IMLebanon

رواتب “العام” تتسوّل جلسة!

MoneyLebanon3

 

 

 

اشتعلت أولى شرارات أزمة رواتب القطاع العام المبكرة مع عدم دفع رواتب الأسلاك العسكرية والأمنية عن شهر تشرين الثاني، الأمر الذي دق جرس تداعيات بالغة السلبية وبات يضغط بالحاح أشد من أجل انعقاد جلسة لمجلس الوزراء لإصدار قرار التغطية القانونية لصرف الرواتب والذي لا يمكن وزارة المال صرفها من دونه.

وبحلول الـ28 من الشهر الجاري (أمس)، وهو الموعد المعتاد لصرف الرواتب للعسكريين، وقع المحظور الذي سبق لوزير المال علي حسن خليل ان حذر منه سابقاً، إذ لم تدفع الرواتب لأكثر من 103 آلاف عسكري في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية الأخرى، مع بروز تخوّف من تمدّد الأزمة الى ما تبقى من السنة ما لم ينعقد مجلس الوزراء لإصدار قرار التغطية القانونية للرواتب في القطاع العام.

وأكد وزير المال أن رواتب موظفي القطاع العام مؤمّنة حتى نهاية السنة وكل ما تحتاج اليه مجرد قرار في مجلس الوزراء يسمح بنقل الأموال من الاحتياط الى بند الرواتب، علماً ان الوزير كان أرسل مشروع قانون الى مجلس النواب لاقرار سلفة إضافية بقيمة 850 مليار ليرة لتأمين الرواتب حتى نهاية السنة، لكن الخلافات السياسية على تشريع الضرورة أدت الى عدم انعقاد المجلس لاقرارها، فلجأ الوزير الى مجلس الوزراء من أجل توفير الغطاء القانوني.
والحال أن تداخل ازمة النفايات مع بوادر أزمة الرواتب أدى الى قيام ما يشبه خلية أزمة بين السرايا وعين التينة طوال ساعات النهار وامتداداً الى ساعات الليل.

في هذا الوقت، تسارعت الاتصالات، أمس، لتدارك وصول الدولة الى حالة الشلل الكامل، بعد تحذيرات وزير المالية علي حسن خليل ووزير الدفاع سمير مقبل من تعذر دفع رواتب المؤسسات العسكرية والامنية والادارية لشهري تشرين الثاني وكانون الاول المقبلين، او على الاقل تعذر دفع الرواتب للعديد من مؤسسات الدولة، في حال صحت ارقام وزير المال عن الاموال المتوافرة، والتي يحتاج صرفها اما الى قانون من مجلس النواب واما الى مراسيم تصدر عن الحكومة بتحويل سلف خزينة او اعتمادات مدورة.

وقد تمحور السعي امس بحسب صحيفة “السفير” حول عقد جلسة لمجلس الوزراء في اقرب وقت، تخصص لمشكلة النفايات وللقضايا المالية الملحة، خاصة بعد المواقف الايجابية التي صدرت عن «حزب الله» و «تيار المستقبل» بعد جلسة الحوار الاخيرة بينهما، وبعد تليين «التيار الوطني الحر» موقفه وعدم معارضة تسيير الشؤون المالية والحياتية الملحة للمواطن، والتي تجلت في توقيع وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» مؤخرا على عدد من المراسيم التي كانت مجمدة، والتي تحمل الطابع الملح المالي والعام.

لكن مصادر وزارية وسطية ابدت انزعاجها من طريقة مقاربة الامور العامة، لا سيما معالجة الشؤون المالية للدولة، وبخاصة مسألة رواتب موظفي الدولة، مشيرة الى انها ترفض عقد جلسة تعطى فيها رواتب الموظفين «تهريبة» وتشكل نوعا من الاهانة للجيش والمؤسسات الامنية، خاصة اذا تغيب مكون سياسي عن الجلسة بحجة انه «يتحفظ لكن لا يعرقل اقرارالامور المالية»، بينما تبقى سائر امور البلد معطلة، ودعت الى ضرورة حضور كل المكونات الحكومية لمعالجة كل الامورالعالقة في عجلة الدولة.

وبغض النظر عما خرج به الوزيران شهيب وابو فاعور من عند الرئيس بري بخصوص ملف النفايات، فإن مصادر وزارية متابعة رأت ان لا منطق في مقاربة المشكلات والحلول لها، وان طوفان النفايات مع الامطار لم يحرك ساكنا لدى المعنيين، وكذلك لن تحركه ملفات مالية عالقة، متسائلة: الا تعتبر القوانين المجمدة المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال والضرورية للقطاع المصرفي من الامور المالية الملحة؟ فلماذا لا يقرونها؟
ومن جهتها اشارت مصادر «تكتل التغيير والاصلاح» الى انها، حتى مساء امس، لم تكن في جو الاتصالات الجارية ولم يتصل احد بوزراء التكتل لوضعهم في الصورة، لذلك فبالنسبة لهم الامور لا زالت عالقة مكانها.

ويبدو من هذه الاجواء ان الصورة النهائية قد تتبلور اليوم بعد أن ينهي الوزير شهيب مساعي ربع الساعة الاخير، ليبنى على الشيء مقتضاه، فتتم الدعوة الى جلسة مجلس الوزراء، ليس فقط لاقفال ملف النفايات، بل ايضا لتمرير البنود المالية الملحة والتي تصدرت الاهتمامات، أمس، في ظل بلبلة سادت بشأن دفع رواتب العسكريين.

من جهته، قال وزير المال علي حسن خليل: “هناك نقص في تغطية بند الرواتب، وهذا الأمر لا يعكس على الإطلاق مشكلاً ماليّاً. هناك مبالغ متوفّرة من الاحتياط وهي بحاجة الى اتّخاذ قرار في مجلس الوزراء لإصدار مرسوم في هذا المجال، وفي اللحظة التي يتّخذ فيها هذا القرار تتأمّن كلّ الرواتب والتي قيمتها 444 مليار ليرة لبنانية لشهري تشرين الثاني وكانون الاوّل.

وإذ طمأنَ خليل إلى جهوزية وزارة المالية للدفع في هذه اللحظة، أكّد أنّه لن يدفع بطريقة مخالفة للأصول والقوانين، وشدّد أنّ الموضوع بعيد كلّ البعد عن التسييس، وهو مسألة دستورية قانونية بحت، وليس له علاقة بخلفية الصراعات السياسية والانقسامات القائمة.

وقال خليل لصحيفة ”الجمهورية: “لقد أمّنتُ الأموال من الاحتياط ، جمعتُ ووفّرت واستردّيت مراسيم النقل لبعض الإنفاق، ورتّبت الأمور قدر الإمكان، وأنا جاهز لصرف الرواتب، لكنّني لا أستطيع من دون قرار مجلس الوزراء. فإذا انعقد مجلس الوزراء سنتمكّن من الصرف وإذا لم ينعقد ويقرّر فلا أستطيع أن أصرف ليرة واحدة.

والموضوع ليس بيَدي على الإطلاق، ولن أخالف القانون. والأموال المتوفرة والتي وقّعتُ تحويلها لا تكفي كلّ الإدارات وكلّ العسكر والأمن. الجيش هذا الشهر ينقصه 117 ملياراً أي تقريباً 60 بالمئة منه رواتبهم مؤمّنة، إنّما قائد الجيش لن يقبل ان يصرف رواتب قسمٍ منهم ويترك قسماً آخر. والأموال الإضافية لن أستطيع أن أتصرّف بها إلّا بقرار من مجلس الوزراء.

وشدد وزير المال لصحيفة ”المستقبل” على كون مسألة قوننة صرف الرواتب “بعيدة كل البعد عن التسييس، ولا تندرج بأي شكل من الأشكال في إطار الضغط على القوى السياسية للحضور إلى مجلسي النواب والوزراء”، مذكراً في هذا السياق بأن وزارة المالية تعمل حالياً على أساس خطة الصرف الاثني عشرية وبأنّ القرار الأخير الذي صدر عن مجلس الوزراء لنقل اعتمادات صرف الرواتب من احتياط الوزارات لا يلحظ تغطية صرف رواتب الشهرين المقبلين، الأمر الذي يُوجب العودة إلى مجلس الوزراء من جديد لإقرار نقل هذه الاعتمادات.

إلى ذلك، أوضح مصدر أمني لصحيفة ”الشرق الأوسط”، أن “الدوائر الإدارية في المؤسسات الأمنية لم تبلّغ رسميًا قرارًا بعدم دفع الرواتب لهذا الشهر”، لافتًا إلى أن “الأمور لا تتعدى إطار المعلومات المتواترة، التي تقلق إلى حدّ ما موظفي الأسلاك الأمنية والعسكرية الذين يرزحون كغيرهم من المواطنين تحت أعباء الضائقة الاقتصادية والمعيشية الصعبة”.

وقال المصدر الأمني: “الأمور رهن تحويل الرواتب خلال اليومين المقبلين (اليوم وغدًا)، وأعتقد أن الحكومة قادرة على إيجاد المخارج القانونية لدفع الرواتب، لكن في حال ثبت أن المشكلة مستعصية، ووجد الموظفون أنفسهم من دون رواتب ستكون هناك مشكلة، خصوصًا وأننا في مطلع العام الدراسي والكل لديه التزامات لا يستطيع تأجيلها”، مؤكدًا أن “حرمان الموظفين من رواتبهم سيؤثر على معنوياتهم، لكن لا يعني أنهم سيعتكفون عن عملهم أو وظائفهم”.

رجح مصدر وزاري لصحيفة “اللواء” انعقاد جلسة لمجلس الوزراء بعد ان تبين ان للمشكلة بعداً آخر فرض نفسه بقوة على جدول الاتصالات لعقد الجلسة يتعلق بنقل اعتمادات بقرار من مجلس الوزراء، حتى تتمكن وزارة المال من تحويل معاشات العسكريين الناقصة إلى حساباتهم في المصارف قبل الأوّل من الشهر المقبل، الأمر الذي استدعى تدخلاً من وزير الدفاع سمير مقبل الذي نقل مخاوف القيادة العسكرية من الانعكاسات السلبية لعدم دفع رواتب العسكريين كاملة في الوقت المعتاد من كل شهر، وذلك في ضوء استياء أوساط العسكريين من تأخر دفع رواتبهم لهذا الشهر أيضاً.