IMLebanon

أردوغان أقنعَ السعوديين بـ”الحزم”

turkey-president-ardogan-erdogan-new

 

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

حرصَ الأتراك على أن يعلنوا أنّهم ضد إعدام الشيخ نمر النمر. أوّلاً لعدم تحَمُّل المسؤولية عن التداعيات المحتملة، وثانياً لعدم قطعِ شعرة معاوية مع إيران، وثالثاً لتوجيه رسالة إلى الغرب مفادُها أنّهم لا يخالفون حقوقَ الإنسان بتأييد عقوبة الإعدام. ولكن، فعلياً، كانت قمّة أردوغان – سلمان، سبباً مباشراً لتنفيذ عملية الإعدام.قبل يومٍ واحد من إعدام الشيخ النمر، كان الرئيس التركي يجري محادثات حسّاسة في المملكة، انتهت إلى تركيب «مجلس تعاون استراتيجي».

وقبل ذلك بأيام، كان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد لبّى دعوة السعودية لزيارتها والبحث في تحسين العلاقات بين مصر وتركيا.

وتردّد أنّ الفكرة كانت تقضي بعَقد قمّة ثلاثية في الرياض تضمّ الملك سلمان بن عبد العزيز وأردوغان والرئيس عبد الفتاح السيسي، تنتهي بتكريس تحالف القوى السنّية الإقليمية الكبرى في وجه تحالف إيران – روسيا.

ولكن، يبدو أنّ السيسي لم يتحمَّس للاستعجال في المشاركة. فهو ما زال ينظر إلى أردوغان بوَصفه الداعمَ الإقليمي الأوّل للرئيس المصري السابق محمد مرسي، وما زال يخشى أن يقوم الرئيس التركي بتقوية «الإخوان المسلمين» مجدّداً في القاهرة. ولذلك، أرسَل السيسي وزيرَ خارجيته مجدداً إلى الرياض خلال القمة التركية – السعودية، حيث التقى أردوغان من باب جسّ النبض.

وأساساً، الفتور في العلاقة بين تركيا والسعودية يعود خصوصاً إلى التضارب حول الملف المصري. فتركيا لا تنسى الدعم القوي الذي قدّمته السعودية للسيسي في وجه مرسي.

وعلى هامش القمّة التركية – السعودية، استمعَ وزير الخارجية المصري إلى أردوغان الذي أبلغَه برغبة أنقرة في التعاطي مع السيسي وسحب يده من «الإخوان».

وتزامناً، وجَّه أردوغان رسالة إلى إسرائيل مفادُها أنّ إقامة علاقات طيّبة معها هي من مستلزمات استقرار الشرق الأوسط. وفي المعلومات المتداوَلة في الأوساط المطّلعة أنّ أردوغان قدّمَ لإسرائيل تعهّداً بسحب يدِه من حركة «حماس» التي تُعتبَر الجناح الفلسطيني من «الإخوان المسلمين» الذين هم النسخة العربية من «حزب العدالة والتنمية» التركي.

 

لقد أوحى أردوغان أنّه «باع» «حماس» الفلسطينيين لتطمين إسرائيل، و»باع» «إخوان» المصريين لتطمين السيسي و»باع» «داعش» وأخواتها في سوريا لتطمين الولايات المتحدة والغربيين.

ووفقَ مطّلعين، أقنعَ أردوغان القيادة السعودية بأنّ سياسة طهران في المرحلة المقبلة، بعد بدءِ تنفيذ الاتفاق حول النووي، هو التفرّغ لبَسط سيطرتها في الشرق الأوسط، وتحديداً في الخليج العربي، انطلاقاً من اليمن. وجرى التداول بالمخاطر الجدّية التي تهدّد المنظومة الخليجية العربية في المرحلة المقبلة، ولا سيّما السعودية والبحرين والكويت.

كان أردوغان ميّالاً إلى اعتماد أسلوب المواجهة. ولفت القيادة السعودية إلى أنّه اضطرّ قبل أسابيع إلى إسقاط المقاتلة الروسية فوق منطقة الحدود مع سوريا لرسم قواعد الاشتباك معها. وقد مرّت العاصفة بلا أضرار مهمّة، وأدركَ الروس حدودَهم.

وفي تقدير الأتراك أنّ إيران ستقابل دائماً سياسة المرونة وتقديم التنازلات بمزيد من المطالب. وعندما يتمّ إرضاؤها بأيّ تنازل، ستسارع إلى المطالبة بالمزيد والمفاوضة على أساس سقف أعلى.

ومِن النماذج، التسوية المطروحة في سوريا، والتي وافقَ فيها السعوديون على استمرار الأسد في المرحلة الانتقالية، فما كان من الإيرانيين والروس إلّا أن طالبوا ببقاء الأسد في مستقبل سوريا، وبمزيد من الشروط في ما يتعلق بالقوى المعارضة المشاركة في المفاوضات. كما جاء اغتيال زهران علوش ليؤكّد استمرارَ سياسة التصلّب.

ومن النماذج أيضاً، أنّ السعوديين وافَقوا على تسوية سياسية في لبنان تأتي برئيس جمهورية هو أبرز حلفائهم، فإذا بإيران ترفض التسوية وتشترط بدءَ المفاوضة على سقف عالٍ وطالبَت بتقديم تنازلات أخرى.

وفوق ذلك، جرى في القمّة التركية – السعودية عرضُ تقارير توحي بأنّ إيران في صَدد الدخول أكثر في اللعبة اليمنية والخليجية عموماً، ما يَجعل الاستقرار الخليجي في مهبّ الريح.

وهكذا، جرى التفاهم على نهج المواجهة مع إيران وفقَ مقولة: «الهجوم خير وسيلة للدفاع». وضمن هذا المنطق، جرى التفاهم على أن يخرج السعوديون من حال التردّد وعدم انتظار الرئيس الأميركي باراك أوباما، لأنه أساساً متردِّد ومُربَك في الشرق الأوسط.

ويقول بعض المطّلعين إنّ مسألة تنفيذ حكم الإعدام بالشيخ نمر النمر كانت تُراود السعوديين، لكنّهم يفضّلون التأجيل إلى توقيت أفضل. وبعد القمّة، والإعلان عن التحالف الاستراتيجي مع تركيا وتقريب مصر من أنقرة، وجَد السعوديون أنّ تنفيذ الحكم باتَ ممكناً.

فإذا كانت عاصفة إسقاط الطائرة الروسية قد مرّت من دون أضرار روسية مهمّة على تركيا، فمن المرجّح أن يمرّ إعدام النمر من دون أضرار إيرانية مهمّة على السعودية. ومن الضروري التذكير بأنّ زهران علّوش كان أحدَ أبرز المحسوبين على السعودية، وهي لم تقُم بأيّ ردّ فِعل على اغتياله.

وما إنْ غادر أردوغان المملكة حتى جرى تنفيذ إعدام الإمام الشيعي وثلاثة آخرين من الشيعة، مقابل 43 سنّياً محسوبين «خارجين عن الدين» للحدّ من الطابع المذهبي لإعدام النمر.

في تقدير البعض أنّ الرياض وجَدت نفسَها مرغمة على الاقتناع بطرح أردوغان، انتهاج «سياسة الحزم» مع إيران. فربّما تنجح في الحدّ من تماديها في طلب التنازلات وإملاء الشروط. وفي تقدير البعض أن لا شيء سيَخسره السعوديون إذا لم تنجح هذه السياسة.

ويؤكد المطّلعون على الموقف السعودي أنّ «فلسفة الحزم» التي لجَأ إليها السعوديون، بدعم أردوغان، وقرارهم إعدامَ الشيخ نمر النمر، هما نتيجة حسابات دقيقة، مع التحسُّب لكلّ التداعيات الممكنة.

ويقول هؤلاء: فليَطمئنّ الجميع إلى أنّ أحداً لم يَدفع بالرياض إلى «دعسة ناقصة» والانزلاق إلى قرار الإعدام في هذا التوقيت، كما جرى دفعُ الرئيس العراقي السابق صدام حسين لدخول الكويت، فوقعَ في المحظور. فليس هناك مجالٌ للمقارنة بين الحالَين.

قد يكون نهج الحزم الذي ارتأى أردوغان اعتماده مناسباً فيربح هو والسعوديون معاً. ولكن، إذا أدّى هذا النهج إلى مواجهة مكلِفة وطويلة مع إيران، فإنّ العرب سيَدفعون الثمن بكلّ المقاييس.

وأمّا أردوغان فسينكفئ باحثاً عن موقع لـ«سَلطنتِه النيو عثمانية»، بالتفاوض مع «الإمبراطورية النيو فارسية»، وطبعاً إسرائيل التي أرسَل إليها التحيّات قبل ساعات من إعلان «التحالف»… ضد مجهول!