IMLebanon

الفساد في سورية يضيّق الخناق على ضحايا الحصار الجياع

madaya

إريكا سولومون من بيروت

بعد أشهر من على حافة المجاعة في مدينة دير الزور المحاصرة، فإن السوريين من ميسوري الحال مثل فادي بدأوا ببيع ممتلكاتهم الثمينة – المجوهرات والسيارات حتى العقارات – لضمان أن يكون لدى أسرهم وجبة واحدة أساسية يوميا.

ما يعذب فادي أكثر من فكرة بيع ممتلكاته هو الناس الذين يشترونها: صيدلي له علاقات مع إحدى الميليشيات لجلب الدواء، والتجار الذين يعقدون الصفقات عند نقاط التفتيش الحكومية، لتهريب مسحوق العصير أو الخضار.

يقول فادي، الذي يستخدم اسما مستعارا لحماية عائلته: “نحن جميعا تحت نفس الحصار”. ويضيف: “يوجد بعض الناس الذين تعلموا استغلال الظروف. الفساد وحده هو الذي يمكن أن يفسر كيف يمكن لهذا الحصار أن يستمر وقتا طويلا”.

في الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات بين بشار الأسد والمعارضين الذين يسعون إلى الإطاحة به، فإن الحصار – الذي أطلق عليه اسم “استسلموا أو موتوا جوعا” من قبل نشطاء المعارضة – أصبح تكتيكا مشتركا من قبل جميع الأطراف في الصراع.

يقول الناشطون والتجار والسكان المحاصرون في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز، في حين أنه يتم استخدامهم أساسا باعتبارهم استراتيجية عسكرية، إلا أن المكاسب المالية أصبحت ذات أهمية مماثلة في المعادلة الوحشية.

وتقول سيج ووتش، وهي منظمة تتتبع الحصار عبر سورية، إن هناك أكثر من مليون شخص عالقين في المناطق المحاصرة. وتقول الأمم المتحدة إنه عندما يتم تضمين المناطق التي “يصعب الوصول إليها” خلف خطوط الجبهة، يرتفع العدد إلى 4.5 مليون شخص.

هذا الأسبوع، أمنت الأمم المتحدة الدخول إلى بلدة مضايا المعارضة وبلدتي كفريا والفوعة المواليتين للحكومة شمال سورية، بعد أشهر من حصار العين بالعين.

وكانت الظروف مروعة بشكل خاص في مضايا، التي تبعد فقط 40 كيلومترا عن العاصمة، حيث كانت كلفة كيلوجرام من الأرز في هذه البلدة 450 دولارا الأسبوع الماضي، كما يقول محمد الشامي، وهو ناشط يعمل في مركز طبي في مضايا.

كان الشامي يمتلك مكتبا عقاريا ومحلا لبيع الهواتف النقالة، ولكنه باع سيارته ومقدارا لا بأس به من مجوهرات زوجته، ليحصل على مزيج من الماء والبهارات مع قليل من الأرز لهما، ولابنهما البالغ من العمر سبعة أشهر.

يحذر محللون من أنه في الوقت الذي تتعلم فيه الأطراف المتنافسة الاستفادة من المجتمعات البائسة، ومن بعضها البعض، فإنه سيكون في مصلحتها الحفاظ على الصراع.

رامي عبد الرحمن من مجموعة المراقبة “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، يقول، إنه يغلب على ظنه أن أغنياء الحرب تخريب وقف إطلاق النار في وسط مدينة حمص والضواحي الشرقية لدمشق. وكما يقول عبد الرحمن: “جميع الأطراف تفعل ذلك.. لدينا هذه الظاهرة في سورية تسمى “أعمال نقاط التفتيش”.

نقاط التفتيش التي تسيطر عليها جماعات تحاصر بعضها البعض هي فرصة لكل من المقاتلين والتجار لكسب المال من السلع التي تمس الحاجة إليها، مع ارتفاع الأسعار أربعة أضعاف أو أكثر. صاحب المشاريع الثري من دمشق يصف كيف وصف له رجل أعمال آخر، الذي كان مقربا من النظام، طريقة سيطرته على توريد المواد الغذائية المعلبة لبعض المدن المحاصرة خارج العاصمة. يستذكر صاحب المشاريع: “قال لي إنه كان قد كسب مليوني دولار في الأشهر الثلاثة الماضية”. ويضيف: “إذا ذهبت إلى الحانات والمطاعم في أنحاء فندق “فور سيزونز” في دمشق، فلن تتمكن من العثور على مكان للاصطفاف – هناك كل هؤلاء الناس الذين يقودون سيارات بورش جديدة، ورينج روفرز، ومازيراتي. طبقة ممن اغتنوا حديثا من الحصول على المال من البؤس”.

منطقة مدينة دير الزور التي يسيطر عليها النظام، حيث يعيش فادي، تحاصرها قوات داعش منذ أكثر من سنة، ويعتبرها بعض السوريين مثالا على الفساد الذي يعمل على إطالة أمد الحصار.

ويشيرون إلى أن النظام، الذي لديه سلاح الجو، يمكنه ببساطة انتشال جميع المدنيين جوا.

يقول رجل أعمال دمشقي: “هناك عدد قليل من القادة سيئي السمعة في دير الزور الذين هم في الأساس لا يريدون السماح للناس بالمغادرة، حتى يمتصوا منهم كل قرش”.

أبو حسن وهو معارض جريح من المدينة المحاصرة دوما، يشعر بخيبة أمل بشكل مماثل من حلفائه المعارضين. لقد تم تهريبه بعد عامين من الحصار من خلال شبكة معقدة من الأنفاق التي بناها المعارضون، وانتهى به الأمر داخل دمشق. بنيت الأنفاق لجلب السلع والإمدادات في السنوات الأخيرة، ولكنها مقصد أيضا للمقاتلين المعارضين والتجار للسيطرة على السوق.

وقد احتج السكان مرارا وتكرارا ضد هذا النظام. يقول أبو حسن إنه رأى ذات مرة الكتائب المعارضة، وهي تقتتل للسيطرة على شحنة من السكر. “السكر مثل الذهب. يمكنك بيعه مقابل ثلاثة آلاف ليرة سورية للكيلو. كان يكلف 70 ليرة سورية”.

في مضايا، يقول الشامي إن هناك مجموعة أخرى من الرجال الذين استفادوا من تخزين البنزين والمناشير، يتوجهون بسيارتهم إلى التلال المحيطة بالبلدة لتقطيع الأشجار لجمع الحطب، المصدر الوحيد للوقود تحت الحصار.

ويقول إن سعر هذا الحطب بما يكفي لمدة شهر للتدفئة والطهي يكلف نحو 800 دولار- وهو مبلغ لا تطيقه معظم الأسر. كما يضيف: “إذا نظرتم إلى الخارج الآن، التلال عارية”.

التحويلات المالية المرسلة من الأقارب والأصدقاء في الخارج أصبحت أمرا حاسما في اقتصادات الحصار. يصل الجنود جوا إلى المناطق المحاصرة من دير الزور لجلب المال للعائلات – مقابل اقتطاع جزء منه. مكاتب تحويل الأموال هي أيضا مربحة.

وكما يقول النشطاء، تاجر المال داخل منطقة محاصرة عادة ما يكون لديه شريك خارجي، يمكنه ترتيب المدفوعات ونقل الأموال من خلال نقاط التفتيش.

رصيد الهاتف المحمول هو أيضا وسيلة لتحويل الأموال. يقول أحد النشطاء من حي الوعر في حمص: “أحد الأقارب في الخارج يرسل، على سبيل المثال، رصيدا بقيمة 100 ألف ليرة سورية لرجل أعمال داخل المدينة المحاصرة. ويعطي النقد للأسرة، ثم يبيع الرصيد عبر الهاتف.” ويضيف: “الناس دائما ما يجدون وسيلة لذلك”.

لا تزال نقاط التفتيش شريان الحياة الرئيس. الحاجز الموجود في دير الزور كان يسمى حاجز المليونير، الذي اكتسب اسمه بسبب مبالغ الحماية التي تُطلَب مقابل الذين يتم عبورهم في حماية المسلحين.

بعد الحصار، عندما أخذ الجنود يطالبون بمبالغ بحدود 1500 دولار على الأقل، أعاد السكان المحليون تسمية الحاجز بحاجز الملياردير. بالنسبة لأبي الحسن، الحياة في ظل الحصار تركته في مرارة شديدة تجعله يتوقف عن مواصلة القتال.

ويقول: “كل من يقول إن هناك شخصا يستطيع إنهاء هذه الحرب، فهو كاذب”.