IMLebanon

هل ترتسم معالم “سوق أحد” جديد في ساحة التل؟

Tripoli2
في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات في مدينة طرابلس حول الجدوى من وجود سوق الأحد على مداخل المدينة من جهة الميناء البحري مع ما يحدثه من زحمة وفوضى، وبعد أن فقد هذا السوق أسباب وجوده والدوافع إلى هذا الوجود، فإن معالم “سوق أحد” جديد بدأت ترتسم في المدينة وفي وسطها تحديداً عند نقطة ساحة التل هذه المرة.

هذه الساحة الجميلة التي تعدّ مركز وسط المدينة والتي كانت تسمى بساحة جمال عبدالناصر وهي مقابلة لساعة التل الأثرية التاريخية التي أعيد ترميمها وإنارتها بهبة تركية، تفقد جمالها ورونقها وشعور الناس بها بسبب ما يحصل عليها من مدّ للبسطات وغير ذلك..

فعند نقطة ساحة التل بسطات على مدّ عينك والنظر وبالأخص عند وسطها مقابل ساعتها الشهيرة المعروفة بـ “ساعة التل” والتي أعيد ترميمها مؤخراً. هذه الساحة التي تعرف بساحة جمال عبدالناصر، وهي الوسط الحيوي للعاصمة الثانية للبنان، أصبحت اليوم ساحة للبسطات من كل الأنواع إضافة إلى تواجد ماسحي الأحذية من الأطفال السوريين بأعداد كبيرة فيما الزحمة هي سيّدة الموقف دائماً عند هذه النقطة. هذه الساحة التي رفض بعض الحراك المدني قبل فترة تحويلها إلى منطقة خالية من السيارات عبر إنشاء ما يعرف بـ (مرأب التل) فيها كما كان مخططاً، وبغض النظر عن الخلفيات والأسباب والمسببات وعن الأحقية من عدمها، فإن هؤلاء الذين رفضوا “حفاظاً على الطابع الأثري لوسط المدينة ومنعاً لتشويه المنطقة المذكورة حيث ساعة “التل الأثرية” و”المانشية” و “البركة الجميلة”، و “السراي” سابقاً، فإنهم كما يبدو وقعوا عن قصد أو عن غير قصد ومن حيث لا يدرون بمحاذير أكبر ومخاطر أوسع مع تحول هذه المنطقة المسماة بساحة التل إلى سوق شعبي تكتنفه فوضى عارمة، حيث المناداة على البضائع من جميع الأميال، وتشويه كامل لمنظر وسط المدينة عبر تحولها إلى وسط للفوضى والعبث …

اللجوء هو السبب
ثمة من يقول “أن هذا الأمر مردّه إلى ازدياد أعداد اللاجئين السوريين في مدينة طرابلس وتحولهم إلى العمل كبائعي بسطات وقهوة وما شاكل في شوارع وساحات المدينة”. لكن هذا الأمر قد يكون جزءا من الحقيقة، لكنه لا يمكن أن يعكس الحقيقة كلها. فالبسطات المتواجدة في الوسطية الموجودة قبالة (ساعة التل) هي بجلّها لمواطنين لبنانيين طرابلسيين من مناطق مختلفة من المدينة ومن أحيائها الفقيرة، قرروا عرض بضائعهم في هذه المنطقة المكتظة دائماً وبشكل يومي لأنها نقطة ازدحام كونها تضم مواقف (القبة – أبي سمراء- الزاهرية – الميناء …) وكافة المناطق والأحياء في المدينة.

أما العمال السوريون “فمقدور عليهم” كما يشير أحدهم “وهم من صرخة واحدة يهربون جميعاً”. “لكن المشكلة في بعض البسطات المحمية والتي لا يمكن لأحد حتى للبلدية التعاطي معها” على حدّ ما قاله لنا أحد الأشخاص العارفين بالأمر وبما يجري.

“أبو رخوصة”
يشبّه أحد المارّة ما يجري بسوق (أبو رخوصة) من بسطات خضار وفاكهة وبسطات للمكسرات وكتب مرمية على الأرض في بعض الأحيان وألعاب أطفال وغيرها الكثير من الأمور التي تباع بأسعار رخيصة.
في فترات الأعياد (الأضحى والفطر) تصل الفوضى إلى الذروة حيث تمتلئ الساحة بالبسطات بشكل تام فتتحول من أولها إلى آخرها إلى “سوق شعبي” فيه يباع كل شيء ربما قد يباع في أي سوق شعبي آخر. هذا المنظر يكون أقلّ حدة في الفترات التي لا يكون فيها مواسم أعياد، على أن الفوضى تبقى متواجدة وقائمة عبر انتشار البسطات والباعة الثابت منهم والمتجول وإن بأعداد أقل من السابق. وليس لوجود هذه البسطات أي مسوّغ يسمح بالأمر “لأن الرصيف والدوار والباحة الخضراء المفترض أنها قائمة لأجل الزينة والمنظر في مكان وسطي في عاصمة لبنان الثانية، هو ملك عام وليس ملكاً شخصياً لتقام فيه الأسواق وتفرش وتعرض فيه البضائع على أرضها !.

لأماكن مخصصة

يرفض العديد من أصحاب البسطات التحدث إلى الإعلام خوفاً من تعرضهم لحملة ملاحقة ومنع وإزالة لهذه البسطات. على اعتبار أنهم يرون الأمر حقاً من حقوقهم للعيش والكسب في هذه الظروف المأساوية الصعبة التي يمر بها الناس.

أحد أصحاب البسطات يشير الى “أن البلدية تقوم أحياناً بحملات قمع فتمنع البسطات من التواجد في هذا المكان وأحياناً تقوم بغضّ النظر بعض الشيء عنها. البسطات والباعة هنا بمجملهم من أبناء المدينة ومن الناس الفقراء البسطاء… فهذا جاري بائع العصير يأتي يومياً من الميناء يجر عربته مع ساعات الصباح الأولى حتى يصل إلى هنا كي يبيع ويعتاش مع عائلته. في الميناء قاموا بإزالة البسطات من دون تأمين البديل للناس فهل المطلوب أن تموت الناس أيضاً؟”.
وأضاف: ” نطالب بأماكن مخصصة أو أسواق للبيع وللبسطات تقام في المدينة من قِبل البلدية والمعنيين تكون عصرية ولائقة وتكون قريبة من زحمة الناس وعندها فإننا سنترك هذه المنطقة وأي منطقة قد يكون تواجدنا فيها مسرحاً للإعتراض والرفض الشعبي”.

أما الرافضون لهذه الظواهر الفوضوية في المدينة، فإنهم يشكون “من تحول وسط المدينة إلى ساحة للفوضى وهو إرث ومعلم تاريخي يجب أن يعكس هيبة المدينة وتاريخها ووقارها لا أن يعكس صورة متدنية عنها وعن تراثها”. كما أنهم يخافون “أن يكون مآل منطقة ساحة التل كمآل السويقة التي تحول فيها مشروع (إحياء الإرث الثقافي لمدينة طرابلس) إلى بسطات للتنك المنتشرة هنا وهناك والتي يعاد تركيبها بعد كل مرة تقوم البلدية بإزالتها”.

لحل جذري
يتمنى أبناء المدينة والغيورون على مصالحها أن تقوم البلدية بإيجاد حل جذري لموضوع البسطات والأسواق الشعبية الفوضوية المنتشرة هنا وهناك وخصوصاً في وسط المدينة والتي تؤثر سلباً على الصورة الحضارية للمدينة من خلال إيجاد أسواق بديلة للناس بما يحفظ حياة الفقراء من جهة ويمنع هؤلاء ايضاً من خدش المنظر العام والطابع التاريخي والأثري للكثير من الأماكن التي يتجسد تراث مدينة طرابلس فيها وذلك على مبدأ “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”.

الفوضى في مدينة طرابلس لم تعد تطاق، ووضع الناس المعيشي المذري لم يعد مقبولاً السكوت عنه أيضاً، وبالتالي “فإن البلدية وسياسيي المدينة مطالبون بإيجاد صيغ وحلول وابتداع أفكار ومشاريع تنعش الواقع الاقتصادي للناس من جهة وترتقي بالمنظر العام للمدينة من جهة أخرى”.