IMLebanon

الغموض يكتنف تداعيات مواصلة رفع الفائدة الأميركية مستقبلاً

InterestRate4
بعدما قرر المصرف المركزي الأميركي رفع الفائدة للمرة الأولى منذ نحو 10 سنوات، بدت الدول الناشئة والأسواق المالية في حالة من الهدوء النسبي، بحيث لم يشكل القرار أي صدمات تُذكر سواء على مستوى التداول في البورصات أو في أروقة دوائر صنع القرار المالي والنقدي والمصرفي أو الاقتصادي عموماً.

لكن الإجماع، على ما يبدو، هو الخشية من قادم الأيام وما سيشهده من رفع الفائدة الأميركية تدريجاً وصولاً إلى 1,4 في المئة بنهاية عام 2016، كما يخطط مجلس الاحتياطي الفيدرالي، صعوداً من 0,25 و0,50 في المئة الآن إثر رفعها رُبع نقطة مئوية هذا الأسبوع، بعدما ظلت الفائدة تتحرّك ضمن هامش بين صفر و0,25 في المئة منذ نهاية 2008.

دول مجلس التعاون الخليجي تجاوبت بهدوء الخميس مع رفع الفائدة الأميركية، بما يشير إلى أن معظم المستثمرين يثقون في قدرة المنطقة على حماية ربط عملاتها بالدولار في المستقبل المنظور، مع أن القرار أثار مخاوف من سحب الأموال من الخليج والضغط على عملات مصدري النفط الأغنياء بالمنطقة، وهو ما دفع بالمصارف المركزية في كل من السعودية والبحرين والكويت إلى السعي للدفاع عن عملات دولها عن طريق رفع أسعار الفائدة بنفس القدر خلال نصف ساعة من قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي، قبل أن يحذو مصرف الإمارات المركزي حذوهم في اليوم التالي.

وكالة «فيتش« الأميركية للتصنيفات الائتمانية رأت في رفع المصارف المركزية الخليجية أسعار الفائدة ما يعكس التزامها بربط عملاتها بالدولار وليس نتيجة ضغوط فورية فرضتها السوق. لكنها توقعت، في المقابل، انخفاض متوسط نمو التسليف الحقيقي في دول الخليج إلى 4 في المئة بحلول 2017 من أكثر من 8 في المئة في 2014 مع انخفاض النمو غير النفطي إلى نحو 4 في المئة في 2015-2017، من 5 في المئة عام 2014.

كما تتوقع «فيتش« أن ترفع المصارف أسعار فائدة الإقراض لتعزيز ربحيتها، إلا أن الزيادات، بحسب خبرائها، «لن تكون كبيرة بما يكفي للتأثير بقوة على إجمالي الطلب على القروض في 2016.

تقرير فيتش صدر عملياً في ضوء رفع مؤسسة النقد العربي السعودي (المركزي) معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس (الريبو العكسي) 25 نقطة أساس إلى 50 نقطة أساس وإبقاء معدل اتفاقيات إعادة الشراء عند 200 نقطة أساس على أن يسري مفعول هذا القرار فورا. وكذلك جاء التقرير بعد رفع المركزي البحريني سعر فائدة الودائع لليلة واحدة – وهو سعره الرئيسي للفائدة- 25 نقطة أساس من 0,25 في المئة الى 0,5 في المئة بأثر فوري. كما رفع سعر فائدة الودائع لمدة اسبوع من 5,5 في المئة الى 0,75 في المئة، بينما قرر ابقاء سعر الريبو وفائدة الاقراض عند 2,25 في المئة.

وكان القراران السعودي والبحريني تزامنا مع قرار مشابه في الكويت، حيث رفع المركزي سعر الخصم ربع نقطة مئوية من 2 في المئة إلى 2,25 في المئة، علماً أن السعر الجديد دخل حيز التنفيذ اعتبارا من أمس الخميس. وتلا ذلك بيوم قرار من المركزي الإماراتي قضى برفع سعر الفائدة على شهادات الإيداع 25 نقطة أساس بأثر فوري، علماً أن شهادات الإيداع هي أداة السياسة النقدية التي يستخدمها المركزي ويمرر من خلالها أي تغييرات في أسعار الفائدة.

الاستجابة الخليجية الفورية للقرار الأميركي، كان مشهدها مغايراً في مصر ولبنان، ففي الأولى أرجأ المصرف المركزي الخميس الماضي قراره بشأن أسعار الفائدة الذي تترقبه الأسواق، وقال إنه سيعاود الاجتماع الخميس المقبل عقب إجراء مشاورات مع الحكومة بخصوص التضخم والنمو والموقف الحالي للموازنة العامة وميزان المدفوعات والسياسات المالية والنقدية.

يُذكر أنه في اجتماعه السابق في 29 تشرين الأول، أبقى المركزي على سعر فائدة الإيداع لليلة واحدة عند 8,75 في المئة وفائدة الإقراض لليلة واحدة عند 9,75 في المئة للمرة السادسة على التوالي.

أما في بيروت، فمن المُستبعد أن يكون للقرار الأميركي تأثير مباشر على الفوائد في لبنان في المدى المنظور، وفقاً لما تؤكده حاكمية المصرف المركزي ويعتقد به خبراء اقتصاديون، باعتبار أن الثقة الموجودة ستحافظ على تدفق الودائع المصرفية، إضافة الى الفارق المهم بين الفوائد المدفوعة على الدولار في لبنان وتلك المدفوعة في الخارج، بحسب حاكم مصرف لبنان رياض سلامه.

وينسجم احتواء لبنان ومصر للقرار الأميركي مع ما صرحت به رئيسة المصرف المركزي الأميركي جانيت يلين التي دعت عدم المبالغة في تقييم آثار اول زيادة لمعدلات الفائدة، مشيرة إلى أنها «ربع نقطة مئوية فقط»، مؤكدة ان السياسة النقدية تبقى «مريحة« وستتطور «تدريجاً»، موضحة أن «ما نريد تجنبه هو وضع نكون قد انتظرنا طويلا فيه الى درجة ان يتطلب رفع معدلات الفائدة بشكل كبير مما يمكن ان يؤدي الى توقف ما آمل ان يكون نموا دائماً».

وفي أسواق المال، صعد الذهب أكثر من 1 في المئة الجمعة متعافيا من أكبر خسارة ليوم واحد في 5 أشهر، لكنه بقي قرب أدنى مستوياته في عدة سنوات بعد أن رفع المركزي الأميركي أسعار الفائدة، علماً أن من شأن زيادة اسعار الفائدة ان ترفع تكلفة الفرص الضائعة على حائزي المعدن الاصفر الذي لا يدر عائدا، في حين تدعم الدولار وهو العملة المقوم بها المعدن النفيس.

وصعد سعر أونصة الذهب في المعاملات الفورية 1,3 في المئة إلى 1065,6 دولارا في اواخر جلسة التداول في سوق نيويورك بينما هبطت العقود الاجلة الاميركية للذهب تسليم شباط 1,5 في المئة لتسجل عند التسوية 1065 دولارا.

وأدى رفع سعر الفائدة إلى صعود الدولار والأسهم العالمية في الجلسة السابقة وأدى أيضا إلى هبوط الذهب 2 في المئة. لكن مؤشر الدولار انخفض 0,4 في المئة، وتراجعت ايضا اسواق الاسهم.

ولقيت المعادن الصناعية في مجملها دعما من تراجع مؤشر الدولار وهو ما يجعل السلع الاولية المقومة بالعملة الاميركية أقل تكلفة على المشترين خارج الولايات المتحدة. وبدا ان بعض المستثمرين يعمدون الى تسوية مراكزهم وهي عملية قد تتسارع قبل نهاية العام.

وأغلقت اسعار عقود النحاس القياسية لأجل 3 أشهر في بورصة لندن للمعادن مرتفعة 3,1 في المئة الى 4685 دولارا للطن بعدما كانت هبطت 1,4 في المئة في الجلسة السابقة.

وتعكس حركة الدولار إثر قرار رفع الفائدة مخاوف من تأثير صعود العملة على الولايات المتحدة والاقتصادات الناشئة. ونزل الدولار 1 في المئة أمام العملة اليابانية إلى 121,25 ينا بعد إعلان المركزي الياباني قراره بشأن برنامج التحفيز بينما استقر أمام العملة الأوروبية الموحدة عند 1,0826 يورو. وانخفض مؤشر الدولار – الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من العملات الرئيسية 0,4 في المئة إلى 98,905.

ولئن كانت تداعيات قرار زيادة الفائدة الأميركية محدودة كما تبين من رد فعل الدول والأسواق، تبقى آثار مواصلة هذه الزيادة تدريجاً في المستقبل أكثر غموضاً الآن، نظراً لارتباطها لاحقاً بظروف الاقتصاد العالمي عموماً والأميركي على وجه الخصوص.