IMLebanon

موجة اللاجئين العاتية تجتاح اقتصاد الغرب إيجاباً وسلباً

RefugeesEcon
السجال الساخن دولياً وغربياً بشأن كيفية التعاطي مع أزمة اللاجئين الوافدين من دول الصراعات سواء بطرق قانونية أو عبر مسارب غير شرعية، يجد له ما يبرره على ضوء تضارب وجهات النظر حول إيجابيات هذه الموجة المتعاظمة وسلبياتها، لا سيما من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ومهما كانت حسابات المتساجلين داخلياً (في ألمانيا مثلاً) أو إقليمياً (كما في أروقة الاتحاد الأوروبي) أو الدولية (في إطار المنظمات التابعة للأمم المتحدة)، فإن العالم (وتحديداً الدول التي يفِد إليها المهاجرون) يجد نفسه مضطراً للتعامل مع هذه الموجة «الإجبارية» العابرة للبحار ولو على حساب المخاطر بالنفس وأفراد العائلة.

وقد شهد هذا الملف سلسلة من التطورات هذا الأسبوع سواء على مستوى المعطيات الرقمية أو المواقف القادرة على التأثير في صناعة القرار الأوروبي والدولي.

الهجرة بالأرقام

في هذا الإطار، يُشار إلى أن اللاجئين والمهاجرين الذين وصلوا إلى القارة الأوروبية عن طريق البحر حتى هذا الأسبوع، بلغ 744 ألفاً و175 شخصاً، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتدة لشؤون اللاجئين، فيما قُتل أو فُقد 3 آلاف و440 شخصاً.

اللافت أن 91 في المئة من الواصلين يتحدّر من 10 دول، يأتي أكثر من نصف مجموعهم (53 في المئة) من سوريا هرباً من الحرب والدمار، بفارق كبير عن أفغانستان التي تحل في المرتبة الثانية كمصدر للهجرة (18 في المئة)، يليها تباعاً العراق (6) وإريتريا (5) ونيجيريا (3) وباكستان (2) والصومال (2) والسودان (1) وغامبيا (1) وبنغلادش (1)، علماً أن معدّل الوصول شهرياً يتجاوز 218,39 ألف مهاجر، 65 في المئة منهم رجالاً و14 في المئة نساءً و20 في المئة أطفالاً.

ويُلاحَظ أن غالبية الوافدين السوريين فرّوا هرباً من الحرب في بلادهم، فيما تشير التقديرات المتوافرة إلى أن هناك حوالى 4,29 ملايين سوري لجأوا إلى الدول المجاورة، منهم 2,18 مليونان في تركيا وأكثر من مليون في لبنان.

وتتوقع المفوضية الأوروبية أن يصل 3 ملايين من طالبي اللجوء إلى الاتحاد بحلول عام 2017، بينما تترقب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة وصول ما يصل الى 600 الف مهاجر (بمعدل 5 آلاف شخص يومياً) ولاجئ من تركيا الى الى كرواتيا واليونان وصربيا وسلوفينيا وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة خلال الأشهر الأربعة المقبلة مع تواصل تدفق المهاجرين خلال الشتاء.

وقد وصل أكثر من 608 آلاف الى اليونان وحوالى 140,2 ألفاً إلى إيطاليا، فيما سجلت ألمانيا الشهر الماضي فقط وصول 181,2 الف مهاجر ينوون طلب اللجوء، ليرتفع عدد المهاجرين إلى 758 ألفاً و473 شخص منذ مطلع العام الجاري، علماً أن هذه المعطيات مصدرها نظام يحتسب المهاجرين الواصلين إلى البلاد وينوون طلب اللجوء لكنهم لم يفعلوا ذلك بعد.

التداعيات اقتصادياً

لا يمكن من الآن إعطاء رأي حاسم في شكل التداعيات المستقبلية لهذه الظاهرة على كافة المستويات، لكن اقتصادياً على الأقل برز في المواقف هذا الأسبوع إزاء النتائج المرتقبة لموجة الهجرة «القسرية» المفروضة على دول العبور والمستقرّ، رأي لافت للاتحاد الأوروبي يعتبر فيه من بروكسل أن وصول 3 ملايين مهاجر الى دول الاتحاد خلال عامين من شأنه أن يترك ما سمّاه «أثراً ضعيفاً وإنما إيجابياً« على انتعاش الاقتصاد، في رسالة اعتبرها المحللون موجهة إلى المعارضين لسياسة استقبال اللاجئين، علماً أن هذه هي المرة الأولى التي تُجري فيها المفوضية الأوروبية تقويماً حول أثر الهجرة على الاقتصاد.

وتأتي هذه القراءة من بروكسل، بعد نمو بلغ 1,6 في المئة في منطقة اليورو هذه السنة، وفي سياق رهانها على بلوغه 1,8 في المئة عام 2016، قبل أن يسجل 1,9 في المئة سنة 2017.

وتذهب تقديرات العديد من المحللين المتفائلين إلى أن وصول قوة عاملة شابة من بلدان النزاعات إلى أوروبا يحمل إشارة جيدة لبلدان (مثل ألمانيا) يزداد فيها عدد العجزة باضطراد، فيما يراه آخرون عبئاً ثقيلاً جداً على المالية العامة، بالرغم من أن بروكسل تؤكد أن لديها فائضاً يكفي سنتين.

كل ذلك يجري وسط تحذيرات أطلقتها المفوضية العليا للاجئين من أن بلداناً، مثل ألبانيا والبوسنة وبلغاريا وإيطاليا ومونتينيغرو ورومانيا وكوسوفو، باتت اليوم أكثر عرضة لأن تطالها أسوأ أزمة هجرة تشهدها أوروبا منذ عام 1945. ومع ذلك، تتوقع المفوضية الأوروبية أن يساعد قدوم المهاجرين الشباب على تعزيز الناتج الاقتصادي للاتحاد وتحسين المالية العامة على المدى البعيد شرط اندماجهم في سوق العمل.

ولأن الدول تتباين قدراتها على تحمّل أعباء الهجرة، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى توزيع هذه الأعباء، وفي هذا الإطار جاء إعلان فرنسا أن 19 من طالبي اللجوء الإريتريين القادمين من مراكز التسجيل في ايطاليا وصلوا الجمعة الى غرب فرنسا ضمن أول عملية لإعادة إسكانهم، بموجب الاتفاق الأوروبي الذي تم التوصل إليه بنهاية أيلول الماضي، فيما عبّرت منظمات غير حكومية عن قلقها من النقل بأسلول «التعسفي« للاجئين الى مراكز للاحتجاز الإداري في بعض المناطق، وحذرت السويد من عجزها عن تأمين السكن لجميع المهاجرين، لأن عددهم يتزايد أسرع من عدد المساكن التي يمكن توفيرها لهم.

على كل حال ما من شك في أن لظاهرة الهجرة، شرعيةً كانت أم غير ذلك، إيجابياتها وسلبياتها، لكن الثابت في المدى المنظور أنها موجة تحتاج إلى استنفار الدول المضيفة لتنظيمها والاستفادة منها على أكمل وجه، خاصةً بعدما أظهرت توقعات اقتصادية جديدة للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير هذا الأسبوع أن أزمة اللاجئين السوريين بدأت تضغط على بلدان وسط أوروبا التي تشكل مركز عملياته، إضافةً إلى دول اُخرى، لا سيما أن تدفقهم بغزارة يضغط على الخدمات العامة وعلى الموازنات الحكومية وأسواق العمل، مع تحذيره من أن الأزمة تثقل كاهل اقتصاديات دول العبور في جنوب شرق أوروبا، فضلاً عن البلدان المجاورة لسوريا والعراق.