IMLebanon

قداسة البابا: اللبنانيون جميعاً لا المسيحيين وحدهم!

patriarche-raii-and-pope-francis-in-vatican

 

سرَق مشهدُ الإرهاب المتنقّل بين لبنان ومصر وفرنسا الأضواء من الملفات السياسيّة الأساسية، وانصبّ تركيز الدول الكبرى والصغرى على القضاء على هذه الآفة التي تجتاح العالم.يُعتبر تأثير التفجيرات الأخيرة في لبنان وباريس في رئاسة الجمهورية سلاحاً ذا حدّين. فمن جهة، تحوّلت أولوية الدول الكبرى وعلى رأسها فرنسا الى تشكيل أوسع تحالف دولي لضرب تنظيم «داعش» وأخواته، ما يُخفّف الإهتمام الدولي بالرئاسة، لكن من جهة اخرى، قد يدفع الخطر الداهم للإرهاب، الأطراف المحليين والإقليميين الى إستعجال التسوية اللبنانية الشاملة ومن ضمنها الإنتخابات الرئاسيّة.

كلام كثير قيل عن تحميل المسيحيين مسؤولية الفراغ الرئاسي بسبب عدم إتفاقهم على رئيس، وتمسّك بعض الموارنة بترشيحه وعدم إفساح المجال أمام مرشح توافقي يتفق عليه جميع اللبنانيين، لكنّ الحقيقة مغايِرة تماماً، في ظلّ عمل السفير البابوي غابريال كاتشيا المستمرّ في هذا الملف، وتوجيهه إصبع الإتهام في الغرف المغلقة الى المعطّلين. فالفاتيكان لا يرغب في خلق شرخ مسيحي إضافي أو التدخّل في الزواريب السياسية، بل هدفه إيصال لبنان والرئاسة الى برّ الأمان، بالتعاون مع فرنسا.

حضر ملف رئاسة الجمهورية، عكس ما روّج البعض، في اللقاءات الأخيرة التي جمعت البابا فرنسيس بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال مؤتمر العائلة في روما، وعُقدت لقاءات شبه يومية، فكان البابا واضحاً في كلامه، وحمّل اللبنانيين مجتمعين مسؤولية الفراغ وعدم إنتخاب رئيس للجمهورية، لا المسيحيين وحدهم، لأنّ الرئيس هو لكلّ لبنان وليس بطريركاً للموارنة أو الكاثوليك، والجميع يُعرقل ولا يقدّم حلولاً أو مبادرات جدّية، فيما سعى البابا فرنسيس خلال لقاءاته الخارجية وأبرزها مع الرئيس الأميركي باراك أوباما الى دفع هذا الملفّ قدماً، لكنّ أوباما قال إنّ رئاسة الجمهوريّة هي شأن لبناني داخلي، وعلى اللبنانيين الإتفاق على رئيس.

واستند البابا في تقويمه ونظرته الى الوضع اللبناني الى مجموعة تقارير كانت تصله من السفارة البابوية في حريصا، ومن الراعي الذي أرسل اليه تقريراً مفصَّلاً منذ مدّة، تُضاف الى تقارير سابقة يشرح فيها الوضع اللبناني ومكامن الخلل وكيف يُعطّل الإستحقاق، إضافة الى نظرة شاملة لوضع الموارنة والمسيحيين ولبنان وسط أحداث المنطقة.

يتّخذ البابا والفاتيكان موقفاً واضحاً من تطوّرات الأزمة اللبنانية. وفي هذا السياق، تقول مصادر قريبة من الفاتيكان لـ”الجمهورية”، إنّ «الكرسي الرسولي يعتبر أنه من الظلم تحميل الزعماء الموارنة وعلى رأسهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون والكنيسة المارونية مسؤولية الأزمة الرئاسية المستمرّة، من دون إغفال أنّ إتفاقهم سيكون عاملاً مسهّلاً للحلّ وليس الحلّ بحدّ ذاته، وهذه النقطة باتت واضحة للعيان».

وتشيرُ المصادر الى أنه «في الأمس إتفقت غالبية الأحزاب المسيحية على رفض التشريع إذا لم يُدرج قانونا استعادة الجنسية والإنتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعيّة، فلم يلتزم أحد بالإجماع المسيحي، بل كانوا سيتخطّونه لو لم ينتبه بعض العقلاء الى أنّ البلاد تتّجه نحو إنقسام وصدام طائفي حاد، فكيف الحال إذا اتفق الموارنة غداً على إسم رئيس للجمهورية، فمَن يضمن أن يقبل به الأفرقاء الآخرون المرتبطون بدول إقليمية؟»

لا وجودَ لطرحٍ رئاسي جديد من الكرسي الرسولي حالياً، بل إنّ الهدف هو بناء إتفاق بين المسيحيين بقيادة بكركي وعون وجعجع. وتؤكد المصادر أنّ «أيّ إتفاق حقيقي مبني على أسس ثابتة، هو مهم جداً للمسيحيين ولبنان، إذ لا ينفع أن يهبط رئيسٌ ماروني ويجلس على الكرسي بينما الشارع المسيحي يعيش صراعاً وصداماً مثل الذي كان قائماً سابقاً، عندها لن يستطيع هذا الرئيس الحكم، لأنّ أولى شروط نجاح الرئيس أن يكون إبن بيئته ووطنه، ولم يعد مسموحاً تغييب المسيحيين عن القرار».

تُعتبر فرنسا والفاتيكان من الدول الأكثر حرصاً على لبنان، لكنهما لا تستطيعان إجتراح المعجزات، والمفارَقة أنّ الكرسي الرسولي يدرس باستمرار دعاوى تقديس رهبان الموارنة وبطاركتهم، ولعلّ أبرزهم في ذكرى الإستقلال، إستعداده للنظر في دعوى تقديس البطريرك الياس الحويّك بعد إنتهاء ملفه، والذي بنى دولة لبنان الكبير بالتعاون مع فرنسا «الأمّ الحنون».