IMLebanon

بين ترحيل النفايات وحرقها.. هل يدفع اللبنانيون ثمن الخيارين؟

Bourj Hamoud Waste
في كل مرة تُبحث فيها أزمة النفايات، إن على طاولة اللجنة المكلفة بالحل، أو على طاولة الخبراء البيئيين أو الإعلام، وحتى على ألسنة الجمهور، تتكشّف مظاهر جديدة تؤشّر الى عمق الأزمة. والمظاهر تتمحور حول هدف الطبقة السياسية إستغلال النفايات، سواء في لبنان أو في الخارج عبر طرح خيار الترحيل. لكن ما هو بارز، وإن من تحت الطاولة، هو سعي المنتفعين من الأزمة الى تمرير صفقة للحل داخل لبنان، كونها تؤمّن “مردوداً” أعلى يمكن إضافته الى مردود ردم العوادم أو ما تيسّر من نفايات غير مفرزة، في البحر.

خيار الردم أُخرج من التداول منذ اللحظة الأولى للأزمة، لأنه يثير غضب الأهالي ويمنع تحقيق أي خطوة في ذلك الإتجاه، لكن النّية بقيت موجودة، ويدفع السياسيون بإتجاهها، من خلال عرقلة باقي الحلول، وأهمها إقامة معامل الفرز. العراقيل والحلول المجتزءة والحلول المتداولة في الظل، تعود بأساسها الى قضية الفرز، فالفرز هو مفتاح الحل وسبب إستمرار الأزمة في آن.

في وقت إقتربت اللجنة المكلفة حل أزمة النفايات من اعتماد خيار الترحيل والعمل على إستحصال الموافقات الرسمية والقانونية والحزبية لذلك، “سُرّبت” معلومات حول “طبخة سرية” فحواها “التعاقد مع شركة دنماركية متخصصة، لتركيب محارق WTE لتحويل النفايات الى طاقة”. اما أماكن تركيب المحارق، فهي وفقاً لمجموعة “سكّر الدكانة”، ستنتشر في “ستة مواقع كبرى” متوزعة على المحافظات اللبنانية. وفي الوقت نفسه أكدت المجموعة ان “المعنيين يضعون اللمسات الأخيرة على عقود تصدير النفايات بكلفة 200 دولار للطن الواحد. وقد أعطت وزارة المال الضوء الأخضر لتمويل هذه العقود”. كما ان “مجلس الإنماء والإعمار سيصدر قريباً دعوات تقديم عروض، وهو يعمل حالياً وبتكتمٍ شديد على إعداد الملفات والاستمارات، على أن تُنجَز الصفقة في غضون أيام معدودة”. وتؤكّد رئيسة جمعية سكّر الدكانة كارول شرباتي، لـ “المدن”، ان “الصفقة تتم بصمت كي تضع الدولة الجميع، وبخاصة البلديات أمام أمر واقع، لا تتمكن البلديات بعده عمل شيء، الا القبول بالمحارق”. وتلفت النظر الى ان “هناك مشروعين يسيران بالتوازي، هما الترحيل والمحارق، فالترحيل هو الخطوة الأولى والأسرع، على ان يُمرّر موضوع المحارق مع الوقت”.

في السياق عينه، يقول رئيس جمعية الخط الأخضر، علي درويش، ان “حل أزمة النفايات ظاهره ترحيل وباطنه محارق”، ولا ينفي درويش امكانية السير بالمشروعين، كون “تنفيذ المحارق يحتاج الى وقت أطول”. ويرى درويش في حديث لـ “المدن” ان “السياسيين يقومون بهذه الإجراءات، وبعرقلة أي حل مقبول، ليقولوا للمواطن انه لا خيار آخر يمكن اعتماده”. ويلفت النظر الى ان “النفايات ستُرحّل لتُحرق في الخارج، فإذا كان هناك امكانية للفرز ونية للحل، فليكن الحل هنا في لبنان. واعتماد المحارق يجب ان يُستتبع بخطوات واضحة لجهة نوعية المحارق وكيفية استخدام العوادم الناتجة عنها”. ويميل درويش الى تبني وجهة النظر القائلة ان “السياسيين يعملون ايضاً على تمرير خطط للإستفادة من العوادم في ردم البحر”، متسائلاً اين ستردم العوادم إذا لم يكن ذلك في البحر؟، ففي مصر على سبيل المثال، هناك صحراء كبيرة، واذا تم ردم عوادم او اي شيء آخر، فقد لا يظهر ذلك، لكن في لبنان هل لدينا مكان آخر للردم، غير البحر؟ ويذكّر “بما حصل في صيدا، لجهة ردم المكب في البحر على مساحة واسعة، بحجة حل أزمة جبل النفايات”.

غابت وزارة المال ومجلس الإنماء والإعمار عن الرد أو التعليق، أما تساؤلات المواطنين إضافة إلى عدم إستغرابهم لأي من الحلول المقترحة، فمن الأمور الواضحة. وإن كان السياسيون يراهنون على تعب المواطنين، فالواقع للأسف قد يثبت صحة الرهانات، لأن “المواطن اختنق، وأصحاب المحال التجارية والمطاعم باتوا بحكم الموافقين على أي حل، شرط التخلص من النفايات، حتى وان كان الحل ذا كلفة مرتفعة، أو فيه سمسرات للسياسيين”، كما يؤكد محمد (إسم مستعار) صاحب مطعم على أوتستراد هادي نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت. فبالنسبة الى محمد “أصحاب المطاعم متضررون أساسيون من النفايات لأن المطعم عبارة عن سُمعة، والتعرض لهذه السمعة بالنفايات وسوء النظافة، كفيل بهدم كل شيء. لذلك نغامر وندفع ضعف كلفة الترحيل او المعالجة، شرط الانتهاء من الأزمة. فالسياسيون يأخذون أموالنا بشتى الطرق. فلنشترِ راحة بالنا وصحتنا”.

بين الترحيل والمحارق، خيار جامع بمرحلتين، لتكون الأزمة أزمتين، والكلفة كلفتين. اما النتيجة، فربحٌ للجان السلطة، قد تغيّره معادلات أخرى، ربما يجترحها حراك شعبي ما، أو غضب شعبي شامل، قد ينطلق لامركزياً.