IMLebanon

هكذا فاوض عباس إبراهيم… وحسن نصرالله!

 

ibrahim-13v

 

أشارت صحيفة “الأخبار” الى أن ملف العسكريين المخطوفين ترك على عاتق المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وقد توصّل قبل أشهر إلى اتفاق مع الخاطفين على إتمام صفقة للتبادل.

في اللحظات الأخيرة، أصرّ إرهابيّو “النصرة” على عدم شمول الاتفاق جثة الشهيد محمد حمية. ثم اختفى الوسيط القطري، لأسباب لا تزال حتى اليوم مجهولة. بقيت أبواب التفاوض موصدة، إلى أن زار إبراهيم الأمينَ العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم 8 تشرين الاول الماضي. حينذاك، طُرح ملف العسكريين الرهائن على طاولة النقاش. بعض وسائل الإعلام كانت قد نسبت إلى “النصرة” شرطاً يُعدّ تعجيزياً لإطلاق العسكريين، قرار تنفيذه محصور بيد الدولة السورية. فقال السيد للواء: “إذا طلبت “النصرة” هذا الاقتراح رسمياً، أخبرني لأرى ما يمكن فعله”. أراد نصرالله تقديم أي مساعدة، ولو كانت غير ممكنة نظرياً، لإقفال ملف الرهائن، فأخبره إبراهيم بأن أي تواصل مع أمير قطر يمكنه أن يمنح المفاوضات دفعاً إيجابياً. وعد السيد خيراً، وبعد أربعة أيام، أبلغ إبراهيم بأنه بعث برسالة إلى أمير قطر تميم بن حمد، وأن الأجواء إيجابية. عاد التواصل بين المدير العام للأمن العام اللبناني ومدير الاستخبارات القطري غانم الكبيسي، بشأن ملف الرهائن.

وسريعاً، عاد الوسيط القطري إلى لبنان. ومع كل تدخّل لنصرالله لدى أمير قطر، كانت شروط الإرهابيين تنخفض. وعندما طالبوا بالإفراج عن موقوفات في السجون السورية، تدخّل نصرالله لدى الرئيس السوري بشار الأسد الذي وافق على تلبية الطلب اللبناني، تماماً كما في مفاوضات تحرير مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا. استمر إبراهيم في التفاوض، بين السلطة اللبنانية وقطر، يواكبه نصرالله كلما اقتضت الحاجة.

يوم الاحد الماضي، كانت المفاوضات قد وصلت إلى مرحلتها النهائية، فأضافت “النصرة” مطلباً جديداً: تسوية الملف القضائي للشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية). رفض إبراهيم ذلك، وأصدر أوامره لعناصر الأمن العام بمغادرة عرسال، مع قافلة المساعدات التي كانت متجهة إلى الجرود. هنا أيضاً تدخّل نصرالله. اتصل بأمير قطر، الذي أوعز إلى “جبهة النصرة” بالتخلي عن المطلب الجديد، وبإتمام صفقة التبادل، فنفّذ إرهابيّو “القاعدة” الطلب الأميري، وتمّت صفقة التبادل أمس.

وذكرت صحيفة “السفير” انه برغم الانقسامات الداخلية الحادة بشأن الكثير من الملفات السياسية، فقد تبين، بعد إطلاق سراح المخطوفين، ان قطبي الصراع الداخلي، الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله ورئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، التقيا كلٌ من موقعه، على المساهمة في تسهيل إبرام صفقة التبادل.

وإذا كان من الطبيعي ان يتدخل الحريري لدى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لتسهيل مهمة ابراهيم وحمايتها من “الانبعاثات المذهبية”، فان المفاجأة تمثلت في الدور الحيوي الذي أداه نصرالله لإنجاح المفاوضات، بعد فترة طويلة من تجميدها، وما استوجبه ذلك من فتح قناة تواصل بينه وبين أمير قطر، برغم خلافهما الاستراتيجي والعميق حول الازمة السورية.

وفي المعلومات، ان الخط المفتوح بين “حزب الله” والدوحة كان حاسما خلال الايام الاخيرة في تخفيض سقف الطروحات التعجيزية المباغتة لـ “النصرة”، وهو الامر الذي أكده ابراهيم لـ “السفير” بقوله ان تدخل نصرالله في ربع الساعة الاخير لدى امير قطر قاد الى “عقلنة” مطالب الخاطفين بعد مبالغاتهم في اللحظات الاخيرة.

والمفارقة في زمن احتدام الاشتباك بين المحاور الاقليمية، ان نصرالله لا يزال يملك من التأثير والرصيد عند القطريين ما يكفي ليتجاوبوا مع المساعي التي بذلها للمساعدة في حل قضية المخطوفين، ويثقوا في الضمانات التي قدمها لحسم بعض البنود مع الاشارة الى انه سبق ان حصل، قبل فترة، اتصال قطري رفيع المستوى بقيادة الحزب في عز الازمة السورية.

ولعل حرص الدوحة على إبقاء الخيوط والخطوط ممدودة مع الحزب، برغم تعارض الخيارات الاستراتيجية، يعكس السياسة القطرية المركبة والتي تنطوي على مخزون من البراغماتية، يجعل الدوحة قادرة على تدوير زوايا مواقفها الحادة او استخدام مخارج الطوارئ الدبلوماسية، عندما تستدعي الضرورة او المصلحة ذلك.

أما الحزب، فهو ايضا من الحريصين على عدم التفريط بعلاقاته العربية، حتى مع الذين يخالفونه الرأي، إلا إذا كان الطرف الآخر هو المبادر الى قطع العلاقة، فكيف إذا كان الامر يتعلق بملف انساني بامتياز، من نوع قضية المخطوفين العسكريين التي دفعت “السيد” الى تجيير وزنه وثقله لحساب هذه القضية، متعاملا معها بالمعيار ذاته الذي يحكم مقاربة الحزب لأسراه.

والى جانب تفعيل قناة الاتصال مع قطر، كان نصرالله يتحرك في الوقت ذاته على خط دمشق، حيث نجح في إقناع الرئيس بشار الاسد في التجاوب مع متطلبات إنجاح مهمة ابراهيم، علما انها ليست المرة الاولى التي يبدي فيها الرئيس السوري مثل هذا الموقف، نزولا عند رغبة “السيد”، إذ سبق له ان ساهم في اكتمال صفقتي تحرير مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا عبر الافراج عن عدد من المعتقلين في السجون السورية.

كما ان قرار حزب الله والجيش السوري بالتنسيق مع الروس بوقف إطلاق النار، في جرود عرسال والقلمون، عشية وأثناء تنفيذ صفقة التبادل كان عنصرا حيويا من عناصر إنجاحها.

أما الحريري الذي تُرجح عودته الى لبنان قبل رأس السنة، فقد تمكن الى حد كبير من إجهاض “كمائن التحريض” التي نُصبت على بعض دروب ابراهيم، مساهما في تأمين التغطية الاقليمية والسياسية لتحركه من خلال إبلاغه الامير تميم ان ابراهيم موضع ثقة تامة “بل هو ابن بيت الحريري ونتمنى دعمه ومساعدته”، كما روى مدير عام الامن العام نفسه، الامر الذي سمح بتحصين دوره التفاوضي في مواجهة حملات “التعبئة المذهبية”، وصولا الى تفعيل التعاون بينه وبين المخابرات القطرية.

وفي ما خص الأتراك، تفيد المعلومات ان أنقرة كانت لها مساهمة لوجستية فوق مسرح المفاوضات، عبر استضافتها أكثر من مرة قياديين في “جبهة النصرة”، خلال تفاوضهم مع المخابرات القطرية وابراهيم.

ورحبت وزارة الخارجية الاميركية بإطلاق سراح العسكريين، إلا انها أكدت ان “جبهة النصرة” منظمة إرهابية.

ولا يمكن في معرض سرد الوقائع، إغفال دور الرئيس تمام سلام الذي قاد بكثير من الصمت والصبر “خلية الازمة”، وكذلك دور وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي واكب ابراهيم في كل المراحل.

كما ان الجيش اللبناني ترك بصماته على عملية التبادل، سواء من خلال الاجراءات الدقيقة التي واكبت مراحل التنفيذ او عبر مشاركة قيادته في الترتيبات المتعلقة بـ “الممر الآمن” الذي سيكون تحت إشراف الجيش.

ويُسجل للعسكريين المحررين انهم نجحوا في جمع شتات السلطة، لبعض الوقت، في السرايا الحكومية التي احتضنت العائدين وأهاليهم في مشهد احتفالي، كان يفيض بالدموع.. ويؤمل ان يكون له ملحق قريبا بعد استعادة المخطوفين الآخرين من “داعش”، وهذا فصل، بل تحد آخر، ينتظر اللواء عباس ابراهيم.