IMLebanon

إصدار اليوروبوند اكتمل… لا حاجة الى الشمبانيا

EuroBonds
انطوان فرح
اذا سارت الامور كما هو مُقدّر لها، من المتوقع ان يتم الاعلان هذا الاسبوع، او مطلع الاسبوع المقبل، عن نجاح إصدار اليوروبوند، الذي أطلقته وزارة المالية لتمويل حاجات الدولة للعام 2015، وتسديد استحقاق دين في كانون الثاني من العام 2016. وهي تحتاج الى حوالى 2.2 مليار دولار.
قطعت عملية تسويق إصدار اليوروبوند الذي أطلقته وزارة المالية بهدف جمع 2.2 مليار دولار، لتسديد استحقاقات 2015 واستحقاق كانون الثاني 2016، شوطا كبيرا وبلغت خواتيمها تقريبا، بحيث ان الاكتتابات اكتملت، ويتمّ التحضير لاعلان النتائج في غضون ايام.

ومن دون مفاجآت، يمكن القول ان الاكتتاب نجح في جمع المبلغ المطلوب، وهو أمر كان متوقعا، بعدما قررت المصارف اللبنانية، وكما في كل مرة، مواصلة عملية إقراض الدولة، وتجاوز كل المحاذير المرتبطة بهذا الملف، لأن لا خيار آخر أمامها، اذا ارادت منع غرق المركب بالجميع.
انطلاقا من نجاح الاصدار، لا يمكن احتساء الشمبانيا، والادعاء ان الامور بخير، استنادا الى وجود الاموال الكافية لمواصلة تمويل الدولة.

وفي هذا الاطار يمكن تسجيل الحقائق التالية:

اولا – ان الاقبال الخارجي على الاكتتاب في الاصدار متواضع ويتراوح بين 10 و15 في المئة رغم وجود مصرفين عالميين يسوقان الاكتتاب. هذه النسبة لا تعكس ارتياحاً، ويحتاج البلد الى استعادة السمعة التي كانت تسمح باصدارات تبلغ فيها نسبة الاكتتاب الخارجي حوالي 30 في المئة، أو أكثر.

ثانيا – ان اسعار فوائد الاصدار لن تكون في مستويات الاصدار الاخير الذي جرى قبل بضعة اشهر، وبلغ فيه معدل الفوائد على شريحتين من الاصدارات حوالي 6.43، وقد ترتفع الكلفة ولو بنسبة طفيفة، نتيجة الظروف الجديدة ومن ضمنها احتمال خفض التصنيف الائتماني للبلد في المرحلة المقبلة.

ثالثا – ان اسعار الفوائد ولو جاءت مرتفعة عن الاصدار السابق، الا انها تبقى متدنية جدا قياسا بوضع لبنان، وتصنيفه. اذ ان البلدان المُدرجة في خانة الـ(-B)، كما هي حال لبنان، لا تستطيع ان تحصل على قروض في الاسواق العالمية بأقل من 9 في المئة. هذا الفارق في اسعار الفوائد لا يعكس ثقة استثنائية بالوضع اللبناني، بل يتأمّن لأنّ المصارف تمتلك فائضا من السيولة، وهي لا تزال قادرة على تمويل الدولة.

رابعا – ان امتصاص المزيد من السيولة من قبل الدولة يتمّ على حساب تحريك الاقتصاد، الذي يعاني المزيد من الركود، ولولا مشاريع التحفيز المالي الذي يطلقها مصرف لبنان سنويا، لكان مستوى الركود أخطر بكثير.

خامسا – ان التهليل لكون ديون لبنان في معظمها داخلية، بمعنى ان المصارف تحملها، يعني عملياً ان المودعين، اي القسم الاكبر من اللبنانيين هم من يُقرض الدولة، وفي حال التعثّر والوصول الى مرحلة شطب الديون واعادة جدولتها، كما يجري عادة في اي دولة تصل الى مرحلة العجز عن تسديد قروضها، سيتم هذا «الشطب» من جيب المودع اللبناني.

هذه الحقائق هي التي تدفع الى القول ان نجاح الاصدار، اي التوصّل الى جمع مبلغ لدفع ديون ونفقات العام 2015 والفاتورة الاولى من 2016، لا يستحق التهليل ونثر الورود واحتساء الشمبانيا، بل هي مناسبة لاعادة النظر بالوضع المالي برمته، وتغيير مفهوم الاعتماد على فائض الاموال في المصارف لمواصلة السياسة العشوائية المتبعة حاليا، لأن هذا الفائض ليس بئرا لا ينضب.

وبالمناسبة، لا بد من اعادة التذكير بواقع معروف، ولو ان البعض يغض الطرف عنه، وهو ان حجم العجز السنوي يرتفع، وحجم نمو الودائع المصرفية يتراجع. وبالتالي، اذا استمر مسار الخطين في هذا الاتجاه، لن يطول الوقت قبل ان تصبح المصارف عاجزة عن مواصلة سياسة تمويل الدولة.

وعندما نصل الى هذه الوضعية التي لم تعد بعيدة، تكون الخطوة التالية عبر الانتقال من الاقتراض الداخلي الى الاقتراض الخارجي، والمشكلة اننا سنضطر الى القيام بهذه النقلة في ظروف صعبة جدا، مُجرّدين من اي سلاح دفاعي. وفي هذا الوضع لن نحصل على تمويل رخيص لا يتماشى مع تصنيفنا الائتماني، وستكون الكارثة قد أصبحت على قاب قوسين او أدنى.