IMLebanon

لبنان يخسر فرصة بالتوتر السعودي-الإيراني

lebanon-economy
بروفسور جاسم عجاقة
لم يكن ينقص لبنان إلّا نشوب أزمة في العلاقات السعودية الإيرانية، ليكتمل نصاب العوامل المؤثرة سلباً في الإقتصاد اللبناني. ويُظهر التحليل أنّ قطع العلاقات بين السعودية وإيران، يُخسّر لبنان فرصة إقتصادية تفوق الـ 3 مليارات دولار أميركي في العام 2016.
أظهر التاريخ مدى تأثر لبنان سياسياً، أمنياً وإقتصادياً بالصراع السعودي – الإيراني. فالمعروف تاريخياً أنّ دول الخليج العربي كانت من أكبر المُستثمرين في الاقتصاد اللبناني، كما أنّ التبادل التجاري مع هذه الدول، عدد السواح الخليجيين الذين كانوا يقصدون لبنان، وعدد العمال اللبنانيين العاملين في هذه البلدان، جعلت من الاقتصاد اللبناني رهينة للتطوّرات السياسية بين دول الخليج وبالتحديد المملكة العربية السعودية من جهة والجمهورية الإسلامية في إيران من جهة أخرى.

أما العلاقات اللبنانية – الإيرانية فقد كانت مُقيدة بحكم العقوبات الدولية على إيران والتي إشتدّت في السنوات الأخيرة لتمنع بالتالي أيّ تبادل تجاري فعلي مع إيران بحكم عدم قدرة مصرف لبنان على التعامل مع المصرف المركزي الإيراني القابع تحت ثقل هذه العقوبات.

ففي العام 2014، بلغ حجم الإستيراد اللبناني من إيران 50 مليون دولار أميركي وحجم التصدير اللبناني إلى إيران 3.2 ملايين دولار أميركي مقارنة مع 415 مليوناً إستيراد و377 مليوناً تصدير من وإلى السعودية.

أضف إلى ذلك أنّ تحاويل المُغتربين اللبنانيين من المملكة العربية السعودية إلى لبنان تبلغ 8% من مجموع التحاويل إلى لبنان لتحتل بذلك المرتبة الخامسة خلف الولايات المُتحدة الأميركية (22%)، أوستراليا (14%)، كندا (13%)، وألمانيا (10%). أما التحاويل من إيران إلى لبنان من مغتربيين لبنانيين فهيى شبه معدومة.

دول الخليج العربي قامت بخفض إستثماراتها في لبنان ومنعت مواطنيها من السياحة في لبنان كردة فعل على خياراته السياسية في الأعوام الماضية. وكنتيجة لذلك، تراجع الاقتصاد اللبناني حكماً بتراجع الإستثمارات الخليجية والتي سجّلت تراجعاً يُقارب الـ 90% في بعض القطاعات.

إلّا أنّ الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني في آب الماضي والآفاق الجديدة التي رسمها إحتمال عودة إيران إلى المجتمع الدولي مع رفع العقوبات عنها، دفع بوفد من رجال الأعمال اللبنانيين إلى الذهاب إلى إيران للبحث مع المسؤولين الإيرانيين في أطر تعاون إستثماري وتجاري.

وخلصت هذه اللقاءات إلى أجواء إيجابية وواعدة في ما يخص علاقة مُستقبلية مُحتملة تحتوي على أربعة محاور: الأوّل الإستثمارات اللبنانية في إيران، الثاني الإستثمارات الإيرانية في لبنان، الثالث التبادل التجاري، والرابع دعم المحاور الثلاثة (مجلس رجال أعمال، تعديل القوانين…).

وبحسب التحاليل، يبقى القطاع المصرفي اللبناني على رأس القطاعات التي يُمكنها الإستفادة من هذا الإنفتاح على إيران خصوصاً أنّه مُتطوّر نسبياً ويُمكنه أن يلعب دوراً أساساً في تحاويل إيران الدولية كذلك في تطوير القطاع المصرفي الإيراني الذي يرزخ تحت وطأة العقوبات الاقتصادية.

أيضاً يُمكن القول إنّ احتمال تحويل لبنان إلى منصة إقليمية للمنتوجات الإيرانية كان من المحاور الواعدة ولا سيما أنّ موقع لبنان وتميّز شبابه التجاري وإنفتاحه على الدول المُجاورة يجعل منه فرصة للسلطات الإيرانية لزيادة تصدير بضائعها.

لكنّ التوتر في العلاقات السعودية – الإيرانية أخّر هذا المشروع وجمّد كلّ إحتمالات التعاون مع الجمهورية الإسلامية في إيران. ويعود السبب بالدرجة الأولى إلى أنّ مصالح رجال الأعمال اللبنانيين ترتبط بدول خليجية أو مع أشخاص تؤيّد دول الخليج، وبالتالي فإنّ رجل الأعمال – الذي يفوق معيار عائدات رأسماله كلّ المعايير الأخرى – يرى أنه سيخسر الكثير بفتح أبواب جديدة مع إيران والتخلّي عن كلّ ما له من مصالح أخرى.

وكنتيجة لذلك، خسر لبنان فرصة إقتصادية كانت لتؤمّن له أكثر من 3 مليارات دولار هذا العام موزَّعة بين القطاع المصرفي، القطاع الحراري والقطاع الخدماتي.

أما على صعيد الاقتصاد الإيراني، فإنّ الخسائر ستكون أكبر من ذلك بكثير لأنّ إيران ستخسر شريكاً أساساً وهو الإمارات العربية المُتحدة التي تُشكل ما يقارب ثلث التبادل التجاري الإيراني. وإذا كانت الإمارات قد قطعت العلاقات الديبلوماسية مع إيران، إلّا أنّ السؤال يبقى عن العلاقات الاقتصادية.

فإمارة دبي المعنية الأكثر بهذا التبادل ستخسر أيضاً وهي التي دفعت ثمن الأزمة المالية التي عصفت بها في العام 2009 لولا مساعدة إمارة أبو ظبي لها. وهنا يُطرح سؤال عن تعويض الخسائر على إمارة دبي وإذا ما كانت قد تلقّت وعوداً بذلك من قبل الإمارات الأخرى ومن قبل المملكة العربية السعودية.

وعن مدى وعي السلطات الإيرانية لهذا الأمر، نرى أنّ السلطات الإيرانية تُعوّل كثيراً على التعاون مع دول أخرى لتعويض هذه الخسارة خصوصاً مع تركيا (التي تريد لعب دور الوسيط)، الباكستان (التي زارها البارحة وزير الخاريجية السعودية بهدف الضغط على الحكومة الباكستانية)، روسيا (الحليف الإقليمي الجديد)، العراق (الشقيق العدو)… وكلّ هذا يأتي في ظلّ إنخفاض مُستمرّ لأسعار النفط قد يُقلّل من الفرص أمام الاقتصاد الإيراني من الإستفادة من رفع العقوبات الذي سيسري مفعوله خلال بضعة أيام.

في ظلّ هذه المُعطيات، نرى أنّ المنطقة العربية التي تعيش آتون الصراع المذهبي، تخسر فرصاً إقتصادية كبيرة. وإذا كانت كلّ دولة من هذه الدول تتحمّل تداعيات هذا الصراع إيجاباً أو سلباً، يبقى لبنان – الحلقة الأضعف – رهينة الإنقسام السياسي الذي يأسر معه الاقتصاد اللبناني ويجعله رهينة مزاج العلاقات السعودية – الإيرانية.