IMLebanon

حكاية لقاء حصل ولم يحصل بين الحريري وفرنجية

saad-hariri-sleiman-franjieh

 

ليس خافيا على أحد أن اسم سليمان فرنجية مطروح لرئاسة الجمهورية. أقله، لا يخفى على أحد في الدوائر الضيقة لكل من الفريقَين الآذاريَّين أن الزعيم الماروني الشمالي يملك من العناصر والمزايا التي تجعل اسمه على لائحة «المرشحين الجديين»، خصوصا في ظل موازين القوى الراهنة لبنانيا وإقليميا، وهو خيار ارتفعت حظوظه بعد «عاصفة السوخوي» الروسية في سوريا.. ولكن.

ماذا يعني تسريب خبر عن لقاء عُقِد بين النائب سليمان فرنجية والرئيس سعد الحريري في باريس، أمس، وماذا يعني نفي الأمر من الجانبَين المعنيَّين وبسرعة غير مألوفة، بالمقارنة مع خبر لقاء الحريري وميشال عون في أوروبا قبل نحو سنتَين تقريبا؟

المتداول في بيروت أن فرنجية أبلغ المحيطين به أنه منذ الثلاثاء في باريس في «زيارة خاصة»، أما الحريري، فقد عاد قبل أيام الى باريس لمشاركة عائلته في مناسبة اجتماعية خاصة، لكن اللافت للانتباه أن بعض مستشاري رئيس الوزراء السابق كانوا ملتزمين مسبقا بالسفر إلى باريس يوم الثلاثاء الماضي، وعلى هذا الأساس، تأجلت جلسة الحوار بين «حزب الله» و«المستقبل» حتى مطلع الأسبوع المقبل، في انتظار عودة نادر الحريري.. وأيضا أحد أعضاء وفد «حزب الله» من زيارة خارجية إلى بيروت.

هذا في المواعيد، لكن في السياسة، لم يكن ممكنا الفصل بين التسريب وبين المناخات الإيجابية التي أعقبت تفجيرَي برج البراجنة، وما رافق ذلك من سياسة «فتح الأبواب» على التسوية السياسية التي دعا إليها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، ورد عليها الرئيس الحريري بصورة إيجابية نسبيا.. حتى أن أحد معاوني الأخير، يؤكد أن رد زعيم «المستقبل» على دعوة نصرالله، التي لم تَرْقَ بعد إلى حدود المبادرة المتكاملة، «كان جاهزا قبل تفجيرَي برج البراجنة في 12 تشرين الحالي، لكن الجريمة استدعت التسريع بإصدار الموقف وأعطته بعدا سياسيا وإنسانيا ومعنويا».

التسريب عبر «ليبان كول»

لم تكد خدمة «ليبان كول» الإخبارية تبث الخبر، صباح أمس، عبر تطبيقها الإلكتروني المسموع والمقروء، حتى انهالت على القيمين عليها الاتصالات من بيروت وباريس للاستفسار عن المصدر الذي سرّب.. وصولا إلى مطالبة القيمين على الخدمة بنفي أصل الخبر، وعندما تعذر التجاوب، كان لا بد من نفي يصدر بلسان كل من فرنجية والحريري عبر شاشة «ال. بي. سي» تولاه المستشارون، بفارق دقائق قليلة جدا، وهو أمر غير مألوف سابقا، إن دل على شيء، إنما على عدم وجود مصلحة للرجلَين في تعميم خبر اللقاء حتى لو كان قد عُقِد، بدليل الحرص المتبادل على «النفي المطلق».

وكان لافتا للانتباه أن حلفاء الإثنين، وتحديدا فرنجية، تعمدوا النفي من بيروت، لكن ذلك النفي لم يبدد قلق من راح يسأل من المرشحين الرئاسيين، من هنا وهناك، لأجل الحصول على الخبر اليقين، وعندما تعمدت «ليبان كول» بث خبر تؤكد فيه تمسكها بحصول اللقاء، زاد التشويق والغموض في آن معا.. وحتما لم تغمض عيون بعض المرشحين الليلة الماضية!

حتى الآن، تتصرف «8 آذار» على قاعدةِ أنَّ هذا التسريبَ لواقعةٍ لم تحصل هدفُهُ الأساس محاولة إحداث شرخ في العلاقة داخل هذا الفريق السياسي، وخصوصا بين العماد ميشال عون والنائب فرنجية الذي ما زال يحتفظ وأعضاء كتلته بانتمائهم إلى «تكتل التغيير والإصلاح»، حتى أن سليمان فرنجية رددها أكثر من مرة «مجنون من يراهن على خلافي مع الجنرال عون.. ويخيطوا بغير هذه المسلة».

ولعل ميزة فرنجية أنه من السياسيين اللبنانيين القلائل الذين يملكون جرأة قول الأشياء كما هي من دون مواربة أو مداراة، ولذلك، اعتاد حلفاؤه عليه يشيد حيث يجب، وينتقد عندما يرى أن في ذلك فرصة لتصحيح خلل ما. هذه القاعدة تسري أيضا على الخصوم، الذين يقدرون له هذه الميزة، وفي الوقت نفسه، إصراره على إبقاء خطوطه مفتوحة مع الجميع من دون أن يغادر ما يسميه «الخط السياسي»، ناهيك عن كونه إبن النظام ومن طينة السياسيين القادرين على عجن التسويات، من دون أن يغامر بتنازلات تمس ثوابته الوطنية والعربية ولا مسيحيته التي يتباهى بها عنوانا للانفتاح على الآخر وليس للانغلاق تحت أي مسمى كان.

حكاية التواصل مع بنشعي

قبل نحو شهرَين تقريبا، بدأت حلقة ضيقة من المستشارين في الفريق الحريري تتداول إمكان وجود فرصة لـ «التسوية الداخلية»، انطلاقا من رؤية شاملة للملف اللبناني بكل أبعاده الإقليمية. كان الاستنتاج المشترك بين هؤلاء أنه لا بد من محاولة جس نبض الفريق الآخر. «كلمة السر» ـ المفتاح هي الآتية: هل انتم مستعدون للتخلي عن ترشيح ميشال عون والقبول بفرنجية مرشحا لرئاسة الجمهورية في إطار سلة سياسية متكاملة تضمن عودة سعد الحريري إلى لبنان وتحمله مسؤولية رئاسة الحكومة؟

تبرع «الفدائي» الدكتور غطاس خوري، من موقعه «الأكثر براغماتية» في الفريق الحريري لهذه المهمة. طلب موعدا لزيارة بنشعي، ولم تَمْضِ ساعاتٌ حتى استقبله سليمان فرنجية. رمى خوري الفكرة، غير أن فرنجية، وعلى جاري عادته وسرعة بديهته، أجاب ضيفه بأن «الجنرال» هو مرشح فريقنا، لكنه طلب من خوري أن يراجع مرجعيته، ويعود بتصور واضح، على أن تكون الكلمة الفصل لكل «فريقنا السياسي».

انتهى اللقاء من دون ضجيج إعلامي، وبدا الجانبان حريصين على عدم التداول بالأمر إعلاميا. كان يُفترَض أن يكمل خوري مهمته، غير أنه انقطع فجأة عن المتابعة، لكن اللافت للانتباه أن بعض المحيطين بالحريري من بيروت، وخصوصا أحد الوزراء المخضرمين كان يردد علنا أنه لا شيء يمنع القبول بترشيح فرنجية، في إطار صفقة سياسية شاملة، ولكن ظروفها غير ناضجة حتى الآن.

سأل أحدهم على سبيل المثال لا الحصر: «ماذا إذا انتخبنا فرنجية اليوم رئيسا للجمهورية، واستيقظنا في اليوم التالي على خبر اجتماعه في دمشق بالرئيس بشار الأسد. هذه مسألة لا يمكن أن يتحملها لا الحريري ولا السعودية في ظل الحروب المحتدمة في كل ساحات المنطقة بين الإيرانيين والسعوديين»؟

في هذه الأثناء، كانت قد سرت الكيمياء في العلاقة بين فرنجية والسفير الأميركي ديفيد هيل الذي لم يكن يخفي في مجالسه الخاصة احترامه الشخصي للزعيم الشمالي وإعجابه به. زاره مرتين في بنشعي ودعاه بينهما الى مأدبة عشاء في السفارة في عوكر، وكان الكلام بين الإثنين واضحا، خصوصا من جانب فرنجية الذي قال كلاما في السياسة لا يقل بصراحته عما يقوله في اجتماعات كوادر «المردة»، بتعبيره الواضح عن نظرته إلى سوريا والأسد وتبنيه خيار المقاومة وعلاقته بقيادة «حزب الله» وتقديره الكبير لموقف العماد عون وما أحدثه من خرق في بنية المارونية السياسية.

كان الاستنتاج أن الأميركيين لا يضعون «فيتو» على أي مرشح رئاسي لبناني يحظى بتوافق اللبنانيين، وأنهم إلى جانب حماستهم لاستمرار عمل المؤسسات الدستورية ودعوتهم لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يحبذون استمرار الحوار بين اللبنانيين من أجل التوصل إلى تفاهمات وقواسم مشتركة.

وبطبيعة الحال، لم يكن غريبا على سليمان فرنجية أن يضع حلفاءه بكل شاردة وواردة، وقد كان التفاهم تاما بين الجميع: نحن متمسكون بتبني ترشيح العماد عون ويعود لـ «الجنرال» وحده الحق بقبول أو رفض أي خيار آخر، حتى سؤال «14 آذار» عن بديلنا للعماد عون مرفوض وغير مسموح الأخذ والرد بشأنه، فهذا الترشيح من الثوابت، ليس في معرض رفض ترشيح فرنجية ما دام الأخير يقول في كل طلة إعلامية إن الأحق بالرئاسة ضمن «فريقنا السياسي هو العماد عون»، وإنه يرفض تكرار تجربة الرئيس الوسطي، على شاكلة ميشال سليمان.