الإبقاء على حدودها مفتوحة.

وتشير تقديرات فرونتكس إلى أن ما يزيد على أربعة ملايين سوري وأفغاني وعراقي وباكستاني مازالوا تحت “الحماية المؤقتة” في تركيا ولبنان والأردن ومصر.

وأشارت وزارة الدفاع البريطانية إلى دراسات تقول إن 60 مليونا من مواطني منطقة جنوبي الصحراء قد يتحركون من مناطق “التصحر” إلى شمال افريقيا وأوروبا بحلول 2020.

وحتى إذا وصلوا بدون قيود فإن مهاراتهم والتدريب المتاح في المستقبل قد تصنع الفارق كله بالنسبة للاقتصادات المضيفة. فمنطقة اليورو تعاني من نقص في العمالة لكن لديها بالفعل فائضا كبيرا في العمالة غير الماهرة.

وقال اتش.اس.بي.سي إن تقديرات المفوضية بخلق 7.5 مليون وظيفة جديدة فائضة على مدى الأعوام العشرة المقبلة تخفي فائضا قدره 23 مليونا من العمالة غير الماهرة على مدى تلك الفترة تتركز في فرنسا وايطاليا ونقصا قدره 32 مليونا في العمالة المتوسطة والماهرة.